"الألباستر" ميراث "راعى الأرض" لأحفاده بالأقصر.. من نموذج مصغر للهرم الأكبر إلى مهنة تتوارثها الأجيال بـ"القرنة".. سعر التمثال يصل إلى ألف جنيه.. وباحث أثرى: فن مصرى قديم لا يقل أهمية عن الخزف والنحت

سحر الطبيعة الأثرية واستنباط كل صورة منها لطباعتها باليدين المحترفتين على الحجارة المختلفة، والممارسة اليومية للمهن النادرة جعلت هؤلاء النجوم فى عالم مختلف عن الجميع، إنهم صانعو الألباستر، وهى تحف تضم كل الأشكال الفرعونية من معابد وملوك وعمال وأطباق وأوانٍ مصنوعة من تلك المادة الساحرة التى يتوافد عليها الأجانب والمصريين لشرائها كهدايا لذويهم.

بداية ظهور تلك الصناعة التاريخية كانت عندما قام مهندس الملك خوفو، المسؤول وقتها عن تصميم وبناء الهرم الأكبر بقطع ألواح ضخمة من أحجار الرخام المصرى أو الألباستر، ونقلها عبر النيل ليقوم بتغليف حجرة الملك خوفو التى بناها داخل الهرم، وكانت بمثابة لوحة جمالية داخل حجرات الأهرامات، لما يتمتع به هذا الحجر الجميل من طواعية للنقش تظهر إبداعات الفنان الذى يتناولها.

ولكنه لم يكتف بهذا فقد شعر المهندس "الأمير حم ايونو" أن باستطاعته من خلال هذا الحجر ابتكار الكثير، فأهدى الملك "خوفو" نموذجاً مصغراً من تصميمه للهرم الأكبر، وبعدها قام الملك بإهداء كل أصدقائه من الملوك والأمراء ممن زاروا مصر قطعا من الألباستر كتب عليها "خوفو راعى الأرض"، ومن هنا أصبحت قطعة الألباستر أجمل هدية يمكن أن يأخذها الزائر لمصر.

يستيقظ هؤلاء العمال فى الفجر كل يوم متجهين إلى محلات صناعة الألباستر المتناثرة فى منطقة البر الغربى بمدينة القرنة غربى محافظة الأقصر، والتى تزيد عن 50 محلا ومصنع لصناعة التحف والمعروضات التى تعرض فى معارضهم بصورة رائعة تلهب حماس السائحين الأجانب والمصريين الذين يزورون معابد ومقابر البر الغربى لشرائها كهدايا بمبالغ تبدأ من 25 جنيهاً حتى ألف جنيه وما يزيد، وكل قطعة حسب جمالها ونوع الحجر المصنوعة منها.

وتعد صناعة الألباستر مهنة المحترفين الذين لم يتلقوا التعليم فى المدارس ولا الجامعات فأغلبهم توارث تلك المهنة من أجدادهم، ومن أهم أشكال الألباستر الملوك الفراعنة مثل "نفرتيتى" و"توت عنخ آمون" و"رمسيس الثانى"، ومعابد كالدير البحرى ومعبد حتشبسوت، واللوح الجيري، والألباستر اليدوى فى مقدمتهم، وكل ما يدل على الأشكال الفرعونية، ومن اليدوى ألباستر الماكينة ويسمى "شغل قلعة" يأتى من القاهرة، ثم الجرانيت، والبازلت، والشست، والجير، وللأونكس عدة أشكال منها، الأطقم والكاسات، ومن خشب شجر "الدوم" يصنع منه تماثيل ومراكب فرعونية.

وفى هذا الصدد يقول الحاج على سيد أحمد ابن قرية البعيرات، إنه احترف تلك المهنة وورثها عن والده الذى ورثها عن جده، وبدأ صناعة أول قطعة فى حياته بعمر 12 سنة، وهو يقوم يومياً بصناعة من 15 إلى 20 قطعة من تلك التحف المنتشرة فى جميع بازارات ومصانع ومحلات بيع التحف المصنوعة من الألباستر.

ويضيف الحاج على سيد، إن تلك المهنة هى عشق لا ينتهى لديه وغالبية محترفى صناعة الألباستر، حيث إنهم يمارسونها يومياً دون كلل وبكل سعادة، كما يقوم بتعليم أبنائه وعدد كبير من جيرانه الشباب، وذلك لضمان مستقبل المهنة، لعدم اندثارها وضياعها.

ويقول الطيب محمود ابن مدينة القرنة من عمال محلات الألباستر، إنها حرفة النحت وصناعة الألباستر والتى حافظت على ووجودها ومقرها غرب محافظة الأقصر موطناً لها، وتعد مواد حجر الجير الأصفر والجرانيت الأسود والبازلت والرخام والمرمر البلدى، أبرز المواد المستخدمة فى صناعة الألباستر، ويتم جلبها من المنطقة الجبلية فى منطقة القرنة.

ويضيف الطيب محمود، أن الألباستر صناعة يدوية لها ثلاثة ألوان أبيض وبنى وأحمر، مصدرها محاجر أسيوط والمنيا ونجع حمادى فى قنا، تستخرج فى أحجام كبيرة يتم تكسيرها لتصنع منها الأشكال المختلفة، وجميع التماثيل المتواجدة بالمتحف المصرى هى من الألباستر.

ومن أنواع الألباستر البازلت (حجر أسود بركانى، والجرانيت، والحجر الجيرى) والذى يصنع منه اللوحات المرسومة لحفظ الألوان، ومنها أشكال تستخدم كزينة أو يوضع بداخلها شمعة للإنارة، وتماثيل الديورايت وهو أشد أنواع الأحجار صلابة، ومن القوالب الصب يتم استنساخ الأشكال، كما يسمى الفوسفور الذى يسمى "نور الصباح" حيث أنه ينير فى الظلام.

وقال أشرف الحاوي، أحد الباحثين الأثريين، إن صناعة الألباستر لها تاريخ تتميز به مدينة القرنة بصورة تجعلهم نجوم على مر التاريخ، حيث إنه فن لا يقل قيمة عن فن الخزف أو النحت، وعندما نرى أشكال الحجارة التى يحولونها الى أعمال فنية غاية فى الجمال، ندرك حجم المجهود الحرفى والإبداعى فى هذا الفن، فحجر الألباستر تختلف ألوانه من الأبيض والوردى والبيج والبنى والرمادى والأسود والأخضر ولكل حجر استخدامه.

ويضيف الباحث الأثرى أشرف الحاوي، أن التاريخ يؤكد أن المصرى القديم استعمل حجر الألباستر فى العمارة وكذلك فى النحت، حيث قام بنحت التماثيل والأوانى الجميلة من هذا الحجر الذى لا يوجد له مثيل فى العالم، لذلك يعرف بالألباستر المصرى، حيث استطاع المصرى القديم إبداع روائع فنية من التماثيل المنحوتة من هذا الحجر، أهمها وأجملها تمثال الملك (بيبى الثانى) وهو جالس على ركبتى أمه بكامل ردائه الملكى والتمثال محفوظ بمتحف بروكلين بأمريكا.

وفى مجال العمارة استخدم المصرى القديم حجر الألباستر فى عمل الأرضيات الجميلة التى تعكس أشعة الشمس فتضيف بهاء وقدسية وجمال على المكان. وأجمل أمثلتها أرضية معبد الوادى للملك خفرع، وبالرغم من أن الألباستر يستخدم فى صناعة بعض الأدوات الحياتية إلا أن استخدامه فى صناعة الفازات والتماثيل هو الأهم والأبدع حالياً.
















الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;