أحيّا دير أبو مقار بوادى النطرون، نهاية الشهر الماضى، الذكرى السنوية الثانية لمقتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس الدير السابق، بعد مقتله بذات اليوم عام 2018، على يد اثنين من رهبان الدير، وبعد ثبوت الواقعة ضدهما.
وفى 1 يوليو الماضى، أيدت محكمة النقض، حكم الإعدام على الراهب المشلوح وائل سعد تواضروس "أشعياء المقارى"، وتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد للراهب فلتاؤس المقارى، لاتهامهما بارتكاب جريمة قتل الأنبا إبيفانيوس أسقف دير أبو مقار بوادى النطرون.
والأنبا إبيفانيوس، من مواليد 27 يونيو 1954 في مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وهو حاصل على بكالوريوس في الطب، والتحق بدير أبو مقار في 17 فبراير 1984، قبل أن يرسم راهبا في 21 أبريل 1984، باسم الراهب إبيفانيوس المقاري، ورسم قساً في 17 أكتوبر 2002، وكان يشرف على مكتبة المخطوطات والمراجع بكل اللغات في الدير، واختير رئيسًا للدير بالانتخاب في 10 مارس 2013.
وتم إحياء الذكرى السنوية الثانية للأنبا إبيفانيوس بقداس إلهى فقط وعدد محدود من الرهبان بالدير، بسبب قرار الكنيسة الخاص بعودة فتح الكنائس فى 3 أغسطس، وكانت الأديرة مغلقة أثناء ذات التاريخ وقت إحياء الذكرى، بسبب تفشى كورونا، نظرا للإجراءات المتخذة من قبل المجمع المقدس للكنيسة بإغلاق الكنائس والأديرة وإيقاف الصلوات بشكل مؤقت لمواجهة تفشي الفيروس .
وعقب مقتل رئيس دير أبومقار، ترأس البابا قداس الذكرى السنوية الأولى للأنبا إبيفانيوس، كما وضع البابا تواضروس، الدير تحت رئاسته وإشرافه، في محاولة لإعادة الانضباط الرهباني للدير التاريخي، وفى 16 مايو الماضى، زار البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، دير القديس أبو مقار ببرية شيهيت، والتقى خلال الزيارة، بمجمع رهبان الدير كما تفقد كنائس الدير، وبذلك تعد هذه زيارة هى السابعة على مدار العاميين الماضيين عقب مقتل الأنبا إبيفانيوس.
ولدير الأنبا مقار وضعية خاصة، عكس الأديرة كافة، فبعد أيام من حادث مقتل الأنبا إبيفانوس، أصدر البابا تواضروس سلسلة قراراته المعروفة بقرارات ضبط الرهبنة والتى قرر بموجبها نقل ستة رهبان من دير الأنبا مقار وجرى توزيعهم على أديرة أخرى، كان بينهم زينون المقارى الذى توفى بشكل غامض فى الدير المحرق بأسيوط بعد نقله إلى هناك.
وقللت قرارات البابا من حدة الأزمات داخل الدير الذى انصرف رهبانه لأعمالهم البحثية منها واليدوية، وسادت أجواء هادئة خلال الأشهر الأولى من الحادث، وخلال العام الأول من الحادث، زار البابا تواضروس الدير أربعة مرات كان أولها يوم جنازة الانبا ابيفانيوس، ثم يوم الذكرى الأربعين للأنبا ابيفانيوس حين جدد رهبان الدير اختيار الراهب بترونيوس المقارى أمينا لديرهم، ثم زاره البطريرك مرة أخرى فى شهر أكتوبر ومرة فى أبريل الفائت، وخلال تلك الزيارات حرص البابا على عقد جلسات فردية مع بعض الرهبان اطمأن فيها على أوضاع الدير بشكل دقيق، وذلك وفقا لما أعلنته الكنيسة رسميًا.
وخلال العامين الماضيين زار البابا تواضروس دير أبو مقار 7 مرات، كانت آخرها في مايو الماضي حيث التقى خلال الزيارة، بمجمع رهبان الدير كما تفقد كنائس الدير وتبارك من أجساد القديسين الموجودة به، وقد أكد البابا فى تصريحات إعلامية إن تجريد الراهب فلتاؤس المقاري، المتهم الثاني في مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبومقار بوادي النطرون، سيتم، وذلك عقب تأييد محكمة النقض اتهام الراهب بالاشتراك مع الراهب المجرد "إشعياء المقاري" في عملية قتل الأنبا إبيفانيوس في 29 يوليو 2018، وهي المحكمة التي أيدت حكم إعدام "إشعياء" وخففت الحكم لـ"فلتاؤس" للمؤبد.
وحتى الشهر الجارى، لم تستقر الكنيسة على تعيين رئيس جديدا للدير، رغم شائعات بأنه سيتم رسامة رئيس دير أبو مقار الجديد في نوفمبر المقبل، وقد نفى البابا تواضروس، مؤكدا أن ما يتردد حول اختيار أحد رهبان الدير لرسامته أسقفا هي أخبار كاذبة.
دير الأنبا مقار منذ فترة الأب متى المسكين
وتعد الحياة الرهبانية فى دير الأنبا مقار قد استقرت لفترات طويلة دون تعيين رئيس دير مقيم بين جماعته الرهبانية، حتى العام 2012 كان الانبا ميخائيل مطران أسيوط هو رئيس دير الانبا مقار رسميًا يقيم فى إيبارشيته وسط الصعيد بينما كان القمص متى المسكين هو الأب الروحى للدير دون أن يصبح رئيسا له يومًا، وعام 2006، توفى القمص متى المسكين وصار الدير بلا أب روحى حتى عمل القمص كيرلس المقارى ربيتة الدير على إدارة شئونه وظل الانبا ميخائيل مطران أسيوط رئيسا للدير واستقرت الأمور على هذا الوضع.
واستمر الوضع كذلك حتى عام 2009 الذى زار فيه البابا شنودة الثالث دير الأنبا مقار ورسم رهبانا جددًا ومنح آخرين رتب الكهنوت، حدثت بعض المشاكل بين الرهبان الجدد والقدامى الأمر الذى دفع الانبا ميخائيل للاعتذار عن رئاسة الدير فقرر البابا شنودة الإشراف على الدير بنفسه وجرت الأمور على هذا النحو إلى أن تمت رسامة الأنبا ابيفانيوس رئيسا للدير عام 2013 فى أول دفعة من الأساقفة يعينها البابا تواضروس عند توليه كرسى البطريرك.
ووفقا لتاريخ الكنيسة والأديرة القبطية، ليس من الضرورى تعيين رئيس لكل دير بل يمكن إسناد الأمر لإشراف أحد الأساقفة ذلك لأن الحياة الديرية فى الأديرة المصرية تقوم على حياة الشركة أى الصلاة المشتركة وعمل اليد وهى حياة بغرض عبادة الله والابتعاد عن صخب العالم فقد كان كل شيخ من شيوخ البرية يعيش فى مغارة مع جماعته الرهبانية مثلما كان الحال فى غالبية الأديرة القبطية مثل أديرة وادى النطرون التى نشأت فيها الحياة الرهبانية ما بين القرنين الرابع والخامس الميلادى دون أن يتولى هذا الشيخ منصبًا كنسيًا.