يعتبر الغاز الطبيعى عصب الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة، وذلك لما له من دور رئيسى فى الدورة الإنتاجية للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة وعلى رأسها صناعة الصلب والحديد، الأمر الذى يجعل ارتفاع سعر الغاز الطبيعى ضاغط بقوة عليها ويضربها فى مقتل، فى ظل تكاليف مرتفعة مع تراجع واضح فى التصدير للخارج، وهبوط الطلب المحلى نتيجة بعض الإجراءات ومنها وقف تراخيص البناء لمدة 6 أشهر.
الواقع الحالى للصناعة الوطنية ومنها الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة ومنها الحديد والصلب، يدفعنا دائما للدفع فى اتجاه دعم هذه الصناعة لما لها من دور كبير فى خلق الوظائف، وإتاحة منتجات للأسواق الداخلية إضافة إلى تصدير الفائض وهو ما يوفر العملة الصعبة ومن ثم ضبط الميزان التجارى لمصر، هذا هو الجانب المشرق فى مسألة دعم الصناعة، لكن هناك جانب آخر يرتبط بالتحديات التى تواجه المصانع وعلى رأسها صناعة الصلب وصناعات أخرى كثيفة الاستهلاك، خاصة أن سعر بيع المليون وحدة حرارية مقرره 4.5 دولار، لا تزال مرتفعة عن السعر العالمى، الأمر الذى يزيد من مطالب خفضها والبيع بالسعر العالمي.
كافة المؤشرات والأرقام تؤكد أن السعر الحالى للغاز لا يصب فى صالح الصناعة الوطنية، وذلك لأن ارتفاع تكلفة الإنتاج يخلق مزيد من الضغط على الصناعات المختلفة، ومن ثم ارتفاع سعر المنتجات النهائية بالسوق الخارجى، الأمر الذى يقلل من تنافسية هذه المنتجات، وقد يفقد الصناع أسواق تصديرية جراء هذه الزيادة فى التكلفة، إضافة إلى بعض المشكلات الأخرى التى تثقل كاهل الصناعة الوطنية، والتى تتطلب تدخل فورى تحت بند حماية الصناعة، فكيف تتم هذه الحماية؟
لابد أولا أن نتعرف على أشكال حماية الصناعة المحلية، وهى متنوعة منها فرض رسوم على الاستيراد وضبط الاستيراد العشوائى، وتوفير خامات الإنتاج للمصانع وكذلك ضبط أسعار الطاقة لتتوافق مع التكاليف التصنيعية من أجل زيادة تنافسية الصادرات خارجيا، وأخيرا تسهيل تشريعات تنظيم العملية الإنتاجية والتصنيعية.
واتجهت الدولة المصرية لحماية الصناعة واتخذت عدة قرارات فى الفترة الأخيرة، منها فرض رسوم على واردات السلع منها الحديد والصلب والسكر ومنتجات أخرى، وتواكب مع هذا التوجه إنشاء المجمعات الصناعية الجديدة التى تهدف إلى توطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى قطاعات اقتصادية مختلفة فى مدن صناعية مجهزة مثل مجمع مرغم للكيماويات فى الإسكندرية، كما تعتبر المجمعات الجديدة أحد وسائل القطاع الصناعى، لتعميق المكون المحلى فى الصناعات، وعدم الاعتماد على مكونات ومدخلات إنتاجية من الخارج من خلال إيجاد البدائل المحلية لها.
كل هذه الإجراءات السابقة تواكب معها أيضا خفض أسعار الغاز للصناعة إلى 4.5 دولار بعد أن كانت 5.5 دولار، لكن لا يزال هذا السعر مرتفع نسبيًا مقارنة بالدول التى تنافس مصر تصديريا، والتى تقدم الغاز المصنعين بسعر يقل عن سعره فى مصر بحوالى 10% بحسب تقديرات مصنعى السيراميك والحديد والاسمنت، الأمر الذى يستوجب إعادة النظر فى سعر المليون وحدة حرارية، وخفضها إلى 3.5 دولار حتى تتواكب مع الأسعار العالمية.
ويرى المصنعون أهمية أن يتم تسعير الغاز فى مصر على السعر العالمى للغاز، إذ يصل فارق سعر غاز المصانع أكثر من 10%، لذلك فإن الربط مع السعر العالمى سيؤدى إلى تحقيق قدرة أفضل لتنافسية المنتجات المصرية المصدرة إلى خارج البلاد، فيما تؤكد القطاعات الصناعية أن بيع الغاز بسعر 4.5 دولار ليس فى صالح الصناعة الوطنية.
سعر الغاز ينعكس بصورة مباشرة على عدد كبير من الصناعات منها المفروشات والملابس الجاهزة، والصناعات البلاستيكية، والغذائية، والهندسية والكيماوية البسيطة، ومواد البناء، وعدد آخر من القطاعات، إضافة إلى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الحديد والصلب، وكل هذه القطاعات الاقتصادية التصنيعية تسعى الحكومة لزيادة إنتاجها فى السوق المحلية وتوجيه الفائض نحو التصدير، وتقليص وارداتها بهدف توفير العملة الصعبة للبلاد.
وهناك عوائد وفوائد ضخمة تعود على الاقتصاد المصرى، من حماية الصناعة المحلية، وخفض سعر الغاز للمصانع، هذه الحماية تبدأ من خفض تكاليف الإنتاج، الذى ينعكس مباشرة على تنافسية المنتجات المصرية بالخارج، نتيجة تصديرها بأسعار تنافسية، ولن يتم تحقيق هذه المعادلة إلا من خلال خفض التكلفة النهائية للمنتج، عبر الاعتماد على مدخلات إنتاج محلية وخفض سعر الطاقة للمصانع وعلى رأسها الغاز.
لعل أبرز عوائد دعم الصناعة، توفير آلاف من فرص العمل الجديدة للشباب، الأمر الذى يساهم فى خفض البطالة، إضافة إلى إتاحة وتوفير منتجات جديدة للسوق الداخلى ومن ثم تقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة، وتقليل الضغط على العملة الصعبة، وتوطين الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
ويعد إتاحة وتوفير أراضٍ مرفقة أمام المستثمرين، الخطوة الأهم أمام الحكومة التى يمكن من خلالها تحقيق معدلات النمو الصناعى المنشودة، بجانب مشروعات إنشاء المجمعات الصناعية الجديدة الموزعة فى 12 محافظة، للقطاعات الأكثر حيوية منها الغزل والنسيج والكيماويات والصناعات الغذائية والصناعات الطبية.
وينتظر القطاع الصناعى انتهاء عمليات التخصيص بالمجمعات الجديدة، التى تعد أهم المشروعات التى تقوم عليها الدولة حاليا، وتعتبر هذه المجمعات قاطرة نمو الصناعة المصرية خلال السنوات المقبلة، لما ستوفره من منتجات للأسواق الداخلية، وكذلك اعتماد استراتيجية تدشينها على اتاحة منتجات تكون بديلا للاستيراد.
مصر تدعم صناعتها بكل قوة فى الفترة الحالية من خلال توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى، لتذليل كافة العقبات أمام الاستثمار الصناعى، والتعامل بجدية مع مشاكل المستثمرين عبر توفير الأراضى وحل مشكلات دعم الصادرات المتأخرة، والتكيف مع الظروف الحالية للخروج بأقل خسائر من أزمة كورونا، عبر إتاحة عدد كبير من القرارات المهمة للقطاع الصناعى ومنها خفض أسعار الكهرباء 10 قروش، وخفض الغاز وإتاحة 3 مليارات لمتأخرات المصدرين.