- الفقه الاسلامي يبيح للأسير قتل نفسه خشية إفشاء الأسرار للعدو أو إظهار ضعف جيشه
- جمهور الفقهاء أمروا بتغسيل المنتحر والصلاة عليه.. والشافعية أحلوا إخراج الكفارة من ماله.. و خلاف حول تفسير "خالد مخلد في النار" في حديث عن البخاري
جدد خبر انتحار الناشطة سارة حجازي في كندا الجدل حول تكفير المنتحر والعفو عنه ففى حين ذهبت بعض الآراء الإسلامية لرفض تكفيره اختلفت الكنائس فيما بينها حول الصلاة عليه صلاة الموتى من عدمها.
في كتابه معالم نظرية الانتحار في الفقه الاسلامي، يعرض الدكتور عبد الله الغطيمل وكيل كلية الدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، آراء الفقهاء التي اتفقت على إعفاء المنتحر بسبب الاكتئاب من أية آثار شرعية ترتبت على فعله باعتباره فاقدا للأهلية.
يشير الغطيمل، إلى أن الفقهاء لم يستعملوا مصطلح الانتحار واكتفوا بالتعبير عنه بقتل النفس، ولكنهم لم يفردوا في أحكام قتل النفس كما فعلوا بأحكام قتل الغير، لأن قتل الغير يتعلق بحق العبد، بينما قتل النفس يتعلق بحق الله تعالى، مؤكداً أن قتل النفس ليس أمراً واحداً، بل يختلف حكمه حسب القصد والغاية منه، بل ومدى مسئولية المنتحر عن أفعاله مشدداً على ضرورة النظر إلى كل عملية انتحارية على حدة ومعرفة أسبابها ودوافعها.
يضرب وكيل كلية الدراسات الاسلامية بمكة المكرمة، المثل بحالات الانتحار الناتجة عن مرض نفسي مثل الاكتئاب وذهان الهوس، وهو اضطراب عقلي تنتاب المريض فيه حالات من الاهتياج والهوس أو الاكتئاب والهبوط، وفي حالات الاهتياج تكثر حركات المريض وكلامه ويحاول تنفيذ ما يطرأ على ذهنه من خواطر، وقد ينقلب هذا النشاط الزائد إلى اعتداء على من حوله ونفسه، أما حالات الاكتئاب فتؤدي إلى تبلد حركات المريض وخمود جسمه ، فيفقد اهتمامه بعالمه وتسود الدنيا في عينيه مما قد يدفعه إلى الانتحار.
استخلص الباحث من الدراسات النفسية السابقة، أن الهوس الحاد يسقط الأهلية عن المريض، أما مريض الاكتئاب فيكون في حداد مستمر وانفعال واضح ويخيل إليه إنه مصاباً بأمراض لا شفاء منها ويسيطر عليه فكرة إنه ارتكب آثاماً كبيرة وجرائم لا تغتفر ولكنه لا يفقد أهليته مشدداً على أن الأمراض النفسية تختلف درجة تأثيرها على عقل الانسان وفكره وقد اعتبر الأصوليون أن الجنون أحد الأسباب التي تسقط بها الأهلية عن المريض بحث لا يعتد بتصرفاته ولا يترتب عليه أي أثر من آثاره الشرعية.
فرق الباحث بين الانتحار المحرم في الاسلام، وبين انتحار فاقدي الأهلية، وأورد أحاديث شريفة تبين أن المنتحر برغبته هو ما حرمه رسول الله، و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ ، فَجَزِعَ ،فَأَخَذَ سِكِّينًا ، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِالْجَنَّةَ» .
وفي حديث أخر، قال رسول الله إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ خَرَجَتْ بِهِ قَرْحَةٌ ، فَلَمَّا آذَتْهُ انْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَنَكَأَهَا، فَلَمْ يَرْقَأْ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ ، قَالَ رَبُّكُمْ : قَدْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » .
يمضي الباحث في كتابه، فيحرم قتل الانسان لنفسه بسبب الاضراب عن الطعام والشراب في السجن بغرض الافراج عنه أو محاكمته أو تحسين معاملته معتبراً أن السجن ابتلاء من الله سبحانه وتعالى وأن الامتناع عن الطعام والشراب في تلك الحالة معصية لأنه إذا مات سيصبح قاتلاً لنفسه، مستشهداً بمقولة القرطبى " لا خلاف إنه لا يجوز له قتل نفسه بالامساك عن الأكل، وإنه مأمور بالأكل على وجه الوجوب".
وأباح وكيل كلية الدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى، في كتابه للأسير أن ينتحر خشية الأسر، فيقول يجوز للمجاهد أن يعرض نفسه للهلاك بأيدي العدو إذا خشي الأسر فالأولى به أن يقاتل حتى يقتل بأيديهم ، ويشير إلى أن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية عام 1930 هجرياً، قال أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر "الفرنساويون في هذه السنين تصلبوا في الحرب ويستعملوا الشرنقات إذا استولوا على واحد من الجزائريين ليعلمهم بالذخائر والمكامن، ومن يأسرونه قد يكون من الأكابر فيخبرهم إنه في المكان الفلاني كذا وكذا"، فرد الشيخ قائلاً: من يقتل نفسه لدفع الضرر عن الدين وأهله فهو من الشهداء إذا خلصت نيته لله، لذلك فإن فتواه تبيح للجندى قتل نفسه قبل أن يقع فى الآسر إذا كان آسره سيظهر ضعف جيشه أو سيفشى أسرار أهله للعدو.
جمهور الفقهاء يبيحون الصلاة على المنتحر وتغسيله
يشير كتاب "معالم نظرية الانتحار في الفقه الإسلامي" إلى أن جمهور الفقهاء يبيحون الصلاة على المنتحر وتغسيله، أما الحنابلة فيبيحون صلاة سائر المسلمين عليه ما عدا الإمام، وأستند أصحاب هذا القول إلى ثلاثة أحاديث نبوية ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلوا على من قال لا إله إلا الله"، وقوله الصلاة واجبة على كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر"،بينما يستدل من يحرم الصلاة على المنتحر بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم رواه ابن داوود أن رجلاً أنطلق إلى النبي فأخبره عن رجل إنه قد مات، فقال وما يدريك قال رأيته يشنق نفسه بمشاقص، فقال هل رأيته ؟، فقال نعم فقال إذا لا أصلي عليه، وهو ما اعتبره الحنابلة أمر يخص الرسول وحده بينما لم يقره على جموع المسلمين، في حين فسرها آخرون بإنها حكماً ثابتاً يمنع الصلاة على المنتحر.
الشافعية يوجبون دفع الكفارة من مال المنتحر
اختلف الفقهاء في وجوب دفع الكفارة من مال المنتحر، فالقول الأول عدم وجوب الكفارة في القتل العمد، وهو ما اتفق عليه الحنفية والمالكية والحنابلة، فقال ابن قدامه "المشهور في المذهب إنه لا كفارة في قتل العمد"، أما القول الثاني للشافعية ورواية عند الحنابلة فقد ذهبوا إلى وجوب الكفارة في قتل العمد ومن ذلك الانتحار، "إنما تجب الكفارة على من ذكر (بقتل مسلم ولو) كان بدار حرب، وبقتل نفسه لأنه قتل نفس معصومة فتجب فيه كفارة حق الله، فتخرج من تركته".
خلاف حول تفسير "خالد مخلد" في النار في حديث عن البخارى
عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: (من تردّى من جبل فقته نفسه فهو في نار جهنم خالداًمخلداً فيها أبداً،ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً).
يؤكد كتاب "معالم نظرية الانتحار في الفقه الاسلامي"، أن تفسير الحديث الشريف السابق قد اختلف عليه الفقهاء، فأهل السنة والجماعة اعتبروا أن قتل النفس من الكبائر والكبائر لا تخلد صاحبها فى النار، ولا تخرجه من ملة الاسلام، إذا مات موحداً، بينما، يرى الخوارج والمعتزلة إنه خالد فى النار.
كنيسة الروم الأرثوذكس: رأيان حول الصلاة على المنتحر
على موقعها الرسمي عرفت كنيسة الروم الأرثوذكس الانتحار بأن يقوم شخص ما بانهاء حياته باستخدام طرق مختلفة منها الشنق ، السلاح النارى، القفز من مناطق مرتفعة وغيرها.
وذكرت الكنيسة: على اعتبار أن الانتحار يندرج تحت مسمى القتل فقد اعتبر انه مخالف لوصية الرب في الكتاب المقدس والتى تنهينا عن القتل( لا تقتل تثنية 5:17 ) كما اوصانا بضرورة المحافظة على أجسادنا وعدم تعريضها لاي ايذاء كونها هيكل الله كما جاء في رسالة بولس الرسول الى كورنثوس 3:16 " اما تعلمون انكم هيكل الله،وروح الله يسكن فيكم ". وبالرغم من ذلك يظهرلنا حدث انتحار شخصيات في الكتاب المقدس بعهديه منها انتحار يهوذا الاسخريوطي نتيجة حالة الياس التي وصل لها وفقدانه الرجاء .(متى 27:3-5).
حول الصلاة على المنتحر عرضت الكنيسة رأيين
الموقف الاول: الرافض نهائيا للصلاة على المنتحر ويحرم من الكنيسة كونه مخالف لوصية لا تقتل وفقدان الرجاء بالله.
الموقف الثاني: يشير إلى دخول الشخص المنتحر في حالة نفسية غير طبيعية دفعته لقتل نفسه لذا لا يمكن الحسم والحكم عليه بل الصلاة على نفسه لذا تقول "اغفر له كل خطيئة ان كان بالقول او الفعل عن معرفة او غير معرفة.وبالتالي تتخذ الكنيسة موقف رعائي للوقوف الى جانب الاهل فيما اصابهم فهم في حالة نفسية وموقف محرج وبالتالي رفض الصلاة عليه يزيد من حزنهم ويبعدهم عن الكنيسة لذا يتم الصلاة عليه على رجاء ان الله يحاسبه.
أما الكنيسة الكاثوليكية في مصر فأكد الانبا باخوم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة إن الكنيسة تصلي على المنتحرين صلوات الموتى فهي أم لجميع أولادها، وإن كانت تدين الخطيئة لكنها لا تكره المخطئ.
