وسط توقعات بتراجعات فى الاقتصاد العالمى بصورة كبيرة جراء جائحة كورونا، لتشمل هذه الانخفاضات دولا ذات اقتصاد ضخم، حيث غيرت مؤسسات التصنيف الدولية نظرتها المستقلبية لهذه الاقتصاديات وحولتها من مستقرة إلى سلبية، لكن اقتصاد مصر لا يزال صامدا رغم الأزمة الحالية، وذلك على خلفية الإصلاحات الاقتصادية التى قادها الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ عام 2016، والتى جعلت اقتصاد القاهرة أكثر قدرة على تحمل الصدمات.
ويبدو أن الفضل فى صمود الاقتصاد المصرى حتى الآن فى مواجهة تداعيات فيروس كورونا، يعود إلى برنامج مصر الإصلاحى16، والذى خلق وفرا أوليا فى الموازنة، وعالج الاختلالات فى قطاعات اقتصادية مختلفة، وحقق خفض فى معدلات الدين ، إضافة إلى تحقيق زيادات غير مسبوقة فى الاحتياطى النقدى وصلت إلى 45 مليار دولار، قبل تراجعه لـ 37 مليار جراء جائحة كورونا، وذلك لتغطية تراجع استثمارات الأجانب والمحافظ الدولية وكذلك لضمان استيراد سلع إستراتيجية، بالإضافة إلى سداد الالتزامات الدولية على مصر.
نظرة المؤسسات المالية الدولية وكذلك صندوق النقد الدولي، الذى توقع أن تكون مصر الدولة العربية الوحيدة التى تحقق نموا اقتصاديا خلال 2020 فى ظل تداعيات انتشار فيروس «كورونا»، واصفا الإجراءات التى اتخذتها مصر للحد من آثار جائحة فيروس «كورونا» المستجد بالـ«حاسمة» تدعمها حزمة تحفيز شاملة تشمل احتواء انتشار الفيروس وكذلك تدابير نقدية ومالية قوية.
وذكر الصندوق عبر مديره لدائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى جهاد أزعور- فى تصريحات نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط- أن حزمة الـ100 مليار جنيه التى أعلنت عنها الحكومة المصرية لدعم الاقتصاد خففت من تداعيات فيروس كورونا وجعلت الاقتصاد أكثر قوة فى مواجهة الفيروس العالمي، كما أن الإجراءات التى اتخذها البنك المركزى المصرى من خلال تخفيض كبير وغير متوقع لسعر الفائدة بواقع 3% وضمان توافر سيولة كافية ساعدت على تحفيز الاقتصاد.
وأشار إلى أن المركزى المصرى سلك أكثر من اتجاه لمنع إعطاء أى فرصة لتغلغل تداعيات كورونا السلبية بقوة إلى الاقتصاد، حيث اتخذ العديد من التدابير الأخرى مثل وضع حد للسحب اليومى والإيداع لتجنب الضغط على سوق العملة، وكذلك شهادات ذات عائد الـ15% التى توفرها البنوك الحكومية، فضلا عن تدابير اسقاط الديون وتأجيل سداد أقساط القروض وإلغاء القوائم السلبية لعملاء البنوك، بجانب العديد من المبادرات لدعم القطاع الخاص والسياحة والقطاع العقارى والمشروعات الصغيرة، كل ذلك خلق رواجا وساعد على تعزيز معدلات السيولة داخل الاقتصاد.
وأكد أزعور أن سعر الصرف المرن الذى يطبقه المركزى المصرى ومستوى الاحتياطى القوى الذى نجح المركزى فى تكوينه، تجاوز 45 مليار دولار لأول مرة فى تاريخه، وفر حماية كبيرة للاقتصاد المصرى أمام الصدمات الخارجية فى ظل الإنكماش العالمى الحالي.
ونبه المسؤول الدولى إلى أنه يكفى أن مصر من الدول القلائل بين دول الاقتصادات الناشئة التى لم تطلب مساعدات لدعم جهودها فى مواجهة تفشى «كورونا» مقارنة بأكثر من 35 دولة بينها دول كانت تتميز بإقتصادات قوية طلبت دعما نقديا مباشرا من صندوق النقد الذى ضاعف مخصصه لدعم الدول من 50 مليار دولار إلى 100 مليار دولار، مشيرا إلى أن عدم طلب لمصر مساعدات يؤكد نجاح برنامجها للاصلاح الاقتصادى الذى بدأته عام 2016 فى تمكينها من تحمل الضغوطات الخارجية مدعوما بغطاء احتياطى نقدى قوى وقطاع مصرفى متمكن وفاعل.
ويتوقع فيه صندوق النقد الدولى حدوث انكماش فى الاقتصاد العالمى بنسبة 3 % خلال العام الجارى بسبب «جائحة كورونا» وتوقعات بنك جولدن ماس ساكس بتراجع نمو الاقتصاد العالمى بنسبة 11 % على مدار العام وبنسبة 35 % خلال الربع الثانى من العام، وتوقعات مؤسسة ستاندرد أند بورز انكماشا للاقتصاد الامريكى بنسبة 5.2 فى المائة ولدول الاتحاد الاوروبى بـ 7.3 فى المائة، نجد أن توقعات النمو للاقتصاد المصرى أكثر تفاؤلا حيث توقع صندوق النقد الدولى تحقيق اقتصاد مصر نموا موجبا بنسبة 2 فى % هذا العام 2.8 فى المائة العام المقبل، فيما تشير توقعات وزارة التخطيط تحقيق أكثر من 4 % كمعدل نمو موجب.
فى ذات السياق، أعلنت مؤسسة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتمانى، الجمعة، تثبيت درجة التصنيف السيادى للاقتصاد المصرى عند مستوى B/B على المدى الطويل الأجل والقصير الأجل مع الحفاظ على النظرة المستقبلية المستقرة.
قرار تثبت التصنيف يعكس أيضًا تقييم خبراء ومحللى المؤسسة الإيجابى للسياسات الاقتصادية والمالية المتوازنة التى تنتهجها الحكومة فى التعامل مع الأزمة، وقد تم الإشادة من قبل مؤسسة "ستاندرد آند بورز" باحتياطى النقد الأجنبى لدى البنك المركزى وقدرته على تغطية نحو من 5 إلى 6 أشهر من كل الواردات السلعية والخدمية للبلاد. فضلاً عن جهود الحكومة فى مجال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية مثل برنامج مساندة الصادرات، وتحسين آليات تخصيص الأراضى الصناعية، وقانون المشتريات الحكومية الموحد، واستكمال برنامج «الطروحات العامة» مما يساعد فى سرعة عودة النشاط الاقتصادى المدعوم من خلال القطاع الخاص فى المدى المتوسط.
مؤسسات التصنيف الائتمانى منذ أول شهر مارس 2020 وحتى الآن، أجرت تعديلات فى تقييمها وتصنيفها الائتمانى نحو 47 دولة، حيث قامت بتخفيض التصنيف الائتماني، وأجرت تعديلًا سلبيًا على التصنيف لأكثر من 35 دولة. وأن 11٪ من هذه الدول فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما تم الإبقاء على التصنيف الائتمانى لـ 12 دولة فقط بينها مصر.
تكمن قدرة الاقتصاد المصرى فى الإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية التى أجريت خلال السنوات الماضية. حيث أتاحت قدرًا من الصلابة للاقتصاد المصرى مكنته من التعامل مع التحديات والصدمات الداخلية والخارجية.
ويعنى التصنيف الائتمانى، إصدار تقرير اقتصادى عبر مجموعة من الأدوات التحليلية، وقياس للرؤية المستقبلية للاقتصاد، للوقوف على مدى جدارة الدولة فى الحصول على قروض، وقدرتها على السداد، وقياس لعدة مؤشرات اقتصادية كلية أخرى، ويقوم بإصدار التصنيف الائتمانى عدة وكالات دولية، أبرزها مؤسسة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتمانى، و"فيتش" و"موديز".
وفى ظل التداعيات الاقتصادية لانتشار فيروس كورونا عالميًا، وتأثير ذلك على كبرى الاقتصاديات العالمية، فإن تثبيت تصنيف مصر الائتمانى، من قبل أهم مؤسسة عالمية للتصنيف، يؤكد على نجاح جهود الحكومة المصرية فى تنفيذ برنامجها الشامل للإصلاح الاقتصادى، وأن الاقتصاد المصرى قادر على امتصاص الصدمات.
ويسهم تثبيت التصنيف الائتمانى، فى زيادة درجة الثقة فى قدرات الاقتصاد المصرى، ويدعم جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، فى المستقبل، مع انحسار تأثير انتشار فيروس كورونا فى الفترة المقبلة، ويخفض أيضًا من تكلفة التمويل للحكومة وللقطاع الخاص بما يمكن مصر من إصدار سندات دولية بأسعار فائدة منخض.
الدكتور محمد معيط وزير المالية، قال إن هناك ثقة للمؤسسات الدولية، ومؤسسات التصنيف الائتمانى فى قدرة الاقتصاد المصرى على التعامل الإيجابى مع أزمة «كورونا» وتجاوزها، بسبب الإصلاحات الاقتصادية والنقدية والمالية التى اتخذتها القيادة السياسية وساندها الشعب المصرى خلال السنوات الماضية، مما أتاح قدرًا من الصلابة للاقتصاد المصرى تمكنه من التعامل مع التحديات والصدمات الداخلية والخارجية.
وأضاف فى تصريحات سابقة، أن التوازن فى السياسات والإجراءات المتبعة لمساندة القطاعات والفئات المتضررة دون اتخاذ أى إجراءات قد تُحد من قدرة الاقتصاد المصرى على التعافى السريع بعد انتهاء الأزمة الاستثنائية الراهنة التى تواجه الاقتصاد العالمى وكل الدول، إضافة إلى أن السياسات المساندة التى اتخذتها الحكومة والبنك المركزى المصرى حتى الآن تُسهم فى تجنيب البلاد أى أزمات تهدد استدامة استقرار الاقتصاد المصرى.
قال الوزير إن المؤسسات الدولية ترى أن مصر فى مكانة أفضل نسبيًا فى إدارة الأزمة من أقرانها، حيث انتهجت الحكومة سياسة استباقية لإدارة الأزمة بشكل سريع من خلال توفير الحزمة المالية المقدرة بنحو 2% من الناتج المحلى لمساندة الاقتصاد المصرى إضافة إلى تناغم السياسة المالية والنقدية فى إدارة السيولة والحفاظ على المسار الإصلاحى للاقتصاد المصري.
فى سياق متصل، أشارت التوقعات المحدثة لمؤسسة التصنيف الائتمانى إلى انمكاش الاقتصاد العالمى بنحو 2.8٪ خلال العام الحالى بسبب انكماش النشاط الاقتصادى بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى بنحو 5.2٪ و 7.3 على التوالى، بينما أشارت إلى بدء تعافى النشاط الاقتصادى المحلى فى مصر بداية من النصف الثانى من عام 2021 مدعومًا بتحسن معدلات الاستهلاك، وبدء تعافى معدلات وقيمة الاستثمارات العامة والخاصة.
وأشادت المؤسسة بجهود الحكومة فى مجال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية مثل برنامج مساندة الصادرات، وتحسين آليات تخصيص الأراضى الصناعية، وقانون المشتريات الحكومية الموحد، واستكمال برنامج «الطروحات العامة» مما سيساعد فى سرعة عودة النشاط الاقتصادى المدعوم من خلال القطاع الخاص فى المدى المتوسط.
وعلى جانب آخر، وفى إطار النظرة السلبية للاقتصاد العالمى، أعلنت مؤسسة «يولر هيرميس» التابعة لمؤسسة أليانز للإئتمان، عن تخفيض تصنيفات 18 دولة فى الربع الأول من عام 2020 بسبب خطر الركود لفترات طويلة بسبب تفشى فيروس كورونا، من بين هذه الدول الإكوادور، تايلاند، إندونيسيا، الهند، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، المغرب، كينيا، غانا، موريشيوس، جمهورية التشيك، بولندا، رومانيا، أيرلندا، سلوفاكيا، ليتوانيا، والبرازيل التى وصفتها بأنها قد تدفع ثمنا باهظا فى هذه الأزمة العالمية.
كما خفضت المؤسسة الألمانية تصنيفها لليابان الدولة الصناعية الكبرى، ولم يقتصر الامر لدى المؤسسة الألمانية على الدول، حيث خفضت تصنيف نحو 126 قطاعا داخل هذه الدول منها السيارات والنقل والإلكترونيات والبيع بالتجزئة.
وفقا للمؤسسة الألمانية، ونقلت تقريرها وكالات الأنباء، فإن نمو الاقتصاد العالمى فى عام 2020 قد يشهد تباطؤا قويا، ليصل فقط إلى 0.5 %، مقارنة مع 5.2% فى 2019، فيما ستتقلص التجارة الدولية هذا العام بنسبة – 5.4%، ونتيجة لذلك، سيزداد خطر عدم الوفاء بالإلتزامات بشكل ملحوظ، كما تتوقع «يولر هيرميس» أن تزيد حالات الإفلاس بين الدول المذكورة بنسبة 14% فى عام 2020.