تشهد الآونة المعاصرة تفاقما كبيرا لظاهرة اللجوء والنزوح فى المنطقة العربية، جراء الصراعات التى اندلعت فى عدد من الدول العربية خلال السنوات الأخيرة، فضلا عن الإرهاب المتمدد، اللذان يدفعان ملايين المواطنين إلى مغادرة أراضيهم بحثا عن الأمن، بالإضافة إلى الاحتلال المتواصل لفلسطين الذى أفرز أقدم مشكلة لجوء فى المنطقة العربية، وضمن ملايين اللاجئين والنازحين فى المنطقة تبرز المعاناة الخاصة للنساء والأطفال، الذين يشكلون الغالبية العظمى من إجمالى اللاجئين والنازحين.
وفى هذا الشأن أطلقت منظمة المرأة العربية تقريرا عن أوضاع اللاجئات والنازحات فى المنطقة العربية، والذى تم إعداده مؤخرا بعد زيارات ميدانية للاجئين فى 4 دول، حيث كشف التقرير أن الإحصاءات التى أعدتها المفوضية العليا لشئون اللاجئين أنه فى العام الخامس للأزمة السورية، هناك أكثر من 4.6 مليون لاجئ سورى فى دول الجوار وأكثر من 90 ألف سورى طلبوا اللجوء إلى أكثر من 90 دولة خارج الإقليم، وداخل سوريا هناك نحو 12.6 مليون سورى فى حاجة للمساعدة الإنسانية، بما يشمل 7.6 مليون نازح.
وأشار التقرير إلى أن تدهور الوضع الأمنى والنزاع المسلح والهجمات الإرهابية فى العراق أدى إلى موجات متعاقبة للنزوح الداخلى بعدد يقارب نحو 3.3 مليون نازح، وفى اليمن أفرزت الصدامات والهجمات الجوية حالة إنسانية معقدة تتسم بانعدام الأمن وتزايد أعداد اللاجئين والنازحين بما يقدر حاليا بـ2.8 مليون شخصا.
وتضاف هذه الأعداد إلى الأعداد الضخمة للاجئين الفلسطينيين الذين يقدر عددهم اليوم هم وذريتهم بما يقارب 9 ملايين نسمة، ويمثلون أكبر مجموعة لاجئين فى العالم فهم أكثر من ربع اللاجئين فى العالم.
وأوضح التقرير أن أزمة اللاجئين بأبعادها الإنسانية والأمنية والقانونية من الاتساع والتعقيد تتطلب تضافر جهود جميع المعنيين لاتخاذ موقف إقليمى ودولى حاسم، من شأنه استيعاب الأزمة وتبعاتها المؤلمة، والتضامن من أجل حماية الأمن القومى العربى الذى تهدده هذه الأزمات لاسيما من الناحية الإنسانية والثقافية والحضارية؛ حيث تتغير الخريطة الديمغرافية للمنطقة وتتهدد هويتها القومية، ويتعرض أهلها لمآس إنسانية قاهرة، وتتعرض فتياتها لعنف مضاعف وزواج قسرى وحرمان من التعليم، وتتهدد بجيل من الأطفال والشباب ينشأ بلا تعليم وفى ظروف معيشية قاسية وقد يصبح فريسة للارهاب أو للجريمة.
وأوضح التقرير أن الصراع فى سوريا أفرز أكبر أزمة لجوء فى التاريخ الدولى المعاصر منذ الحرب العالمية الثانية، فضلا عن الأعداد الكبيرة من كل من العراق وليبيا واليمن التى اضطرت خلال السنوات الخمس الماضية إلى النزوح إلى مناطق أخرى داخل أراضيها، أو إلى اللجوء إلى دول الجوار، بالإضافة إلى أزمات اللجوء التى أفرزتها صراعات سابقة فى دول مثل السودان والصومال ودفعت مئات الآلاف لمغادرة أوطانهم منذ عقود.
وكشف التقرير أن من أبرز المشكلات الحادة التى يعانى منها اللاجئون فى المنطقة، تبرز بصفة خاصة مشكلات المرأة، حيث تعانى النساء والفتيات مخاطر العنف الجنسى والزواج المبكر والاتجار، كما أن تيارات الإرهاب تستهدف المرأة بشكل خاص وتنتقص من حريتها وحقوقها وتعرضها لأسوأ أنماط الاستغلال وتحرمها من حرية الحركة والانخراط فى الحياة العامة.
وأشار التقرير إلى أن الزواج المبكر بين اللاجئين السوريين فى الأردن ارتفع من 12% عام 2011 إلى 25% عام 2015، بالإضافة إلى تزايد معدلات العنف الأسرى نتيجة تدهور الأوضاع المادية والأمنية للأسر، وتقييد حركة النساء داخل وخارج المخيمات خوفًا من التعرض للعنف بأشكاله المختلفة.
وأوضح التقرير أنه رغم ضخامة الأزمة وخطورتها فإنها لم تنل من الإعلام العربى والدولى الاهتمام الكافى حتى بدأت موجات اللجوء تتجه غربًا ونشرت الصحافة العالمية صورة الطفل السورى إيلا الذى قضى نحبه على الساحل التركى، لافتة إلى أنهم أغفلوا الدور الكبير الذى بذلته المنطقة العربية، ممثلة فى الدول العربية المضيفة للاجئين، أو الدول العربية المانحة للمساعدات والتى تتركز فى دول الخليج.
وكشف التقرير عن أرقام وإحصائيات وأعداد اللاجئين، حيث أوضح التقرير أنه إثر الأزمة فى سوريا تدفق منها نحو 4.2 ملايين لاجئ توزعوا على دول الجوار، فنزح إلى لبنان نحو مليون ومائة ألف لاجئ هم المسجلين رسميا عدا غير المسجلين، وكان العدد الأجمالى قد وصل إلى نحو 1.5 مليون، بما يمثل أعلى كثافة للاجئين فى العالم مقارنة بعدد السكان.
وفى الأردن حالياً نحو 630 ألف لاجئ مسجل رسميا بالإضافة إلى عدد كبير من غير المسجلين، حيث يناهز العدد الإجمالى نحو مليون لاجئ، ووفى كردستان العراق 255 ألف لاجئ مسجل رسميا، وفى مصر نحو 130 ألف لاجئ سورى مسجل رسميا، وهو عدد يصل إلى نحو 300 ألف باحتساب غير المسجلين، تدفق من ليبيا مئات الآلاف فى صورة نازحين داخل ليبيا أو لاجئين إلى دول الجوار، وإلى تونس وحدها تدفق أكثر من 600 ألف لاجئ ليبى.
وفى اليمن بلغ عدد اللاجئين والنازحين داخليا فى اليمن جراء الصراع الداخلى نحو 2.8 مليون شخص، وفى العراق بلغ عدد النازحين داخليا نحو 3.3 مليون نازح.
وأفاد التقرير أن المشكلات القانونية فى الدول المضيفة المتعلقة باستخراج الإقامة هى الأكثر تعقيدا وذات تكلفة باهظة ترهق إمكانات اللاجئين، بالإضافة لمشاكل فقدان بعض اللاجئين لأوراقهم الثبوتية، كما أن هناك بعض الدول تمنح اللجوء للنساء فقط دون الرجال وبعضهن عانين من مشكلات عدم إمكانية تسجيل المواليد الجدد وصعوبة استخراج شهادات ميلاد تثبت جنسيته الأصلية.
كما ضم التقرير عرضا لبعض المشكلات الأمنية التى تسببت فى ظاهرة اللجوء كالهروب من المداهمات للرجال وترك نسائهم دون حماية، ما عرض النساء للكثير من المخاطر والتعديات أيضا والهروب من الاضطهاد الطائفى، بالإضافة لمشكلات الأمن المتعلقة بالسكن فبعض الدول المضيفة أقامت مخيمات والبعض الآخر تركوا حرية السكن فى أماكن متفرقة بالتأكيد أن لكل منهما مميزات وعيوب.
وجاءت مميزات وعيوب مسالة السكن فى أن المخيمات تحد من حرية الحركة مثال (الأردن والعراق) فى حين جاءت دول (مصر ولبنان) لم تخصص أماكن محددة أو ثابتة للنازحين واللاجئين، كما أن هناك دولا مثل (ليبيا واليمن) كانت المدارس التى توقفت بها العملية التعليمية والأبنية المهجورة أو تحت الإنشاء هى سكن لبعض اللاجئين.
كما تضمن التقرير عرضا لمشكلات الغذاء وأن كارت الغذاء الممنوح للاجئين، الذى يتم بموجبه صرف أغذية من أماكن متعددة من جمعيات أو مؤسسات أو أسواق لا يكفى لسداد احتياجات الأسر اللاجئة، الذى أيضا انخفضت قيمته بشكل مستمر.
وبالنسبة للمشكلات الصحية عرض التقرير أبرز المشكلات التى تتعرض لها الأسر، خاصة النساء والأطفال منهم وهى مشكلة متشعبة بها الكثير من مخاطر تتعرض لها اللاجئات بسبب السكن غير الصحى أو الملائم ونقص المستلزمات الصحية للنساء والأطفال من علاج وألبان ومستلزمات تتعلق بالتعقيم والمطهرات، فضلا عن ارتفاع تكلفة العلاج وعجز المجتمع المدنى من توفير دعم كافٍ وعدم وجود علاجات سريعة للأمراض المزمنة والطارئة والولادة وما يتبعها من ملاحظة، ومتابعة للأم والطفل.
وشمل التقرير أيضا عرض مشاكل التعليم والتى جاء على رأسها انقطاع الأطفال عن الدراسة لمدة تجاوزت السنتين وأكثر، كما أن بعض الدارسين من اللاجئين عانوا من مصاعب فى اللغة كما حدث فى لبنان، والتى تقدم مناهج دراستها بالفرنسية، بالأضافة لمشكلة اختلاف طريقة العرض فى المناهج كما حدث معهم فى مصر، بالإضافة إلى أن هناك الكثير من الأسر رفضت إرسال بناتهم للمدراس بسبب بعدها أو لمشكلة التكلفة أو خوف عليهم كونها مدارس مشتركة وهو عائق متعلق بالعادات والتقاليد، وكذلك عدم ثقتهم بتوثيق الشهادات العلمية وعدم الاعتراف بها.
وتضمن أيضا التقرير معوقات العمل وما تعلق به من صعوبات فى التصاريح وارتفاع تكلفتها ورسومها، والتى تداخلت فى بعض الأحيان مع تقديم أوراق ثبوتية ونظامية تتعلق بالإقامات، وهو أمر لم يتوفر لكثيرين وصعب فى أغلب الأحيان وأنها سبب انتقالهم للعمل فى القطاع الخاص فى مهن لا تتناسب مع خبراتهم وانتشار عمالة الأطفال.
كما جاء فى التقرير عرضا لبعض صور العنف التى تتعرض لها المرأة اللاجئة والنازحة من تشريد وزواج مبكر للتخلص والهروب من الأهل لضمان المسؤلية وتكاليف المعيشة، ما أثر عليهن وعرضهن للكثير من المشاكل كان ضمنها الاعتداءات والاتجار بكل صوره وأشكاله.
وأوصى التقرير بضرورة عودة النازحين لبلادهم ووقف العنف واتخاذ إجراءات حتى يتم ذلك فى البلاد المضيفة كتوحيد إجراءات الإقامة وتوفير السكن بشكل منظم كاستبدال الخيام بكرافانات أو بنايات وبشكل أقل كثافة سكانية بالإضافة إلى إقامة وتنظيم برامج تأهيل نفسى للاجئات والمعتقلات والمختطفات أو المعتدى عليهن والحرص بشكل أكبر على تعليم الأطفال والتوسع فى صرف منح لهم تعليمية ومنح عمل تكفل لهن الحياة الكريمة التى تغنيهم عن المساعدات الإغاثية والإنسانية والتى بدأت للأسف فى التناقص.
ووضعت منظمة المرأة العربية، بصفتها الكيان الإقليمى المعنى بالعمل العربى المشترك بشأن قضايا المرأة العربية، على أولوية أجندة عملها قضايا اللاجئات والنازحات فى المنطقة.
ويذكر أن المنظمة أجرت جولة مكثفة قام بها وفد من منظمة المرأة العربية لمدة عشرة أيام من شهر سبتمبر 2015، على معسكرات ومناطق تمركز اللاجئين والنازحين فى أربع دول عربية هى لبنان، والأردن، والعراق، ومصر.
واستهدفت هذه الجولة، التى تمت بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وبتعاون تنظيمى مع المفوضية السامية لشئون اللاجئين، رصد أوضاع ومشكلات اللاجئات والنازحات.
التقى وفد المنظمة خلال الجولة باللاجئات والنازحات فى اجتماعات شهدت نقاشات معمقة حول مشكلاتهن، كما التقى الوفد بمسئولى حكومات الدول المضيفة الذين تحدثوا عن جهودهم والتحديات التى يواجهونها فى استضافة اللاجئين على أراضيهم، والتقى الوفد كذلك بمسئولى الجهات الأممية الناشطة فى خدمة اللاجئين وعلى رأسها المفوضية العليا لشئون اللاجئين وهيئة الأمم المتحدة للمساواة وتمكين المرأة وبرنامج الغذاء العالمى واليونسيف ومكتب الأمم المتحدة للسكان، وغيرها.
واتضح للمنظمة من خلال هذه الجولة أن مشكلات اللاجئات لا تفصل عن المشكلات التى يعانيها اللاجئون بوجه عام فى المنطقة، كما أن انخفاض الدعم الدولى الموجه للقضية، الذى وصل أدنى مستوياته عام 2015 أفرز أوضاعًا إنسانية شديدة التردى، حيث أصبح اللاجئون فى افتقار شديد إلى الخدمات خاصة الصحة والتعليم وإلى الغذاء فضلا عما يواجهونه من مشكلات قانونية وأمنية مختلفة.