السؤال بالفعل يطرحه عدد كبير من الشعب على صفحات التواصل وفى التعليقات، ألا توجد لدى بعض السياسيين أو الكتّاب قدرة على رؤية الصورة بشكل كامل، حتى يمكن أن نصدقهم؟، وهل بالفعل هناك بعض المدعين المحليين يتفقون مع جهات خارجية على إعلان غضبهم من اكتشاف مشروع القمح فى الفرافرة، والتأكد من حجم ما تحقق، وكيف تتوسع مصر الدولة خارج الخطوط المرسومة فى الوادى والدلتا؟
لن ترى لدى من اعتادوا لعب دور الناصح الفارغ أن يعترفوا، ولو من باب ذر الرماد فى العيون، بل العكس، يبدو أنهم يشعرون بالغضب من رؤية القمح، وقد كان بعضهم يصدعنا ليل نهار بأن القمح مشروع قومى، وأن من لا يملك قوته لا يملك حريته، مَن مِن معلقى الضجيج غيّر من السلوك الكئيب، والضجة الفارغة، والكلمات الضخمة التى بلا معنى، والمنقولة من ترجمات ركيكة لمقالات فى دول توافق بعض السياسيين على الغضب من القمح.
ومن تابع الجدل خلال الأيام الماضية لابد أنه رأى كيف يتجاهل السياسيون والزعماء، أصحاب الضجيج، ذكر أى خطوة إيجابية، خجلًا وخوفًا من أن يوصف الواحد منهم بأنه منصف أو موضوعى، لدرجة أن كاتبًا ومثقفًا كبيرًا كتب يبدى دهشته من أن يكون بعض المعارضين كارهين للدولة إلى درجة تبنى أكثر الآراء تعصبًا، ولم ينجُ الكاتب والمثقف الذى قال ذلك من هجمات زعماء عاطلين فارغين، شعروا بالغضب من وجود من يكرهم بانحيازاتهم وفراغهم.
المهم من كل هذا، هو أن هناك طبقة سياسية وزعامات فقدت قدرتها على اكتساب الثقة لكون أغلبهم يتحدثون فى طريق، بينما البلاد تمشى فى طريق آخر. وكما أشرت بعضهم يخشى على ملابسه من التراب والغبار لو قرر أن يذهب ليشاهد القمح، أو مشروعات سيناء، وجبل الجلالة، والمدن والمساكن، وحركة كثيرة تمثل نقلات لأجيال مقبلة، بل ولحاضر أجيال حالية، بينما زعامات الضجيج غارقون إلى آذانهم فى اختراع طريقة توقف المراكب السائرة، ويبدون كثيرًا مضحكين ومثيرين للشفقة أحيانًا، وهم يقلبون الخير إلى شر، ويمارسون سياسة تكسير «المجاديف».
القضية أن الأمر لم يعد يقتصر على هؤلاء من صناع الضجيج، ومن يكتبون لأنفسهم أو يتحدثون طوال الوقت بلا توقف، ليثبتوا أنهم يعرفون الفتوى فى كل شىء، ويمدحون دولًا وتجارب، لكنهم يتراجعون، ومنهم من هو مشتاق أو محبط أو من الآكلين على كل الموائد.. يتحدثون عن الموضوعية وهم مجرد أبواق تردد ما يملى عليهم، وكلما اكتشفوا ضعف تأثيرهم يصيبهم الدوار، ولهذا كله فإن أدوات المعرفة أصبحت متاحة بشكل كبير أمام الناس ليعرفوا ويفرقوا، وأصبحت لديهم القدرة على تمييز الكذب من الصدق، والعمل من الضجيج الفارغ.. لقد بدا أن قمح الفرافرة، وممرات سيناء ضوء كاشف يبين الفرق بين الحقيقة والضجيج الفارغ.. الذين لم يعد أحد يصدقهم، لكونهم يقلبون الحق باطلًا، والباطل حقًا طبقًا للمصلحة.