دخل الجنرال ولسلى، قائد القوات الإنجليزية القاهرة يوم 15 سبتمبر 1882، بعد هزيمة قوات الجيش المصرى بقيادة أحمد عرابى فى التل الكبير يوم 13 سبتمبر، وكان ذلك بداية الاحتلال الإنجليزى لمصر حتى عام 1954، وبداية حساب الذين شاركوا فى الثورة العرابية.
كان «أحمد شفيق باشا» من معية الخديو توفيق وقتئذ وتولى فيما بعد رئاسة ديوان الخديو عباس الثانى «ابن توفيق»، وينقل اللحظات التى كان توفيق عليها قبل ساعة الحسم.. يقول فى مذكراته «مذكراتى فى نصف قرن»: بينما كنا فى سراى رأس التين فى الإسكندرية ننتظر أخبار الجيش الإنجليزى، وكانت انقطعت عنا منذ بضعة أيام، إذا بتلغراف من سلطان باشا إلى الخديو ينبئه فيه، بتأهب الإنجليز للزحف على التل الكبير، وأثر هذا النبأ فى نفوسنا تأثيرا عميقا، حتى أننا لبثنا من بعده ليلتين فى منتهى القلق والجزع تتجاذبنا عوامل اليأس والرجاء، منتظرين نتيجة هذا الزحف على أحر من الجمر.. وفى صباح 13 سبتمبر، وصل السراى تلغراف آخر من سلطان باشا يقول فيه: إنه حصل الهجوم على استحكامات التل الكبير فى فجر ذلك اليوم، وأن القتال كان قصيرا، ولم يطل أكثر من عشرين دقيقة، وأسفر عن انهزام العرابيين شر هزيمة بعد أن قتل منهم ألفان، وأسر مثل هذا العدد وأن الغنائم كثيرة، وما كاد الخبر يذاع فى الإسكندرية حتى هرع إلى سراى رأس التين جمهور كبير من كبار المصريين والأجانب، لتهنئة الخديو بانخذال العرابيين.
بدأت عملية تصفية الثورة بالقبض على عرابى يوم 15 سبتمبر 1882 وعلى باقى زعماء الحركة، ومحاكمتهم، وإلغاء جيش عرابى يوم 19 سبتمبر 1882.. يذكر شفيق: قرر الخديو إلغاء كل القوانين العسكرية التى صدرت فى زمن العرابيين، وتجريد الملازمين والثوانى والأول من رتبهم وحرمانهم من كل حق فى مرتب الاستيداع ومعاش التقاعد، وتجريد آخرين يقلون عنهم فى درجة الاتهام من رتبهم وألقابهم ومحو أسمائهم من دفاتر الضباط إلى الأبد، ومراقبة متهمين داخل بلادهم مددا تتراوح من سنة إلى خمس سنوات وغرامات مالية تتراوح ما بين ثلاثمائة وخمسة آلاف جنيه.
فى مقابل هذه الإجراءات، كان هناك من يعد العدة للمقاومة، فحسب دراسة للدكتور عاصم الدسوقى بعنوان «العنف السياسى فى مصر»: «شهدت مصر فى مايو 1883 بعد 8 أشهر من الاحتلال البريطانى تكوين جمعية «الانتقام»، وكانت تهدف إلى إجبار المحتل على مغادرة البلاد، وأصدرت منشورات، وأرسلت خطابات للمسؤولين تحذرهم من التعاون مع الاحتلال، وكان بعضهم يقوم بقتل أى عسكرى إنجليزى يتصادف مروره بأى شارع، واكتشف أمرهم فى الشهر التالى وقدموا للمحاكمة فى قضية قيدت بعنوان «المؤامرة الوطنية المصرية».
ويعتبر «شفيق باشا» هذه القضية «ذيل للثورة العرابية»، مضيفا: «فى يوم 20 يونيو، مثل هذا اليوم، من 1883 ظهر ذيل للثورة العرابية وهو اكتشاف جمعية سرية غرضها إخراج الإنجليز من مصر وقلب نظام الحكم فيها، وأطلقت على نفسها اسم «المؤامرة الوطنية المصرية»، وجاء فى قانونها الأساسى الذى ضبط، أنها تقبل فى عضويتها كل شخص مصرى أو أجنبى مسلم أومسيحى يدفع خمسة جنيهات إنجليزية إعانة للجمعية، ويقسم اليمين على الطاعة العمياء وأن تكلف أحد الأعضاء بشىء لا يكون إلا بالاقتراع، وبعد ثبوت كفاءة العضو للتنفيذ، وجاء فى قانونها أيضا أن العضو يحصل عند انخراطه فى سلكها على بندقية وطبنجة وخنجر».
يضيف شفيق أنه يوم اكتشافها أتى عثمان باشا غالب مأمور الضبطية بأسماء الأعضاء إلى خيرى باشا «مهردار الخديو»، فأطلعه عليها ثم توجه إلى شريف باشا لعرض المسألة عليه، وبعد البحث والتحرى قبض على المتهمين وهم، محمد بك طاهر ونجله وموظفوه، والشيخ أحمد نور، وعبد الرحمن بك فتوحه، ومصطفى صدقى وأخوه، وإسكندر أفندى سلام، ومحمد حمد بك، ومحمد أفندى مدحت، وحسين أفندى صقر، ومحمد الشبراوى، ومحمود صادق، وأحمد رشدى، وعلى بك فوزى، وعبد الرازق بك الذى كانوا يجتمعون فى منزله، ومحمد سعيد الحكيم المغربى الأصل ورئيس الجمعية، والشيخ سعد زغلول الطالب بالأزهر (سعد باشا زغلول).
وأصدرت المحكمة يوم 3 نوفمبر 1883 حكمها بنفى مصطفى بك صدقى خارج القطر، وفى 4 ديسمبر حكمت ضد محمد سعيد الحكيم «الرئيس» بالنفى المؤبد خارج القطر، أما باقى المتهمين فتم الإفراج عنهم لعدم ثبوت التهم عليهم.. يعلق شفيق باشا: بذلك تمت تصفية الثورة العرابية واستؤصل ذنبها.