كشف المؤشر العالمي للفتوى (GFI) التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدوار وهيئات الإفتاء في العالم أن قرار أردوغان بتحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد أكد صحة ما انفرد به المؤشر في تقريره في مارس الماضي،والذي كشف عن توظيف أردوغان لورقة المساجد سياسيًّا لاستعادة ما فقده من شعبية كان يعتمد عليها، ولصرف انتباه الناخبين عن المشاكل الاقتصادية المتمثلة في انهيار سعر الليرة التركية والفشل في التعامل مع أزمة كورونا، وسعيه للمكاسب السياسية وتوظيف الدين فيها.
فبعد أن فضح مؤشر الإفتاء المخططات الأردوغانية في تقريره السابق قُوبل بهجوم عنيف من أنصار جماعة الإخوان الإرهابية ولجانهم الإلكترونية وقنواتهم الفضائية بعد تلقيهم الأوامر من المقاول التركي؛ بهدف صرف النظر بعيدًا عن مضمون التقرير الذي كشف توظيف أردوغان لسلاح الدين والفتاوى، ومحاولته إحياء النزعة العثمانية أو ما يطلق عليه الباحثون العرب العثمانية الجديدة لبسط نفوذه الإقليمي تحت زعم إحياء الخلافة التي وئِدتْ في السابق على أرض تركيا بيد أتاتورك.
حيث أكد مؤشر الإفتاء أن قرار إعادة "آيا صوفيا" إلى مسجد مرة أخرى جاء بصياغة سياسية قومية على ورقة دينية، وهو أمر لا يختلف كثيرًا عن تحويله من قبل من مسجد إلى متحف، ولا عن تحويل مسجد قرطبة العريق إلى كنيسة، فكلها أفعال جاءت خادمة للسياسة وليس الدين، وأن رفع الأذان في آيا صوفيا لم يتعدَّ المكايدة السياسية عنه إقامة الشعيرة الدينية.
وذكر المرصد أن إلباس قضية آيا صوفيا ثوبًا دينيًّا يهدف إلى استمالة الكتلة الانتخابية المحافظة بالداخل التركي من خلال صناديق الانتخابات لصالح أردوغان وحزبه من جهة، واستمالة الكتلة الكبيرة من المسلمين في الخارج لبناء صورة ذهنية عن المخلِّص العظيم الساعي لعودة الخلافة،ليبرر بها عملياته التوسعية المشبوهة في ليبيا وسوريا والعراق وغيرها من جهة أخرى، ونكاية في أوربا التي لم تمنحه شرف الانضمام إلى اتحادها برغم أنها أعطته لدول أقل، فالقرار جاء ردًّا على سلسلة من التخبط في الداخل والخارج لنظام أرهق شعبه اقتصاديًّا وسياسيًّا وفقد الدعم الداخلي والخارجي.
ولفت مؤشر الفتوى إلى أن محاولة تصدير القضية على أنها إسلامية وفتح جديد هو درب من الكذب؛ لأن صحيح الدين أمرنا بحسن معاملة المخالف في المعتقد واحترام مقدساته ودور عبادته وهذه من المسلَّمات والثوابت الإسلامية، فالخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفض أن يصلي في الكنيسة خشية أن يتخذها المسلمون من بعده مسجدًا، وكذلك فعل عمرو بن العاص عندما دخل مصر، لكن حلم الزعامة لدى أردوغان المغادر جعله يستخدم كافة الأدوات للوصول إلى غايته.
وأضاف المؤشر إن قرارًا بإغلاق بيوت الدعارة المنتشرة في تركيا كان أجدى بالنسبة للمسلمين من تحويل متحف إلى مسجد، وإن قرارًا بوقف سيل المرتزقة الذين يقتلون المسلمين في ليبيا كان أنجع من تحويل متحف إلى مسجد، وإن قرارًا بعدم نهب ثروات الشعوب وتجويع المسلمين لهو قربة إلى الله من تحويل متحف إلى مسجد، وإن قرارًا بالنص على إسلامية الدولة في الدستور بدلًا من علمانيتها لهو أفضل من تحويل متحف إلى مسجد.
وبين مؤشر الفتوى أن خطورة ما يفعله أردوغان يعيد أوضاع العالم إلى فكر المعسكرين المتناحرين (الصليبي والإسلامي)، ويعطي الفرصة للتيارات اليمينية المتطرفة الغربية من جهة، وللجماعات الإرهابية الأصولية من جانب آخر لمعارك ما أنزل الله بها من سلطان، مما يقلل من فرص التقارب والأخوة الإنسانية، ويحرض أنصار كل طرف على خطاب الكراهية.
لماذا تم تحويل آيا صوفيا الآن إلى مسجد؟
وأكد المؤشر العالمي للفتوى في تقرير أن قضية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد طُرحت منذ عقود قبل الاستحقاقات الانتخابية، بيد أنها ظلت أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم، ومع توظيف النظام التركي لشعارات تسييس الدين أو تديين السياسة، عاد موضوع تحويل آيا صوفيا إلى مسجدليصبح سلاحًا بيده وبيد جنوده يرفعونه كلما احتاجوا إلى شعبية، بعد أن سقطت كل أوراقه الذابلة من شجرته العجوز ولم يعد لديه ما يخدع به مؤيديه.
استغلال مذبحة مسجد كرايست شيرش بنيوزيلندا
وفي محاولة لاستمالة الداخل حرص أردوغان على الظهور بمظهر الحريص على تعاليم الدين، فنشر أتباعه مقطع فيديو له وهو يتلو القرآن في رمضان الماضي، وحرصوا أيضًا على عرض لقطات من مذبحة مسجد كرايست شيرش بنيوزيلندا العام الماضي في شاشة عملاقة أمام حشود مؤيدة له لتصويره على أنه الخليفة المزعوم وحامي حمى المسلمين في العالم.
وأكد مؤشر الفتوى بعد رصده للخطاب الديني وفتاوى الداخل التركي أن (92%) من هذه الفتاوى مُفصّلة على مقاس النظام التركي ورئيسه، ورصد المؤشر أبرز تلك الفتاوى:
زعم أحد الشيوخ الأتراك أن "دعم أردوغان بات فرض عين على كل مسلم وأن حرمة الوقوف ضده كحرمة الهارب من الحرب".
وقال مفتي تركيا السابق إحسان أوزكس:"إن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لو كان حيًّا لزار قصر أردوغان". وتابع:"فكرت اليوم لو كان سيدنا محمد على قيد الحياة بيننا.. هل كان يدخل القصر الأبيض في أنقرة؟ وشعرتُ هذا المساء عندما كنتُ بالقصر أنه كان يدخله حتمًا؛ لأن هناك أمارات كثيرة من السنة النبوية الشريفة".
واختتم مؤشر الفتوى تقرير بأن الحكومة التركية أضافت إلى هيئات إنفاذ القانون عنصرًا دينيًّا جديدًا، يقضي بأن تتعامل الجهات الأمنية مع معارضيهم والمشتبه بهم باعتبار أنهم "كفار" أو "أعداء الإسلام"، وقد أعطت حكومتهم لتلك الجهات ذريعة ومبررًا باعتبار أن ما يقومون به من تنكيل لخصومها السياسيين هي أعمال مقبولة ينتظرون عليها الثواب في الآخرة.