لم يهدأ الجدل فى مصر منذ أن قضت محكمة استئناف القاهرة يوم 14 يونيو 1995، بارتداد الدكتور نصر حامد أبوزيد، الأستاذ بقسم اللغة العربية، بكلية الآداب جامعة القاهرة، والتفريق بينه وبين زوجته الدكتورة إبتهال يونس، أستاذ الأدب الفرنسى، وذلك فى القضية المرفوعة ضده من المحامى صميدة عبدالصمد، وكانت واحدة من فصول المعركة التى انطلقت شرارتها من جامعة القاهرة، حينما تقدم فى شهر مايو عام 1992 بأوراق لنيل درجة أستاذ، وكان الدكتور عبدالصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم ضمن لجنة لتقييم بحوثه التى تقدم بها لنيل الترقية، ورفضها واتهمها بأنها «إيدز ثقافى ومحاولة علمانية ماركسية لهدم المجتمع المصرى المسلم».
وفيما استثمرت التيارات الإرهابية «حكم الاستئناف» لمواصلة بخ سمومها، تعلقت الآمال بمحكمة النقض التى طعن أمامها «أبوزيد» وزوجته إبتهال ضد الحكم، وتولت الدفاع عنهما هيئة من أكبر المحامين، وهم الدكتور عبدالمنعم الشرقاوى، الدكتور إبراهيم صالح، الدكتور يحيى الجمل، أحمد الخواجة نقيب المحامين، محمود عطية، عبدالعزيز محمد.. وبعد عام وسبعة أسابيع وتحديدا يوم 5 أغسطس «مثل هذا اليوم 1996»، أيدت «النقض» الحكم، وكانت هيئتها تتكون من المستشار محمد مصباح شرابية رئيسا، وعضوية المستشارين «فتحى محمود يوسف» وسعيد غربان، وحسين السيد متولى، وعبدالحميد الحلفاوى، وبحضور المحامى العام ناجى عبداللطيف».
يلخص «أبوزيد» ما ذكرته «النقض» فى أسباب تأييدها حكم الاستئناف بإدانته، قائلا فى كتاب «صوت من المنفى- تأملات فى الإسلام»، إعداد الباحثة الأمريكية «استرنيلسون» وبمشاركته، وترجمة: «نهى هندى»: «ذكرت المحكمة أسباب إدانتى كالتالى: أنكر أن الله ذو العرش العظيم، وأنه تعالى وسع كرسيه السماوات والأرض، وأن من خلقه الجنة والنار والملائكة والجان، ورغم ورود آيات القرآن الكريم قاطعة الدلالة فى ذلك.. وصف القرآن بشأنه «منتج ثقافى»، وعليه ينكر سابقة وجوده فى اللوح المحفوظ.. وصف القرآن بأنه نص لغوى «وهو ما يتضمن تكذيب النبى محمد فى تلقيه للوحى من الله».. وصف علوم القرآن بأنها تراث رجعى، وهاجم تطبيق الشريعة الإسلامية، ونعت ذلك بالتخلف والرجعية، زاعما أن الشريعة هى السبب فى تخلف المسلمين وانحطاطهم.. الإيمان بوجود ميتافيزيقى ينم عن عقل غارق فى الخرافة.. وصف الإسلام بأنه دين عربى، نافيا عنه عالميته وأنه للخلق أجمع.. القول بأن تثبيت القرآن فى قراءة قريش كان لتحقيق السيادة القرشية التى سعى إليها الإسلام «النبى محمد قرشى».. إنكار حجية السنة النبوية.. الدعوة للتحرر من النصوص الشرعية بزعم أنه ليس فيها عناصر جوهرية ثابتة، وأنها لا تعبر إلا عن مرحلة تاريخية.. وصف أتباع النصوص الشرعية بأحد أشكال العبودية».
يعلق «أبوزيد»: «أصبح جليا أنه فى العقل الجمعى للمحاكم المختلفة فى مصر، كنت متهما بالكفر والردة»، وينقل ردود الفعل على الحكم قائلا: «أبدى عدد من المفكرين المصريين استياءهم وألمهم تجاه هذا الحكم، حتى أن بعضهم ذهب لوصف هذا اليوم الخامس من أغسطس 1996 بأنه أسود يوم فى تاريخ مصر الحديث، كما وصف متحدث باسم منظمة حقوق الإنسان الحكم بأنه «صدمة كبيرة لنا، وضربة قاصمة لمصر وصفعة موجهة للمجتمع المدنى، وحد لحرية الرأى والاعتقاد ورخصة شرعية بالقتل»، كما وصف فهمى هويدى قرار المحكمة بأنه «أحد أعراض انهيار المجتمع، لم يتناقش أحد بعد اليوم، ستخلو الساحة إلا من القضاة والعنف».. وقال المستشار سعيد العشماوى، القاضى والباحث فى الإسلام السياسى: «بالنسبة لى، المخيف فى واقعة أبوزيد، أن المحاكم ليست لها سلطة قضائية للحكم على إيمان أو كفر شخص ما».
مع تصاعد الجدل الغاضب من الحكم أرسل أبوزيد خطابا إلى مجلة «روزاليوسف» يوم 16 أغسطس 1996، يأتى بنصه الكاتب الصحفى محمد توفيق فى كتابه «الملك والكتابة»، جاء فيه: «من نصر حامد أبوزيد إلى الأمة المصرية عبر روزاليوسف.. أنا أفكر.. أنا مسلم.. لا مفر من الإقرار بأن هذا الحكم الظالم يبدو وكأنه يعلن للعالم الذى بدأ بالفعل فى الدخول فى القرن الواحد والعشرين، أن المسلمين فشلوا فى دخول القرن المنصرم، فهل تبدد بالفعل كل شىء، التاريخ والتراث والوطن؟.. هل صار شعارنا الآن «أنت تفكر.. إذن أنت مرتد»، بعد أن كان فى كل عصور ازدهار الفكر الإسلامى «أنا أفكر.. إذن أنا مسلم» أو لأننى مسلم فيجب أن أفكر؟ لا تصدقوا كلام القاضى أننى مرتد، لأن المرتد، والعياذ بالله لا يتقدم بإرادته لينال لقب «الأستاذية» فى جامعة فى بلد مسلم، إلا لو كان مجنونا، وقد عشت بينكم ولم تظهر على أعراض جنون من أى نوع.. لقد صار الدفاع عن نضارة الإسلام منذ الآن أكبر من أن يكون هما أكاديميا.. صار مسألة حياة أوموت، أن تكون أو لا تكون.. وإذا كان شعار العالم «أنا أفكر فأنا موجود».. فليكن شعارنا «أنا أفكر فأنا مسلم».