على مدار أشهر طويلة، ظل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب متشبثا باستراتيجية محددة فى مواجهة الوباء منها التقليل من حقيقة تفشيه فى الولايات المتحدة والتركيز على فداحة تأثير الإغلاق على الاقتصاد، والدفع لإعادة الفتح بأسرع وقت ممكن، لكن الأسبوع الأخير شهد تغييرا فى نهج الرئيس من خلال سلسلة من المواقف والقرارات تكشف ذلك.
حيث قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الرئيس ترامب قد تراجع عن مواقفه السابقة الخاصة بالتعامل مع أزمة كورونا بعد استمرار ارتفاع أعداد الإصابات وخروج الوباء عن السيطرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب كان مصرا على أن يقوم الكونجرس بخفض الضرائب على الرواتب حتى تراجع فجأة خلال الأيام الماضية، وطالب بإعادة فتح جميع المدارس فى أمريكا لفصل الخريف الدراسى، حتى سمح فجأة ببعض التذبذب، وأصر على شغل كل مقعد فى المؤتمر الوطنى الجمهورى، حتى ألغى الحدث فجأة، ورفض ارتداء الكمامة فى الأماكن العامة، ثم تحول فجأة إلى داعية لارتداء الكمامة.
ورأت الصحيفة أن هذا الأسبوع بالنسبة لترامب كان أسبوع تراجع، فبدلا من إذعان الآخرين لإرادته، كان الرئيس هو الشخص الذى يتراجع عن المواقف التى تسلك بها طويلا فى ظل رفض من رفاقه الجمهوريين أو وسط معارضة كبيرة، ويسعى جاهدا لإعادة تنشيط حملة إعادة انتخابه بينما يواصل كورونا تخريب أمريكا.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب الذى تم إضعافه سياسيا بسبب تعامله مع الوباء، قد غير مساره بعدما أظهرت استطلاعات الرأى أن موافقه لا تتماشى مع الاتجاهات العامة، مثلما كان الحال بالنسبة لخفض الضرائب على الرواتب، ورفض حلفاؤه الجمهوريون فى مجلس الشيوخ تعزيز مصالحه.
وقال تيموثى نفتالى، المؤرخ فى جامعة نيويورك والمدير لسابق لمكتبة ومتحف ريتشارد نيكسون الرئاسى، إن السفينة الجديد لترامب بها تسرب، ويتسبب فى تسريب رأس المال السياسى. وأوضح نفتالى أنه يعتقد أن الرئيس يتراجع لأنه يواجه رياحا رأسية وهى رياح قادمة من الجمهوريين المنتخبين.
وتذهب الصحيفة إلى القول بأنه ترامب خلال الثلاث سنوات ونصف التى قضاها فى الحكم، سيطر بشكل كبير على الجمهوريين فى الكونجرس وأملى عليهم أجندتهم، ولو تطلب الأمر وجههم للتصويت بالشكل الذى يراه مناسبا. وهو ما يجعل المعارضة بين الجمهوريين وأيضا الديمقراطيين لخفض الضرائب على الرواتب التى دفع ترامب بها بشدة فى المفاوضات الأخيرة حول حزمة التحفير الفيدرالية الجديدة الأكثر بروزا.
من ناحية أخرى، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن ترامب وجد أن إنكاره لوباء كورونا لن يوقفه. وقالت إن الإنكار ربما لم ينته به ، لكن يبدو أنه لم يعد الإستراتيجية التى يعتمد عليها.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب أصر من قبل أنه من الآمن أن يعود الناس لأعمالهم وبإمكان المدارس أن تفتح مجددا، وأنه يستطيع أن يعقد فعاليات كبيرة لحملته الانتخابية فى أماكن مغلقة بل إن بإمكانه أن يعقد مؤتمرا حاشدا للحزب الجمهورى بخصوص ترشحه للرئاسة. لكن الآن، كل هذا ينسحق حول ترامب. فالرئيس الذى رفض الكمامات وضغط على الولايات لإعادة الفتح ووعد بعودة أنشطة الحملة الانتخابية وجد نفسه يلغى فعاليات، ويلغى مؤتمر الحزب الكبير ويحث الأمريكيين على الابتعاد عن البارات المزدحمة والأهم ارتداء الكمامات.
وتابعت الصحيفة قائلة أنه ثقة الرئيس خلال فترة الرييع أن بإمكانه العودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية فى الوقت المناسب لبدء الانتعاش الاقتصادى، وتمكين نفسه من فترة رئاسية ثانية فى انتخابات نوفمب، تبين أنها غير متكافئة مع التقارير الطبية وتقارير الطب الشرعى فى فترة الصيف القادمة من الجنوب والغرب مع تسجيل 60 ألف حالة إصابة وألف وفاة يوميا بكورونا كل يوم، مما أجبر ترامب على التراجع عن تقييماته الوردية لصحة البلاد ولرئاسته.
لكنه لم يعترف بتغيير. فمع عودة مؤتمراته الصحفية اليومية، لا يزال الرئيس يصر على أن اغلب الولايات المتحدة تبلى بلاء حسنا فيما يتعلق بمواجهة الوباء، وقدم تنبؤات متفائلة بشأن التغلب على الفيروس. إلا أن أفعاله كذبت هذا الرأى بعد قرار إلغاء الفعاليات الكبر لمؤتمر الحزب الجمهورى فى مدينة جاكسونفيل بولاية فلوريدا، مستشهدا بنفس المخاوف الصحية التى أنكرها من قبل فى تحويل مقر انعقاد المؤتمر من مدينة شارلوت.
ورأت الصحيفة أن حتى قرار إعادة الإحاطات اليومية كان فى حد نفسه اعترافا بان الأزمة التى أراد ترامب بشدة أن تنتهى هى فى الحقيقة تتسارع، حتى مع تراجعه بفارق كبير أمام منافسه الديمقراطى المفترض فى انتخابات الرئاسة جو بايدن، بحسب أرقام استطلاعات الرأى.