نقلا عن العدد اليومى...
التجربة تثبت، يوما بعد يوم، أن الحقيقة أقوى من الضجة الفارغة، وأن من يعمل أفضل ممن يكتفى بالكلام. وإذا كان فيه قطاع محدود من الخبراء فى كل شىء يملأون الدنيا صراخا وكآبة، ينتقدون ويصنفون أنفسهم معارضين يصعب عليهم ذكر أى طاقة إيجابية، الناس العاديون يشعرون بما يحدث، وأحيانا لا يحتاجون إلى من ينغصون عليهم حياتهم، وكثيرا ما أتلقى رسائل أو تعليقات تبدى غضبا من الحديث عن أى شىء إيجابى كأنه يتم فى أرض الأعداء.
أما ما نقوله دائما نحن لا نرى أن كل شىء تمام لكننا مع أن يعمل كل شخص ما عليه، وأن المصداقية تفرض على كل منصف، أن هناك مواطنين فى كل مكان يشقون جبالا ويحلون أزمات. والنتيجة ظاهرة، ولو كان لدى أى من السياسيين الغاضبين وجهة نظر فهم يسجلونها. إن كانت لهم ملاحظات على إنجاز ما يقولون.
ما نراه أن هناك نوعية من الغاضبين بالمجان لا يرضون على شىء، يحدثوننا ويخطبون فينا عن التقدم والجهد والعمل، ومع ذلك يتجاهلون ما يتم ولو على سبيل التوازن. مثلا أحد كبار الخبراء العالمين ببواطن الأمور سأل: ما هى الفائدة التى تعود علينا من مشروعات فى سيناء وجبل الجلالة والفرافرة، وهل تأتى بدولارات لخزينة الدولة، ومع أن السؤال لا يحتاج لإجابة لكنه يكشف عن نوع من التفكير السائد. بالطبع يا بنى فإن جبل الجلالة يتضمن مشروعات سياحية ومنتجعات تعود بالعملات الصعبة، لكن دعنى أوضح لك ولغيرك أن آلاف الأطنان من القمح فى الفرافرة تخفض ما تدفعه خزينة الدولة لاستيراد القمح وهذه بديهية يعرفها تلميذ فى الابتدائى، ونفس الأمر فى غيره ناهيك طبعا عن فرص العمل والإنتاج وخلافه.
ومع أن السيد الذى طرح السؤال ربما كان يطرحه استظرافا لكنه نموذج واضح لكثيرين من خبراء كل المجالات ممن يملأون العالم حزنا وغضبا ويرددون محفوظات معارضة خشبية دائرية.
هذا هو أصل القضية ومركز النقاش الدائر الذى يعرى قطاعات واسعة ممن يفترض أن يكونوا على قدر ما من التفهم، ولا أحد يطالبهم بالتطبيل لكن فقط أن يقولوا فى العلن ما يقولونه فى جلساتهم الخاصة. ومنها حوارات تدور فى جلسات الخبراء حول مدى مناسبة أن يقولوا أن هناك عمل جاد وواسع يغير وجه البلد فى وقت يواجه العالم كله أزمات اقتصادية. أن ترى مجتمعات كاملة تكون جاهزة خلال عامين على الأكثر لاستقبال عشرات الآلاف من الفلاحين والعمال والمهندسين والأطباء، وخدمات طبية وتعليمية وبيوت، فهنا نحن نتحدث عن تنمية بينما يتوقف بعض خبراء الاكتئاب عند التعليقات السخيفة والسخريات التافهة. ويقفون على الواحدة مثل الببغاوات. ربما نكون أمام حالات مستعصية بحاجة إلى علاج نفسى، لكن لحسن الحظ إن هؤلاء لم ينجحوا فى نقل إحباطهم للمواطن العادى الذى يحس ويصدق ويعرف وينتقد مجانا. بل إنه يعطى ظهره لصناع الكآبة، كلما رأى القمح الذهبى والجبال تنشق.