قرر الرئيس جمال عبدالناصر استمرار بقائه فى العاصمة الليبية طرابلس، وإلغاء فكرة مغادرته غضبا من هجوم الرئيس الليبى معمر القذافى ضد العاهل الأردنى الملك حسين، أثناء مؤتمر القمة لقادة المواجهة مع إسرائيل بإلإضافة إلى السودان وليبيا والجزائر الذى انعقد فى طرابلس يوم 21 يونيو 1970.. «راجع ذات يوم 21 يونيو 2020».
يذكر فتحى الديب، رئيس الشؤون العربية برئاسة الجمهورية، وعضو الوفد المصرى المرافق لعبد الناصر، أن الجلسة الثانية للمؤتمر انعقدت صباح يوم 22 يونيو، مثل هذا اليوم، 1970، ويؤكد فى كتابه «عبد الناصر وثورة ليبيا» أن العقيد القذافى بدأ الجلسة بالاعتذار عما حدث فى جلسة الأمس، وعدم قصده الإساءة إلى أى من الرؤساء الضيوف، واستمرت الجلسة فى جو من النقاش المتسم بالحذر من جانب كل من سوريا والعراق، وبدا أن هناك أملا فى الوصول إلى قرارات إيجابية.
انتهت الجلسة الثانية، لكن مفاجأة أخرى حدثت أثناء خروج عبد الناصر من القاعة كان طرفها على كافى، سفير الجزائر فى ليبيا وقتئذ، ورئيس الجزائر من يوليو 1992 إلى يوليو 1994.. يتذكر الديب المفاجأة قائلا: «أسرع على كافى سفير الجزائر ليصافح الرئيس جمال عبد الناصرهو وقائد أحمد رئيس وفد الجزائر ويدعوه لتناول طعام الغداء على مائدته، وجاء رد الرئيس عبدالناصر وعلى مسمع من الجميع درسا قاسيا لعلى كافى لتطاوله على مصر وعلى شخصى».
لم يوضح «الديب» طبيعة هذا التطاول، لكنه يقول إن الرئيس عبد الناصر قال لكافى «إذا وافق فتحى الديب على الدعوة سأقبلها».. يضيف: «فهم الجميع المقصود بهذا القول وخاصة أعضاء مجلس الثورة الليبى، وسارع على كافى متجها إليٍ فى استعطاف طالبا منى الموافقة على الدعوة، وانتهزتها فرصة مواتية لأقول أمام الجميع أيضا: «رغم هجومك على مصر وعلى شخصى واتهاماتك لنا التى لا مبرر لها فإنى أرجو من السيد الرئيس إجابة دعوتك».
يتذكر الديب: «وقع كلامى كالماء البارد على رأس على كافي (الذى عمل معى خلال كفاح الجزائر ثم تولى منصب سفير الجزائر فى مصر بعد الاستقلال) وجاء رد الرئيس جمال على تعليقى ما يعتبر تقديرا عظيما لمعاونيه حين قال لى : «طالما إنك وافقت فإننى أقبل الدعوة» وسارع على كافى ليوجه الدعوة للعقيد معمر وزملائه».
امتد تأثير هذا الموقف إلى اليوم التالي.. يذكر الديب: «عقدت الجلسة الختامية يوم الثالث والعشرين من يونيو ليتم الاتفاق على بعض القرارات السرية، وخرجنا من الاجتماع ليسافر رؤساء بعض الدول، وليبقى الرئيس جمال ولنتجه فى موعد الغذاء إلى مقر السفير الجزائرى، واصطحبنى الرئيس جمال معه فى سيارته، واستقبلنا على مدخل المبنى قائد أحمد رئيس وفد الجزائر، وعلى كافى، وكان العقيد معمر ينتظر الرئيس بالداخل».
يؤكد الديب: «عاود الرئيس توجيه الحديث لعلى كافى قائلا: «أنا جيت بعد ما وافق فتحى، ومش عاوز فتحى يزعل بعد كده منك يا على ولا لأنت لك رأى تاني».. يتذكر الديب: «سارع على كافى ليصافحنى ويحتضننى أمام الرئيس مؤكدا حرصه على إرضائي»..لا ينسى «الديب» أثر هذا الموقف قائلا: « كان لهذا الموقف أثره البالغ والعميق فى نفوس الحاضرين، واعتبره الإخوة رئيس وأعضاء مجلس الثورة الليبية وساما للتقدير والشرف وضعه الرئيس جمال على صدرى أمام الجميع».
يكشف الديب جانبا آخر فى أسرار هذه الزيارة، قائلا، إنه فى يوم 22 يونيو وصل للرئيس رسول خاص من القاهرة يحمل مبادرة وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكية لحل «النزاع العربى الإسرائيلي».. يتذكر: «استدعى الرئيس كلا من محمود رياض وزير الخارجية والفريق محمد فوزى وزير الحربية، ومحمد حسنين هيكل وزير الإرشاد، وفتحى الديب لتناول طعام الإفطار بالجناح المخصص له، وطرح علينا نص المبادرة طالبا منا الاطلاع عليها، وإبداء الرأى بعد أن شرح لنا حقيقة الصورة فيما يتعلق بموقف الاتحاد السوفيتى ومماطلته فى تلبية احتياجاتنا من السلاح والمعدات العسكرية».. يؤكد الديب: «بعد مناقشة كافة البنود وافقنا جميعا على قبولها، على أن يتم التأكد من جدية روجرز فى تحقيق ما جاء بها».
يؤكد «الديب» أن الرئيس استعرض مع القذافى فى مساء نفس اليوم كل العقبات التى تقف فى مسيرة تنفيذ خطط التنمية فى ليبيا، واتخذ الرئيس قراراته الحاسمة ببدء الشركات المصرية فى تنفيذ كل المشروعات التى أقرت لتظهر نتائجها قبل أول سبتمبر 1970.