أزمة دخلت عامها التاسع على التوالى دون إسدال ستار النهاية عليها، ولطالما حلم كل محافظ جلس على كرسى محافظة الأقصر أو كل وزير تولى ووزارة السياحة أو الآثار أن يتم الانتهاء منها فى عهده، ولكن دوماً ما كانت توجد حلقة مفقودة ولغز فى منتصف الطريق، الحديث عن أزمة "مشروع طريق الكباش" السياحى الأثرى التاريخى، الذى يربط بين معبد الأقصر والكرنك.
ظهرت بوادر الانتهاء من المشروع نهاية العام الماضى، وخرج علينا محمد بدر، محافظ الأقصر، بتصريحات نارية بأن مشروع طريق الكباش سينفذ ولن يوقفه أحد، وما زالت تلك التصريحات لم تنفذ على أرض الواقع حتى الآن، رغم كونها حدثا تاريخيا لا يقل أبداً عن افتتاح مقبرة تاريخية أو الكشف عن كنز توت عنخ آمون فى 1922م على يد هاورد كارتر العالم البريطانى التى هزت أرجاء العالم وقتها، حيث إن ذلك المشروع سيكون بمثابة دخول الأقصر فى عصر الجمال والروعة وإحياء طريق كان موجودا مسبقاً إبان العصور الفرعونية القديمة، وكان يشهد احتفالات سنوية لديهم وعبور فرقهم والطبول والعروض الأكروباتية بطول الطريق بين معبد الأقصر والكرنك.
ورغم إزالة أكثر من 424 منزلا و6 مساجد ومقابر دول الكومنولث، وكذلك اسـتراحة محافظ الأقصر وقسم شرطة الأقصر فإن المشروع لم ينته حتى الآن، ورغم صدور قرارات عدة من رئاسة مجلس الوزراء بالسير بكل قوة فى إنهاء الطريق، إلا أنه لم يتم حتى الآن، ورغم حديث وزير الآثار السابق الدكتور ممدوح الدماطى بأنه تم توفير الاعتمادات المالية للمشروع أكثر من مرة إلا أنه لم ينته.
كل تلك الأمور تكشف وجود لغز كبير فى هذا المشروع الذى لو تم وخرج للنور بحفل افتتاح تاريخى يضم قيادات السفارات الأجنبية وأبناء الجاليات الأجنبية بمصر لكان عامل جذب ضخما للأقصر وواحدا من أهم دوافع عودة السياحة وتوافد السائحين بالآلاف من كل دول العالم لمشاهدة هذا الحدث النادر، وكيف نجح أحفاد الفراعنة فى إحياء تاريخهم وتراثهم فى هذا الطريق الذى سيكون عالميا مثله مثل افتتاح فرع لقناة السويس الجديدة.
وفى هذا الصدد يقول الطيب عبد الله الخبير السياحى بالأقصر، إن هذا المشروع حلم كبير طالما راود أبناء المحافظة لمساعدتهم فى عمل رواج سياحى وتجارى كبير على جانبى الطريق، حيث إن الطريق يصل بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك بطول 2700 متر وعرض 70 متراً، ويتيح للسائحين الأجانب والمصريين التمتع على طول الطريق بين معبدى الأقصر والكرنك برؤية 1200 تمثال، نحت كل منها فى كتلة واحدة من الحجر الرملى، وهى فى هيئتين: الأولى تتخذ جسم أسد ورأس إنسان، والثانية لها جسم كبش ورأسه، علماً بأن الأسد يرمز فى التاريخ الفرعونى إلى الشمس التى قدّرها الفراعنة كثيراً، أما الكبش فيعود إلى "خنوم" - أحد الرموز الرئيسة فى الديانة المصرية القديمة وهو بحسب معتقدات ذاك الزمان صانع الحياة، وكانت تحيط بهذه الكباش أحواض زهور ومجارٍ للمياه لريّها، ووسط التماثيل أرضية مستطيلة (120X 230 سنتيمتراً) من الحجر الرملى، وبين كل تمثال وآخر فجوة قطرها أربعة أمتار، إضافة إلى ما دونته الملكة حتشبسوت على جدران مقصورتها الحمراء فى الكرنك، بأنها شيدت سبع مقصورات خاصة بها على طول هذا الطريق.
ويضيف الطيب عبد الله أنه قبل أكثر من خمسة آلاف عام، شق ملوك مصر الفرعونية فى طيبة (الأقصر حالياً) طريق الكباش لتسير فيه مواكبهم المقدسة خلال احتفالات أعياد الأوبت كل عام، وكان الملك يتقدّم الموكب، تتبعه عليّة القوم، كالوزراء وكبار الكهنة ورجال الدولة، إضافة إلى الزوارق المقدسة المحمّلة بتماثيل رموز المعتقدات الدينية الفرعونية، فيما يصطف أبناء الشعب على جانبى الطريق يرقصون ويهللون فى بهجة وسعادة، وبادر إلى شقّ هذا الطريق الملك أمنحوتب الثالث، بالتزامن مع انطلاق تشييد معبد الأقصر، لكن الفضل الأكبر فى إنجاز "طريق الكباش" يعود إلى الملك نختنبو الأول مؤسس الأسرة الثلاثين الفرعونية (آخر أسر عصر الفراعنة).
وحول سير العمل فى الشهور الماضية بمشروع "إحياء طريق الكباش"، أكد عبد الناصر أحمد عبد العظيم، مدير عام ترميم آثار الكرنك وطريق الكباش، أن رجال الترميم قاموا بعمل ترميمات كبرى فى ذلك المشروع منذ انطلاق شارة البدء فيها حتى الآن، حيث إنهم أنهوا جزءا كبيرا جداً من الطريق وما زال يتبقى جزء آخر لم ينته من التمهيد للانطلاق فى الترميم.
ويضيف مدير عام ترميم آثار الكرنك وطريق الكباش فى تصريحات خاصة لـ"انفراد" أنه تم إخباره بأن الإمكانيات المادية هى العقبة فى استكمال المشروع حتى الآن، مؤكداً أن رجال الترميم الذين يشرف على عمله أنهوا ترميم حوالى 625 متر من الطريق خلف مكتبة الأقصر وتنتظر عمل سور حولها لحمايتها وكذلك تركيب الإضاءة فيها، كما تم العمل فى جزء كبير من المنطقة الخاصة بالطريق من نجع أبو عصبة حتى معبد الكرنك وكذلك يحتاج استكمالا لوضع اللمسات الأخيرة فيه بأجزاء بسيطة من الترميم ويحتاج تركيب الإضاءة، وكذلك تم الإنتهاء تماماً من ترميم 150 متر من الطريق قابعة داخل معبد الاقصر وانتهت من تركيب الإضاءة بالكامل.
ويقول عبد الناصر أحمد عبد العظيم، إن المنطقة التى لم يتم فتح باب العمل فى ترميمها هى الجزء الممتد من مخرج معبد الأقصر بين الكنيسة الإنجيلية ومنطقة السنترال القديم بجوار معبد الأقصر، حيث إنه يوجد طريق إسفلتى يؤدى إلى منطقة ميدان التجارة ومعبد الكرنك لم يتم إزالته حتى الآن، ولكنهم على أتم الاستعداد لإنهائه فى فترة قياسية حال صدور شارة البدء لهم فى تنفيذه.