واصل الرئيس جمال عبد الناصر إجاباته على أسئلة رئيس وزراء الأردن عبد المنعم الرفاعى، خلال اجتماع الثلاث ساعات مع العاهل الأردنى الملك حسين بقصر رأس التين بالإسكندرية، يوم 21 أغسطس 1970.. وسيطر خطر الخلاف الأردنى الفلسطينى على الجزء الأخير من إجابات عبدالناصر.. «راجع، ذات يوم، 21 أغسطس 2020».
يكشف محضر اجتماع اللقاء الذى ينشره عبد المجيد فريد، فى كتابه، «من اجتماعات عبد الناصر العربية والدولية»، كيف آلت الأوضاع العربية بعد نكسة 5 يونيو 1967، وفرص الحل السلمى للقضية الفلسطينية الذى قال عنه عبد الناصر «إنه مازال بعيدا جدا، ولابد أن نصمد أكثر ويشعر الأمريكان أن يدهم ليست مطلقة الحركة فى الموقف العربى».
وأضاف: «تحرير فلسطين لن يتم فى ستة أيام ولا فى ست سنين.. إذن مين اللى سيحرر من النهر إلى البحر؟ وفى كم سنة؟ هذه أمور لابد من توضيحها إلى جماهيرنا العربية بصراحة تامة، أنا أعتقد أنه علينا الآن واجب أن نزيل آثار العدوان، ونعيد الأرض العربية التى احتلها اليهود، ثم بعد ذلك من الممكن أن نناضل تحت الأرض لتحرير أرض فلسطين، لتحرير حيفا ويافا».
وعن موقف المقاومة الفلسطينية، قال: «أنا قابلت قيادات المقاومة، وقلت لهم إن حقكم أن ترفضوا مبادرة روجرز، وترفضوا الحل السلمى حتى لو وافقت عليه جميع الدول العربية، أما عن موضوع «إذاعة صوت فلسطين» فلم يكن فى نيتى قفله رغم هجومهم اليومى علينا خاصة من إذاعة القاهرة، ولكن استمعنا إلى برقية مرسلة من قيادتهم لفرعهم فى القاهرة، تطلب منهم التوسع فى مهاجمتنا مع المزيد من سبنا، وتوجيه الشتائم إلينا على أساس أنهم تصوروا أننا سنخاف من التعرض لهم، طبعا كان ذلك تصورا خاطئا منهم، وتقديرا غير سليم، لكن أعود وأقول أن من حقهم أن يرفضوا المبادأة، مباردة روجرز، ويرفضون أى تحرك سلمى، ولهذا أرجو من الملك حسين أن لا يهاجمهم أو يعمل ضدهم، كما أرجو أن يحول دون تشنج بعض المسؤولين الأردنيين ضد المنظمات الفلسطينية، لأن المستفيد هو العدو الإسرائيلى».
وجه عبد الناصر نصحه إلى حسين: «جلالة الملك أرجو أن تأخذهم بالصبر حتى لو غلطوا من أجل شعبكم ومن أجل الشعب الفلسطينى، ولا تنسى أن سيدنا أيوب كان من سكان نهر الأردن، ولهذا أعتقد أنك ستكون قادرا على حسم الأمور باتزان وحكمة رغم وجود بعض المتطرفين الفلسطينيين، وإنما فى نفس الوقت يوجد بينهم أيضا عناصر كثيرة متزنة، عامة أرجو أن نتشاور دائمًا فى هذا الموضوع لأنى أعتبره أهم موضوع عربى فى الوقت الحاضر، كما عليكم أن تختاروا قيادات أردنية تحوز ثقة الفلسطينيين مثل الدكتور نابلسى، وأنا مستعد دائمًا لأن أستقبل أى مندوب عنكم للتشاور معه بشأن موضوعات المقاومة، والأخ فاروق أبو عيسى من ثورة السودان أبلغنى أنه اجتمع مع اللجنة المركزية لمجموعة الحواتمة، وكان حديثهم معقولا وبناء».
قال عبد الناصر لحسين، «إن لديه توصية أخيرة وهى أن تتعاملوا فى هذا الموضوع بالعمل السياسى وليس البوليسى، وهذا ليس معناه عدم الوقوف سلبيا ضد العناصر السلبية أو الانتهازية، ولكن هذا يتطلب منكم القيام بتحرك سياسى ضخم».. وأضاف: «آسف أننى أتحدث معكم فى شؤونكم الداخلية، ولكن لسبب بسيط وهو أن أى ضربة عندكم ستكون لها ردود فعل عديدة على جبهتنا».
رد حسين: «عن صبر أيوب فهذا هو شعار سياستنا منذ أمد طويل، ولكن للصبر حدود، إن وجود جميع منظمات المقاومة على أرضنا نقل إليها كل المتناقضات الموجودة فى العالم العربى، والمتاجرة بشعار من النهر إلى البحر» عملية مغرضة القصد منها نسف ما هو باق لدينا من إمكانيات عربية لتحرير أراضينا، والملاحظ أن العمل ضدنا من أفراد المقاومة يتزايد يوما بعد يوم محاولين إثارة الشك والبلبلة فى صفوفنا حتى داخل القوات المسلحة الأردنية، ولكن الحمد لله أن الوحدات العسكرية مازالت سليمة حتى الآن».
أبدى حسين استعداده لسرد قصص استفزاز للسلطات المحلية فى المدن والقرى، فرد عبدالناصر قائلا إنه سبق وأن تحدث كثيرا مع قيادات المقاومة بضرورة الامتناع عن استفزاز السلطات الأردنية المحلية، وكانوا مدركين آثار هذا الاستفزاز وما ينجم عنه، ونبه: للأسف هناك من يريد فعلا الاستفزاز، وقد تكون بينهم قوى مضادة تخطط عن عمد بهدف تخريب الموقف السياسى فى الأردن، وعموما من الممكن أن يعاد بحث مثل هذه الأمور دون أن تصل لدرجة التشنج على أن تراعى مصالح جميع الأطراف.
بعد أقل من شهر انفجر القتال بين الجيش الأردنى وقوات المقاومة الفلسطينية فيما عرف بـ«أيلول الأسود».