بمطالعة منطوق الحكم يدهشنا ما انتهى إليه من تضارب وتناقض فى الأسباب المحكمة الدولية راعت الأحداث الصعبة التى يعيشها لبنان من فراغ سياسى وخلاف بين الأحزاب والطوائف على السلطة
بعد خمسة عشـر عاماً أسدلت المحكمة الدولية ستارها وأصدرت حكمها منذ أيام قريبة فى قضية اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى، وهى المحكمة الدولية التى سبق أن تم تشكيلها بناءً على قرار الأمم المتحدة، فى توقيت يعيش الشعب اللبنانى أياما حزينة وصعبة والذى لم ينهض من صدمة وكارثة أربعة أغسطس الحالى والذى يُعد ثالث أكبر انفجار حدث على سطح الأرض وتلازم فى ذات الوقت مع الوضع الاقتصادى المتدهور، والتى أوشكت الدولة اللبنانية على إشهار إفلاسها، فتوقيت صدور حكم المحكمة الدولية فى غاية الصعوبة وآثار هذا الحكم تحمل بين طياتها مستقبل
الدولة اللبنانية الفارغة سياسياً والمفلسة اقتصادياً.
كافة طوائف الشعب اللبنانى كانت فى حالة انتظار وشغف وترقب منذ وقوع حادث الاغتيال فى عام 2005، لمعرفة حقيقة الحادث والقائمين عليه ولبيان حقيقة ما إذا كان حزب الله،وبشار الأسد لهما علاقة بهذا الحادث من عدمه، ولمعرفة الجُناه الحقيقيين وجنسياتهم والجهات الممولة وأسباب ودوافع الحادث.
وبمطالعة منطوق الحكم يدهشنا ما انتهى إليه من تضارب وتناقض فى أسبابه، فقد راعت المحكمة الدولية الظروف والأحداث الصعبة التى تعيشها لبنان من فراغ سياسى وتناحر وخلاف بين كافة الأحزاب والطوائف على تقسيم السلطة، كما أخذت أيضاً بعين الاعتبار والرأفة معاناة الشعب اللبنانى تارة من إفلاس الدولة وتارة أخرى من كارثة الانفجار الأخير.
فقد أدان الحكم متهماً واحداً وهو سالم جميل عياش من بين أربعة متهمين تمت إحالتهم للمحاكمة وينتمون جميعاً إلى جماعة حزب الله، فقد أكد الحكم أن متهماً واحداً هو الذى ارتكب الحادث وفى ذات الوقت أكد الحكم أنه لم يجد ثمة أدلة على تورط حزب الله أو القيادة السورية ممثلة فى رئيسها بشار الأسد
فى الحادث.
فلم يحدثنا الحكم عن الجهة التى تولت تمويل هذا الحادث الذى استخدم فيه اثنين ونصف طن متفجرات حسبما جاء بأسباب الحكم، ولم يحدثنا الحكم عن الجهات التى جهزت تلك السيارات المفخخة بهذا الكم الهائل من المتفجرات، ولم يتطرق الحكم عن الجهة أو الجماعة أو المنظمة التى ينتمى إليها المتهم الوحيد المُدان فى الجريمة من ضمن أربعة متهمين تمت إحالتهم للمحاكمة، مع العلم أن جميع المتهمين ينتمون إلى حزب الله بمن فيهم المتهم الوحيد الذى تمت إدانته، وفى ذات الوقت يحدثنا الحكم عن براءة قيادات حزب الله والدولة السورية من هذا الاتهام. فما هو هذا التضارب والتناقض سواء فى الإدانة أو البراءة، أضف إلى هذا أن المتهم الوحيد المُدان سالم جميل عياش هارب ومختفى وبالطبع سيظل مختفياً إلى الأبد، فهو حكم مُرضٍ لجميع الأطراف ودلالة هذا القول هو ما ورد على لسان سعد الحريري- نجل المجنى عليه ـ فى تصريح رسمى أورد به [باسم عائلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري- نقبل حكم المحكمة ونريد تنفيذ العدالة] فى إشارة منه إلى أنه يجب إلقاء القبض على المتهم وتنفيذ الحكم.
وفى ذات الوقت خرج الآلاف من أعضاء حزب الله إلى الشوارع معبرين عن سعادتهم الغامرة بصدور حكم ببراءة قيادات حزب الله وفعل مثلهم السوريون من انطلاقهم فرحةً ببراءة رئيسهم بشار الأسد من هذا الاتهام.
فقد راعت المحكمة الدولية فى حكمها آثار وتداعيات حكمها سياسياً واقتصادياً على الشعب اللبنانى فأصدرت حكماً ملائماً للظروف العصيبة التى يعيشها الشعب اللبنانى وخوفها فى الحديث عن المسكوت عنه الذى سوف يعجل بسرعة اشتعال الحرب الأهلية فى لبنان.