موجة من الحرائق حدثت فى أوقات متقاربة ما أثار مخاوف من أن تكون هناك مزيد من الحرائق تطال مناطق أخرى وتخلف مزيدا من الخسائر وراءها، خاصة أن الأسباب فى غالبية تلك الحرائق مجهولة.. كما أثارت مدى استعداد الأجهزة الحكومية لتأمين مختلف المنشآت فى البلاد وحمايتها من ذلك المجهول الذى يترصد بها.
مؤخرا أعلن مجلس الوزراء أنه قرر بالتعاون مع المحافظات إجراء عدد من الدورات التدريبية لكل القيادات التنفيذية على مواجهة الحرائق، وآخرها فى محافظة الدقهلية، لكن ذلك بدوره أثار التساؤل عن كيفية تعامل هؤلاء المتدربين فى مواجهة الحرائق والكوارث الطارئة فى ظل غياب الأدوات اللازمة التى تمكنهم من مواجهتها؟ ويزيد من أهمية هذا التساؤل ما رصده "انفراد" فى جولة ميدانية على 10 أبنية ومنشآت حكومية يتردد عليها آلاف المواطنين يوميا، وهى "محاكم دار القضاء العالى، وشمال الجيزة، و6 أكتوبر، وجنوب القاهرة، وشمال القاهرة، ووزارة التموين، والشهر العقارى، والسجل المدنى بالعباسية، والسجل المدنى بمنطقة الهرم، ومجمع المصالح الحكومية"، حيث كشفت الجولة عن خلو هذه المبانى المهمة من أى وسائل للتأمين، ما يهدد سلامتها وسلامة المترددين عليها حال تعرضها لأى حريق أو تفجير، فى ظل ما تواجهه مؤسسات الدولة المصرية من إرهاب، حيث تفتقر هذه المؤسسات إلى البوابات الإلكترونية فضلا عن عدم وجود سلم للطوارئ وغياب طفايات وخراطيم المياه وحتى إن وجدت فغالبا يكون عليها "أقفال" يصعب تحطيمها حال وقوع أى حادث، فيما كانت صناديق الحرائق محطمة وبدون أجهزة إطفاء.
محاكم القاهرة قابلة للاشتعال والاختراق
أبنية شامخة، بوقوفك أمامها ترتسم بمخيلتك صورة لمكان مكتمل العراقة، يدعم الصورة ارتفاعها لما يزيد عن عشرة طوابق، يعلوها من الخارج شعار "العدل أساس الملك".. مع خطواتك الأولى داخل تلك المبانى، تلاحظ عدم وجود وسائل حديثة للمراقبة، وعلى الرغم من أنها أبنية حيوية مهمة يتردد عليها آلاف المواطنين يوميا، إلا أن وسائل الأمان تكاد تكون منعدمة.
البداية كانت مع محكمة شمال الجيزة، الواقعة بشارع السودان، والتى تضم محكمة الجيزة الابتدائية، ومقر المحامى العام لنيابات شمال الجيزة الكلية، كما تعد مقرا لانعقاد جلسات دوائر محكمة الاستئناف بالجيزة، حيث يحتوى المبنى على 12 قاعة جلسات، ما يجعلها تستقبل آلاف المواطنين يومياً، ورغم ذلك افتقرت لكل عناصر التأمين ضد الحرائق أو التفجيرات.
يوجد فى المبنى بقايا محطمة لصناديق الحرائق، بها أشباه خراطيم يبدو من مظهرها أنها غير صالحة للاستعمال، وبلا إرشادات لتوضيح كيفية الاستخدام، مع خلو المبنى من سلم للطوارئ وبوابة إلكترونية لفحص الزائرين.
"م.ح" محامى كان يتجول بطرقات المبنى قال: هذا هو حال جميع المحاكم، اللهم إلا ما تم بناؤه فى القاهرة الجديدة، وغير ذلك ستجدين أن جميعها لا تتوافر فيها أدنى وسائل الأمان، ما يهدد بحدوث خسائر بشرية فى ظل العمليات الإرهابية التى تستهدف كيانات الدولة ومؤسساتها.
نفس الوضع فى محكمة "العباسية" أو محكمة استئناف القاهرة "شمال القاهرة الابتدائية"، فلا سلالم مخصصة للحرائق، ولا طفايات حريق ولا إرشادات تعليمية أو تعريفية للمواطن، بما يجب عليه فعله فى حال - لا قدر الله - وقع حريق فى أى وقت.
أما فى مبنى "دار القضاء العالى" فإن الوضع مختلف نسبيا، حيث يوجد فى مدخل المبنى بوابة إلكترونية لفحص المواطنين الداخلين إلى المبنى الذى يتميز بضخامته وبنائه على الطراز الإيطالى بأعمدته وصالاته الواسعة، لكن لا تزال أزمة توافر طفايات الحريق بالعدد والإمكانيات المطلوبة غير موجودة داخل دار القضاء العالى.
فى محكمة 6 أكتوبر الواقعة بميدان الجيزة، تنتشر الأوراق و"الدواليب" فى الممرات بطريقة عشوائية، ما يعيق سهولة الحركة فى حال وقوع كارثة، فيما يبدو المشهد داخل "مجمع المصالح الحكومية" غير قاصر على سوء وسائل الأمان بل يصل إلى درجة الإهمال المتفشى داخله، وبمجرد الدخول يظهر ممر طويل تفوح منه رائحة ركام وبقايا طعام وكراسى ومكاتب ملقاة على الأرض وقطع خشب متناثرة.
التموين والشهر العقارى.. خارج نطاق الأمان
تُعد وزارة التموين الوزارة الأكثر شعبية وقربا للمواطن، نظراً لأنها المختصة بتوفير دعم الدولة للمواد الغذائية، لذا من الطبيعى تردد مئات المواطنين يوميا عليها، خاصة أنها تضم أيضا مباحث التموين.
كثرة أعداد المترددين على الوزارة وما يتبعها من هيئات لم يشفع عند الدولة لتهتم بمبانيها، وأن توفر لزوارها وسائل تأمينية ضد الأزمات المحتملة، حيث تضم الوزارة مبنيين وثالث لمباحث التموين، وجميعهم يعانون الأمر ذاته، فلا بوابات إلكترونية ولا تفتيش أو أى إجراء وقائى للعبور من بوابة الوزارة، ووسيلة الأمان الوحيدة الموجودة هى طفاية الحريق، لكنها ليست متوافرة فى جميع الأدوار بل وأغلبها متهالك وغير صالح للاستخدام.
على بُعد عشرة دقائق من وزارة التموين، يقع مبنى الشهر العقارى بميدان الإسعاف، الذى يتردد عليه آلآف المواطنين كل يوم، ما يستلزم تشديد التأمين عليه، إلا أنه يعانى من ضعف وسائل الأمان.
تقول "صفاء.م" عاملة بالشهر العقارى: "الدولة لا تهتم بمبانيها، فعلى الرغم من مرور خمسة أعوام على ثورة 25 يناير والتى تم فيها حرق المبنى الآخر للشهر العقارى الواقع بشارع الجمهورية، إلا أنه لا يزال متروكا إلى الآن دون تجديد، مضيفة: "نحن معرضون للخطر فالمبنى يُعد أثريا وتم بناؤه على الطراز القديم، وهو رغم أناقته إلا أنه يحتاج إلى أمور كثيرة تناسب الواقع من حيث عدد رواده، وطبيعة عمله"، مطالبة الحكومة بالاهتمام به، حيث تشكل تلك المبانى بأوضاعها الحالية قنابل موقوتة قد تنفجر فى أى وقت، خاصة فى ظل العمليات الإرهابية التى لا تفرق بين المدنيين أو غيرهم.
تتكرر المشكلات السابقة داخل مقر السجل المدنى المتواجد بالعباسية فطفايات الحريق موجودة من باب "الديكور" فهى متهالكة ولا تعمل، وفى مدخل السجل المدنى بشارع الهرم يزداد الأمر سخرية تم تحطيم طفايات الحريق داخل المبنى متعدد الطوابق.