- التخطيط الجيد جذب المواطنين وساهم في رفع قيمة المتر داخل المدن الجديدة أضعاف الأحياء الراقية في المحافظات
- سرعة استصدار الورقيات وتسخير التكنولوجيا واستقبال شكاوى المواطنين بأكثر من وسيلة ساهم في حل المشاكل
محاولات مستميتة من البرلمان أكثر من مرة لضم المدن الجديدة للمحليات، إلا أن الحكومة كانت تدافع بكل قوة لعدم ضمها، وخاصة بعد نجاح تجربة هذه المدن وتفوقها على المحليات، والتي استطاعت في فترة قليلة أن تحقق معدل تنمية حقيقى داخل المدن الجديدة، وتوفر مبالغ مالية كبيرة من خلال الاعتماد على الموارد، فضلا عن أسباب أخرى، نستطردها معا في هذا التحليل لبيان كيف نجحت أجهزة المدن وفشلت المحليات؟
وزير الإسكان وقتها الدكتور مصطفى مدبولى وقف في البرلمان مدافعا، قائلا: "المجتمعات العمرانية الجديدة نموذج ناجح ولا يجب قتله بنقلها للمحليات، ومصر الدولة الوحيدة التى نجحت فى إنشاء 35 مدينة جديدة فى 35 سنة، وقال أيضا المدن الجديدة أساس التنمية والوحيدة التى تطبق فيها اللامركزية ولا يوجد بها فساد ومشاكل مثل المحليات.
الدفاع الشديد الذى صدر من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزاراء الحالي، والذى كان يشغل وقتها وزيرا للإسكان، يؤكد كيف كان يدافع عن نجاح تجربة مصر، ورغبته في استمرار هذه التجربة، وعدم دمجها في نظام، فشلت حكومات كثيرة في إصلاحه، لدرجة أن موظفي المحليات نجحوا في تقنين الفساد، وهذا ما أكده اللواء أحمد زكى عابدين، وزير التنمية المحلية السابق، خلال حديثى معه في وقت سابق.
وبرر الدكتور مصطفى مدبولى قائلا : "ليه الدولة فكرت فى موضوع المجتمعات العمرانية الجديدة، الدولة وجدت أنه لا ملجأ ولا مخرج إلا بتعمير المجتمعات الجديدة وكان فكرها أعمل قانون لمناطق مستقلة يعمل تنمية خارج بيروقراطية المحليات، وهذا هو ما تم، وحتى لا نقسوا على التجربة، نحن الدولة الوحيدة فى العالم التى نجحت فى إنشاء 35 مدينة جديدة فى 35 سنة، وهناك تباين فى النمو فى كل مدينة والأخرى، وعدد كبير من هذه المدن يتجاوز عدد سكانها مليون ونص نسمةا، وتعد من أكبر المدن على مستوى مصر".
كما أكد وقتها أيضا المستشار مجدى العجاتى، وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، إن الحكومة تتمسك باستمرار المجتمعات العمرانية الجديدة على وضعها الحالى وعدم نقلها للمحافظات والمحليات، وقال إن قانون المجتمعات العمرانية ليس له علاقة بقانون الادارة المحلية، وهيئة المجتمعات العمرانية منشأة بقانون خاص ولها موازنة مستقلة عن ميزانية الدولة".
وتابع: "مفيش ولا مجتمع عمرانى ينقل فى المحافظات لأنه فيه تنمية وطالما فيه تنمية ومدن ناجحة على أحسن نظم عالمية ولسه أمامها سنوات طويلة ومستمرة فى عملية التنمية يبقى ليه ننقلها للمحليات ونعطل التنمية، وقانون 7 لسنة 1990 نظم عملية إنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة وهيئة التنمية الصناعية والتنمية الزراعية وكل هيئة لها نشاط محدد فى القانون".
ولا شك أن تجربة نجاح المدن الجديدة، بالمقارنة بالمحليات كان لها أسباب عديدة، يأتي في مقدمة هذه الأسباب اللامركزية، فتعد المدن الجديدة هي الجهة الوحيدة في مصر التي تطبق اللامركزية ، والتي تتمثل في منح رؤساء أجهزة المدن صلاحيات واسعة أقوى من صلاحيات المحافظ، وهو ما ساعد بشكل حقيقى في قدرة رؤساء الأجهزة على اتخاذ قرارات سريعة، وقوية ساهمت بشكل كبير في تحقيق أكبر نسبة تنمية داخل هذه المدن، حيث هناك بعض المدن تخطى عدد سكانها المليون نسمة.
كما هناك أسباب أخرى، وهى الاستعانة بدماء جديدة، فالاستعانة بشباب لتولى رؤساء أجهزة المدن، ساهم كبير فى احداث نسبة تنمية، كما أن المواطن شعر بالقرب من رئيس الجهاز نظرا للجولات المستمرة التي يقوم بها هؤلاء الشباب رؤساء أجهزة المدن، كما استطاعوا هؤلاء أن يواكبوا التكنولوجيا بشكل أكبر، مما كان يسبقوهم، فأطلقوا رؤساء هذه المدن عدة وسائل للتواصل مع المواطنين ، فهناك من أطلق خدمة الواتس اب لتلقى الشكاوى والتواصل مع المواطنين، وهناك من قرر تلقى طلبات ترخيص البناء من خلال الإيميل" البريد الإلكترونى" ، وهناك من هؤلاء الشباب من لجأ لأكثر من وسيلة، وعمل ما يسمى بجروبات عمل واجتماعات ان لاين للتواصل مع المسئولين، وكذلك مع المواطنين.
وكذلك ساهمت سرعة اتخاذ القرار، بشكل كبير في تغيير شكل هذه المدن عن المحليات، فاستصدار رخصة البناء قد لا تستغرق أسبوع في بعض الأوقات ،بينما أن تتعامل مع المحليات سواء في رصخة بناء أو هدم قد يستغرق ذك شهور، فضلا عن المبالغ المالية التي قد يطلبها منك البعض مقابل انهاء الأوراق، أو أم تجد البيروقراطية هي العقبة التي تواجههك حال رفضك دفع مبالغ مالية نظير انهاء بعض الأوراق.
كما أن التخطيط الجيد للمدن الجديدة، بالمقارنة بما حدث داخل المحافظات والأحياء القديمة، كان أحد الأسباب الرئيسية في زيادة الإقبال من قبل المواطنين على المدن الجديدة، لدرجة وصلت أن سعر المتر في المدن الجديدة تخطى أضعاف سعر المتر في المناطق الراقية في الأحياء القديمة كالمهندسين والدقى ووسط البلد.
توافر ما يسمى بإدارة شرطة التعمير، وهو ما يمكن أجهزة المدن من إحكام السيطرة على أعمال مخالفات البناء، وإزالة الإشغالات بصورة أسرع، وهو ما يميز المدن الجديدة بعدم وجود عشوائيات بها، وهناك سبب أخر ، وهو قدرة أجهزة المدن على استغلال الموارد بشكل كبير، من خلال بيع أراضى، وإنشاء مولات تجارية تابعة للأجهزة تدر دخل مستمر، فضلا عن مشروعات الشراكة وغيرها من المشروعات التي تضمن دخل مستمر لأجهزة المدن.
وهنا يأتي السؤال، بعد نجاح هذه المدن والتجربة الفريدة ، لماذا لا تطبق هذه التجربة على المحليات نفسها بدلا من مطالبة النواب لضم المدن الجديدة للمحليات، فالحل يكمن في تطبيق اللامركزية فالمحليات لن ينصلح حالها إلا بتطبيق اللامركزية ومنح المحافظين صلاحيات واختصاصات كافية تمكنهم من إدارة الوحدات المحلية والإدارية الداخلة فى نطاقها.