لم يكن يعلم عبد الباسط إدريس، أن القدر يخبئ له حملًا كبيرًا لا يقوى عليه سوى الرجال، وأن رحلة الفيروس الذى أرعب العالم سيضرب منزل عائلته ويصيب معظم أفراده، فمنذ أن علم باشتباه إصابة أحد أفراد العائلة، علق لافتة على المنزل: "يوجد لدينا حالة اشتباه كورونا.. عفوا ممنوع الزيارة.. اتصالكم يكفينا ونسألكم الدعاء"، ومعها بدأت أولى خطوات تحمل المسئولية للدكتور عبد الباسط إدريس، مدير إدارة الحجر الصحى بالشئون الصحية بالأقصر.
بدأت معاناة الطبيب القنائى بإصابة شقيقه الأكبر، وبعدها شعرت والدته بالأعراض لتصاب بكورونا، وتثقل الأحمال علي كاهل الطبيب، ومن ثم يعزل منزله بالكامل المكون من 28 شخصًا فى مكان واحد.
يروى الدكتور عبد الباسط إدريس تجربة إصابته وعائلته بفيروس كورنا لـ"انفراد"، قائلا، إن شقيقه الأكبر الذى يعمل فى تجارة تمر النخيل ذهب إلى خارج محافظة قنا، وعقب عودته شعر بسخونة جسده وارتفاع درجة الحرارة، وتناول بعدها أدوية للسخونة جعلت درجات الحرارة تنخفض لمدة يوم ثم عادت للارتفاع مرة أخرى، وعندها شعر الطبيب أن شقيقه أصيب بكورونا، ووجه بعزله فى غرفه منفردة، ثم إجراء التحاليل الطبية والذهاب إلى مستشفي الأقصر لإجراء المسحة، ولكنها رفضت وتوجه به إلى حميات قنا التى أثبتت إصابته بفيروس كورونا، وخلال تلك الفترة شعرت والدته بارتفاع درجة الحرارة التي وصلت إلي 40.
وأضاف إدريس أنه بدأ فى إعطاء أدوية كورونا لجميع أفراد الأسرة، ثم الذهاب لإجراء تحاليل طبية لمجموعة كل يوم، تعقبها مسحات طبية عقب الاشتباه فى نتيجة التحاليل ليتفاجأ أن 12 من أفراد أسرته مصابين بكورونا ولكن بأعراض خفيفة، وخلال تلك الفترة اهتم الطبيب بوالدته التى تعانى من السكر والضغط والقلب وتحتاج إلى أدوية خاصة ومعاملة طبية مستمرة.
وأشار الطبيب إلى أنه بعد أيام ذهب لإجراء مسحة pcr وأظهرت النتائج إيجابية العينات لينضم إلى باقى أفراد أسرته ويصاب بكورونا، وخلال تلك الفترة تعرض لبعض التنمر من أشخاص وأظهرت الأزمة من وقف بجانبه ومن تخلى عنه، قائلًا " أكتر ناس كنت بتفكر هيوقفوا جنبى تخلوا عنى"، مضيفًا أن حالة والدته تدهورت فى تلك الفترة وتراجع النبض مما دفعه إلى تكثيف العلاج ووضعها على اسطوانات أكسجين تخطوا الـ 8 اسطوانات، ثم حجزت بعدها فى عزل إسنا لتتحول نتائجها إلى سلبية بعد 5 أيام وتعود إلى المنزل.
وأوضح الدكتور عبد الباسط إدريس، أن بعض الأطباء قدموا له دعم معنوى ونفسى وطبى، أما العلاج والتحاليل كانت على نفقته الخاصة.
ووصف الطبيب، أن الشعور الأصعب حين تلقى مكالمة هاتفيه تخبره أن شقيقه توفى بمستشفي عزل إسنا، ليتماسك بعدها وتكتب إرادة الله عمرًا جديدًا لشقيقه ويخبره الأطباء أنه على قيد الحياه، وبعد خروجه من المستشفى تراجعت نسبة الأكسجين فى الدم، ما دفع الطبيب إلي تحويله لمستشفي خاص ذات نفقات باهظة ظل فيها لأكثر من 6 أيام، تحسن بعدها شقيقه ووصلت نسبة الأكسجين لـ 94، مضيفًا أن من المواقف الصعبة أيضًا حجز والداته بمستشفي العزل ويوم الذهاب الذى رافقها فيه ظل للواحدة صباحًا أمام المستشفى، ثم زيارتها كل يوم من قبل أحد أفراد الأسرة والفكرة التى تراوده، من الذى سيشيع جنازة والدته، إذا كتب القدر لها الوفاة.
وقال عبد الباسط، إن رغم إصابته وأفراد أسرته إلا أنه كان يتابع حالات أخرى التى تحتاج للمساعدة، ومنها حالات خارج قنا، كما تلقى خلال فترة الإصابة دعوات الكثير من الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعى، ورغم تخلى مقربون عنه، إلا أن هناك من وقف بجانبه مثل أفراد عائلة زوجته، الذين ساندوه خلال فترة الإصابة.
وأوضح الطبيب، أن المسئول عن تبديل أسطوانات البوتاجاز كان يجلب لهم عدد من الوجبات الجاهزة معه عند تغيير الاسطوانات، بالإضافة إلي إقامتهم مطعم ميدانى لتجهيز وجبات الطعام بمنزل زوج شقيقته فى أطباق بلاستيكية تستخدم لمرة واحدة.
واختتم عبد الباسط إدريس حديثة، بشكره لأهالى قريته الذين دعموه خلال فترة إصابة عائلته، واتصالهم الدائم وكذلك الأطباء بمستشفيات العزل من أصدقائه.