نقلا عن العدد اليومى...
نحن بحاجة فعلا لتجاوز الكلام، وكما أشرنا إلى أهمية أن تغادر الأحزاب حالة السلبية والتكاسل السياسى وتفكر فى عمل شىء مفيد، نحن أيضا بحاجة لأن يتطور المجتمع المدنى والأهلى ويدخل ضمن أنشطة حقيقية تتجاوز الصراخ، أو تلقى تمويلا وإضاعته، أو توجيهه إلى جيوب بعض المتمولين بلا فائدة.
مرات كثيرة قلنا إن المواطن أو الشعب لم يعد قاصرا، وأصبح الناس قادرون على التمييز بين ممارسة السياسة والرأى والتعبير وبين الصدام، وأن العمل السياسى يقوم على حقوق وواجبات، وأن الدول تقوم على الفصل بين السلطات، والديمقراطية تقوم على الالتزام بالقانون واحترامه من كل السلطات.
لقد أصبح المواطن العادى قادرا على معرفة ما يجرى، بل ويشارك بالرأى ويقدر الأوضاع والتحديات والتهديدات التى تتعرض لها بلادنا بل والمنطقة من حولنا. وكيف يمكن الموازنة بين تلبية مطالب الناس، وعدم الانصياع لأى تدخلات، أو ضغوط لا علاقة لها بالتغيير والديمقراطية. وحولنا تجارب تشير إلى ما يمكن أن يحدث عندما تسود الرؤية التصادمية التى تسقط الدولة وتنهى القانون. ولا يمكن أن تكون المعارضة هى فقط نشر اليأس والصراخ والتصادم والتظاهر، بينما الحقيقة هى أن التيارات السياسية يفترض أن تندرج فى سياقات سياسية، وتنتقل بموجبها الدولة من الثورة الفوران إلى بناء المؤسسات. ومن الصعب بالفعل تقبل أن يكون هناك حزب سياسى معلن غير قادر على طرح أفكاره بالشارع، وعقد مؤتمرات، وخوض انتخابات، ثم يكتفى رئيس الحزب بالظهور فى الفضائيات والمواقع ليعارض بالكلام. هناك أصول للعمل العام والسياسى تبدو غائبة عن كثير من القيادات والزعامات التى تركز فقط على الظهور فى الأحداث والمناسبات، لتظهر فى الصورة من دون أن تمتلك القدرة على مخاطبة الجماهير.
هناك فرق بين صناعة الأمل وصناعة اليأس.. بين طرح أفكار مؤيدة أو معارضة، وبين الصراخ والبقاء فى حالات الفوران. وبين معارض حقيقى وآخر متكسب، ومن يقدسون الأجانب حتى هؤلاء الذين تثبت كل التجارب أنهم كل همهم هو تدمير البلاد وإعادة بنائها. بعض الزعماء الذين يتحدثون كثيرا عن الفقراء لا علاقة لهم بالفقر، وأغلبهم مليونيرات لهم مصادر غامضة للتمويل، هؤلاء لا يعرفون شيئا عن الفقراء، وإنما فقط يستخدمون الفقراء والغلابة وسيلة للتربح والتكسب والتلاعب بالألفاظ. الفقراء ليسوا على مواقع التواصل ولا على شاشات المليونيرات الذين لا يعرفون شيئا عن الفقر ولا عن الحاجة. الفقراء فى العشوائيات والقرى، فلاحون وعمال كادحون، لا يعرف عنهم هؤلاء الزعماء شيئا.
عدد قليل جدا من الزعامات الوهميين من يسعى للدخول فى مبادرات أو يسعى ليشاهد بنفسه من يتحدث عنهم. الفقراء يحتاجون لمدارس ومستشفيات وطرق، وأن تنتهى العشوائيات، ويحتاجون لمن يساندهم ويقدم المبادرات والتحركات من أجلهم، وأيضا حقوق الإنسان، ومنها التعليم، والعلاج، والمسكن اللائق، والعمل، وأن يضمن أساسيات الحياة بكرامة. لكن كل هذا لايجد صدى لدى الزعماء الجدد للسياسة ممن يرفضون أن يسألهم أحد عن مصادر تمويلهم. وهذا هو الفرق بين زعماء الكلام ومن يعملون للشعب، وينزلون ويشاهدون ويتحاورون ويتجاوزون حالة «المجانية» السياسية.