انتهى الدكتور مصطفى الحفناوى من المهمة التى كلفه بها جمال عبد الناصر، والخاصة بإعداد الشق القانونى فى قرار تأميم قناة السويس، وحمل أوراقه وتوجه إلى مجلس قيادة الثورة لمقابلة عبد الناصر فى الساعة العاشرة مساء يوم 25 يوليو «مثل هذا اليوم» 1956، وكانت المقابلة الثانية خلال يومين.. «راجع، ذات يوم، 24 يوليو 2020».
يذكر الحفناوى فى الجزء الثالث من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة»، أن لقاءه الثانى بعبد الناصر كان فى حجرته الخاصة بمجلس الخاصة بمجلس الثورة، ويضيف: كرمنى أيما تكريم بتناول طعام العشاء على مائدته وحديثه الذى ما زال يتردد بين جوانب صدرى بردا وسلاما، وكم راعنى بدقته وحكمته وقد أعد العدة لكل احتمال، ووضع وحده بمفرده جميع الخطط، وكان حديثه يوحى بالثقة فى الله والثقة فى النصر الذى حصل عليه بتوفيق من الله.
يذكر أحمد حمروش فى كتابه «ثورة 23 يوليو»، أن عبد الناصر قال للحفناوى، إنه يتفاءل بالغرفة التى تم فيها اجتماعهما لأنه اتخذ فيها قرار صفقة الأسلحة التشيكية «27 سبتمبر 1955»، التى كسرت احتكار تسليح الجيش المصرى على الغرب، وردت على رفض أمريكا لمطالب مصرية بتسليحها، يؤكد «حمروش» أن عبد الناصر قام بمراجعة القانون الذى أعده الحفناوى للتأميم، وأجرى عليه بعض التعديلات ثم تفرغ لكتابة خطبته التى سيلقيها يوم 26 يوليو فى الإسكندرية، كما اعتاد كل عام احتفالا بذكرى الثورة، يؤكد الحفناوى، أنه خرج من اجتماعه مع عبد الناصر متوجها إلى داره، يؤكد: “مكثت وحدى فى تلك الدار لايتصل بى أحد، حتى الخادم لم يكن عندى إلى أن صدرت إلى التوجيهات».
فى نفس اليوم «25 يوليو» كان المهندس محمود يونس فى سباق مع الزمن بعد أن كلفه عبد الناصر بقيادة فريق الذى سينفذ مهمة التأميم، ويكشف المهندس عبدالحميد أبوبكر مساعد يونس فى هذه المهمة أنهما ذهبا إلى مقر مجلس الوزراء، طبقا لطلب عبد الناصر بعد انتهاء حفل افتتاح خط أنابيب البترول الجديد «السويس/ القاهرة» يوم 24 يوليو، ويؤكد فى مذكراته «تأميم قناة السويس والأيام التى هزت الدنيا» أنه وحتى موعد اللقاء توقعا أن الاستدعاء بخصوص قضايا البترول.
يكشف أبوبكر، أن عبد الناصر اجتمع بيونس الساعة الثانية عشرة ظهرا، بينما بقى هو منتظرا، وأن «يونس» بدأ فى عرض تقرير يحمله عن مشكلات البترول، واستمع الرئيس بلا تعليق، حتى سأله فجأة: «إيه معلوماتك عن قناة السويس؟»، أجاب بأن معلوماته قليلة، وبعد لحظات قال له عبد الناصر: «قررنا تأميم القناة»، فقام يونس من مقعده معانقا عبد الناصر، ثم عاد إلى مكانه وأكمل عبد الناصر: «أنا أكلفك بهذه المهمة يا محمود»، وللحظات لم ينطق محمود بكلمة.
يتذكر «أبوبكر» أن عبد الناصر استدعاه، وسأله عن معلوماته عن القناة، فأجاب مبتسما: «لا أعرف عنها سوى أنه يوجد فى بور توفيق ناد اسمه» النادى الفرنساوى»، نتناول فيه الغذاء عندما يأتى ضيوف أجانب لزيارة معمل البترول الحكومى بالسويس، ونشاهد من شرفته السفن المارة فى القناة».. يؤكد أبوبكر: «بلهجة لا تنم إلا عن الإصرار والحزم والإدراك العميق لصعوبة وخطورة القرار، أخبرنى الرئيس بأنه قرر تأميم القناة، وأنه كلف محمود يونس بالتنفيذ».
قبل أن يغادر الاثنان المكتب، أعطاهما الرئيس كتب وأوراق، وقال وهو يودعهما: «القرار سيكون فى خطابى بعد غد الخميس، وبدء تنفيذ العملية سيكون عندما أذكر كلمة «ديليسبس»، وانصرف الاثنان للتجهيز طوال 55 ساعة، يؤكد أبوبكر أن عبد الناصر ترك ليونس حرية اختيار المجموعة التى ستتولى التنفيذ، وكلفه بإعداد خطة التأميم، وطلب يونس من الرئيس ضم المهندس عزت عادل سكرتير مساعد هيئة البترول فوافق فورا، وشدد على الاحتفاظ بسرية القرار.
يذكر أبوبكر أنهم بدأوا فى تصفح الملف والكتب التى أعطاها لهم عبد الناصر، ومنها مذكرة مكونة من 55 صفحة فولسكاب عن الشركة العالمية لقناة السويس أعدها العميد أركان حرب، أمين أنور الشريف مدير إدارة التعبئة، وكتاب مصطفى الحفناوى عن القناة، ويقول أبوبكر: «طوال يوم 25 يوليو، كان يونس يتردد على مبنى قيادة الثورة، ثم يعود إلى مكتبه بهيئة البترول لينجز أعماله ومقابلاته المتعلقة بالبترول، ثم يجتمع معى ومع عزت عادل لمناقشة خطة تنفيذ عملية التأميم، وطلب البدء فى اختيار الأشخاص الذين سيشتركون فى التنفيذ».