سوق وكالة البلح من أقدم أسواق القاهرة أنشئ فى عام 1880، على أيدى 15 تاجراً من سوريا ولبنان وفلسطين، وبمرور الوقت وازدياد شهرة السوق وكثر عدد تجاره، أصبح علما من معالم القاهرة، وفى ثلاثينيات القرن الماضى أصابت مصر حالة ركود اقتصادية جعلت هؤلاء التجار يبيعون محلاتهم لليهود، ووقتها عرفت الوكالة تجارة الملابس المستعملة وأطلق عليها سوق “الكانتو” وظلت تحت سيطرتهم حتى خمسينيات القرن الماضى وقت أن قرروا النزوح إلى فلسطين المحتلة، وفى أثناء ذلك اشترت الوكالة عائلة من صعيد مصر، ثم اتسعت الوكالة وتعددت محلاتها وتعدد أصحابها.
موقع متميز
موقع “وكالة البلح” يجعلها مقصد صفوة المجتمع حيث تقع فى حضن منطقة بولاق أبو العلا بوسط البلد فجيرانها مبنى وزارة الخارجية ومقر البنك الأهلى المصرى ومركز التجارة العالمى ومبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون، هذا الموقع جعل روادها من جميع فئات المجتمع المصرى وشخصياته لشراء القطع النادرة من الملابس.
محلات على الجانبين تمتلئ بالملابس القديمة والمستعملة لجميع الفئات حريمى رجالى أطفال، تفصل بينها “استاندات” رُصت عليها الملابس بأسعار أقل من الأسعار المتاحة فى المحلات الأخرى، وتفرش الأرض بمجموعات أخرى وبأسعار أقل فأقل، أما الزبائن فأناسٌ فى كل مكان لا يتركون شيئا إلا وامتدت أيدهم إليه لتستكشفه.
مضاد حيوى لغلاء الأسعار
يعد سوق وكالة البلح “مضادا حيويا” لغلاء الأسعار بالنسبة للبسطاء والفقراء فى مصر.
“سوق كده على أد الإيد” تعبير بسيط قالته زينب محمد ربة منزل لـ”انفراد” اعتادت شراء كل ملابسها وملابس أسرتها من هذه السوق لتنوع منتجاتها وجودتها ورخص أسعارها.
المصريون لا يوجد لديهم مستحيل لكل عثرة يمرون بها بدائل فارتفاع أسعار الملابس الجديدة فى محلات وسط البلد جعلتهم يلجأون إلى سوق الملابس القديمة بوكالة البلح، وأكدت على ذلك مواطنة قائلة: “الناس معهاش تجيب من وسط البلد ما فيش، لكن الأسعار هنا حلوة وعلى أد الناس الغلابة، هنا بدور على الحاجة إللى عاوزاها وفى الآخر بلاقيها ولو لقيت حاجة حلوة ومش عاوزاها بخدها عشان سعرها حلو ورخيص”.
العلاقة الطردية بين دخل الفرد فى مجتمعنا والأسعار جعلت المواطنين ليس لديهم فرصة لاختيار أماكن شراء احتياجاتهم فالأرخص سوف يهرعون إليه حتى لو كان قديما ومستعملا، كما قال لـ”انفراد” أبو طالب عبد الله يعمل موظفا فى وزارة التجارة والصناعة، وأكد أنه يبحث عن الأشياء الرخيصة والتى تساعده على كفاية احتياجات بيته وأولاده، مضيفا: “العيشة برة غالية أكل وشرب وعلاج 2500 جنيه هيجيبوا إيه ولا إيه، لو جبت هدوم من بره مش هعرف أمشى بيتى”.
أسعار الملابس بوكالة البلح
عندما تدخل سوق وكالة البلح تبهرك الأسعار التى تبدأ من 10 جنيهات وتستمر فى الارتفاع حتى تصل إلى 50 جنيها فقط، وبرغم هذه الأسعار التى تنافس محلات وسط البلد بشدة، إلا أن معظم اللافتات كُتب عليها ممنوع الفصال، فزبون وكالة البلح اعتاد الفصال مع البائع، لذلك فإن الحاج عبد الكريم محمد، بائع الملابس المستعملة، يقدم للزبون سعراً لا يجوز فيه الفصال وينادى على بضاعته قائلاً: “بـ50 قرش قميص محترم ماركة نضيفة”.
المخاطر الصحية للملابس المستعملة
ينصح استشارى الأمراض الجلدية توخى الحظر عند استخدام الملابس المستوردة المستعملة، نظراً لنقل الأمراض الجلدية بنسبة عالية لذلك يجب غسلها بالماء الساخن والمطهر لتجنب الخطر.
رسائل “البالة” تخرج مهربة من جمارك بورسعيد
التقى “انفراد” أحد بائعى الملابس المستعملة فى سوق وكالة البلح فقال إن زبائن السوق الغنى والفقير، البضائع تأتى مستوردة إلى بورسعيد، ونذهب نحن تجار الوكالة إلى المستورد لنشترى منه “البالات” مغلقة، ثم نسلمها إلى أحد الوسطاء ليخرجها مهربة من جمارك بورسعيد، حيث إن جميع تجار ومستوردى الوكالة يلجأون للمهرب الذى يأخذ أضعاف سعر رسالة البالة المستوردة نظير خروجها من المدينة لنتسلمها منه على حدود القاهرة.
وطالب التاجر من الحكومة وضع تسهيلات للتجار أمثاله كى يستطيعون دفع الرسوم الجمركية داخل المنطقة الحرة ببورسعيد قائلاً: “دى إيرادات هتدخل خزينة الدولة بدل ما المهرب ياخدها الدولة أولى بيها دى أقوى من إيرادات قناة السويس”.
الحكومة ترد
من جانبه أكد مصدر حكومى بجمارك بورسعيد أن كل ما هو وارد للمنطقة الحرة ببورسعيد يخضع للنظام الجمركى بما فى ذلك رسائل “البالة”، إذ يقوم تجار وكالة البلح بتهريب البضائع كى لا يتم خضوعهم للقانون الجمركى.
وأضاف المصدر الذى تحدث لـ”انفراد” شريطة عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية موقعه، أن القانون الجديد يجعل المستورد يخضع للوزن بالكيلو، وهذا يتعارض مع مصالح تجار “البالة” فى القاهرة الذين يفضلون التهريب عن دخول الرسالة إلى الوزن، حيث إن وزن كيلو الملابس سواء كانت مستعملة “البالة” أو الجديدة بـ14 جنيها للكيلو فى حين أن المهرب يأخذه ثمن الكيلو بـ10 جنيهات فقط من التاجر.