تغييرات عميقة، يتطلع إليها اللبنانيون فى مرحلة ما بعد الانفجار الذى ضرب مرفأ بيروت، فى ظل غضب متأجج بين المواطنين، بدت بوادره قبل الكارثة التى حلت بالعاصمة اللبنانية، تجلت بوضوح فى أوضاع اقتصادية مذرية، هبطت بالعملة اللبنانية، ونقص كبير فى الوقود، نجم عنها صعوبة كبيرة فى الأوضاع المعيشية، دفعت آلاف المواطنين إلى الخروج فى احتجاجات حاشدة، شهدتها الشوارع، فى الأسابيع الماضية، لم تخل من العنف والاشتباكات، بين المحتجين وأفراد الأمن، لتحل الكارثة الأخير، لتضيف المزيد من الضغوط على الشارع والحكومة على حد سواء.
انفجار مرفأ بيروت وضع لبنان على المحك، فى ظل ما ترتب عليه من دمار امتد إلى أنحاء العاصمة اللبنانية، من شأنه زيادة الضغط على الواقع الاقتصادى فى البلاد، جراء الحاجة الملحة إلى «إعادة الإعمار»، والذى ربما أصبح بمثابة ضرورة ملحة لإنقاذ ما تبقى من بلاد «الأرز»، قبل أن تصير فى عداد الدول الفاشلة... «انفراد» حرصت على إجراء حوار مع رئيس المركز الإعلامى الكاثوليكى فى لبنان الخورى عبده أبو كسم، لتوضيح رؤيته للوضع الحالى فى لبنان، وما ستؤول إليه الأحداث فى المستقبل.. وإلى نص الحوار:
بداية.. نود أن نعرف ما هى رؤيتكم للانفجار الأخير الذى ضرب مرفأ بيروت؟
هذا الانفجار غير طبيعى، هو يقارب الانفجارات النووية، من حيث نطاقها التخريبى حيث دمر المرفأ وجزءا من العاصمة اللبنانية بيروت، حيث إنه ساهم فى تغيير صورة العاصمة من واجهة جميلة إلى أشلاء مدينة مدمرة، وبالتالى ستكون له تداعيات كبيرة، خاصة بعد ما سوف تكشف عنه التحقيقات، خاصة إذا ما تبين أن هناك عملا تخريبيا أو مفتعلا بهدف تأجيج حالة من الفوضى فى الداخل اللبنانى.
ولكن الانفجار ليس الأزمة الوحيدة التى تواجه لبنان، فهناك ترنح اقتصادى، وموجات غضب كبيرة فى الداخل، بينما كان الحادث الأخير مجرد محطة.. فمن المسؤول عما آلت إليه الأحداث فى لبنان فى الآونة الأخيرة؟
فى الواقع أن المسؤول عن هذه الأزمات هى السلطة المترنحة الفاسدة، والتى حكمت لبنان على مدى سنوات، والتى اهتم أفرادها ببناء ثروات خاصة على حساب أبناء الشعب اللبناني، واهتموا بحماية مصالحهم على حساب المصلحة العامة.. ما يحدث فى لبنان هو نتيجة تراكمات، خلفتها تلك الطبقة السياسية هى التى أدت إلى ما آلت إليه الأمور فى لبنان فى المرحلة الراهنة، سواء فيما يتعلق بما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية أو مالية، أدت إلى حالة من عدم الاستقرار فى الشارع اللبناني.
هل يعنى هذا من وجهة نظركم أن الحراك فى الشارع اللبنانى فى الأسابيع الماضية مبررا؟
نعم.. فالتراكمات التى تركتها النخبة السياسية هى المسئول الرئيسى عن الحراك، والذى يهدف إلى محاربة الواقع الراهن فى لبنان، وكما تعلمون فالموجات الاحتجاجية لم ترتبط بالأحداث الأخيرة، وإنما بدأت منذ شهر نوفمبر الماضى، ومازالت الانتفاضة فى الشارع اللبنانى قائمة، وإن كانت تخبو لفترات، ولكنها تعود إلى الظهور مجددا، فى انعكاس صريح لعدم القدرة على تلبية تطلعات الشارع اللبنانى.
وباعتبارك مسؤول المركز الإعلامى الكاثوليكى اللبناني.. ما هى رؤية الكنيسة للأوضاع الراهنة فى لبنان؟
الكنيسة تنظر إلى هذا الواقع بألم شديد، وهى تحتضن كل التحركات الشبابية السلمية التى تطالب بالإصلاح فى لبنان.. نحن ندعم أى تحرك يهدف إلى إحداث تغيير ما نحو الأفضل، ولكن تبقى الأولوية لسلمية الحراك. نحن نرفض تماما أى اعتداء على الأملاك العامة أو الخاصة. الكنيسة اللبنانية تسعى إلى خلق أجواء مغايرة للأحداث التى تعصف بلبنان، فهى تقف دائما إلى جانب الحق ودائما ما تدعم بناء لبنان، لتصبح البلاد أكثر ازدهارا وتطورا فى المستقبل.
انفجار بيروت دفع البعض للحديث عن «إعادة إعمار» العاصمة اللبنانية.. كيف يمكن أن يتحقق ذلك فى ظل الظروف الراهنة؟
الأوضاع الاقتصادية الراهنة لن تمكن لبنان من تحقيق «إعادة الإعمار» بمفرده، وبالتالى فالكارثة الأخيرة ينبغى أن تكون دافعا لدعم البلاد من قبل الدول الصديقة، والحليفة، والتى تهدف فى الأساس إلى إنقاذ لبنان.
الحديث عن دعم لبنان من قبل الدول الصديقة يدفعنا للتساؤل حول ماهية الدعم المطلوب.. هل تقصدون دعما اقتصاديا فحسب؟
ليس فقط الدعم الاقتصادى هو المطلوب، فالدول الصديقة والحليفة للبنان لها دور أكثر أهمية، من خلال العمل على دفع السلطة الحالية على إحداث تغيير ما، سواء كان على الصعيد السياسى أو الاقتصادى أو المالى.. ربما يكون انفجار بيروت مدخلا لإعادة الإعمار.
كيف يمكن للكنيسة مساعدة الدولة لتحقيق دعم دولى لإعادة الإعمار وتحسين الوضع الاقتصادى فى لبنان؟
دعم الكنيسة للبنان لا يرتبط بحادث الانفجار الأخير، ولكنها دائما ما تسعى لدعم الدولة اللبنانية، ولكنها كانت فى الوقت نفسه دائما ما تدعو إلى الاحتفاظ بحياد لبنان الإيجابى، تجاه كل القضايا والمحاور الدولية والإقليمية.