تولى الدولة المصرية اهتماما بالغا بقضية بناء وإعمار المساجد، ويظهر هذا جليا في تصريح الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، عندما أكد ان ما حدث فى مصر فى مجال عمارة المساجد وخدمة القرآن الكريم فى السنوات الست الأخيرة غير مسبوق.
وفى مجال عمارة المساجد تم إنفاق أكثر من 6 مليارات جنيه، منها 3 مليارات و250 مليونًا من وزارة الأوقاف، ونحو 3 مليارات من الجهود الذاتية لأهل الفضل تحت إشراف الوزارة، لإحلال وتجديد وإعادة بناء المساجد وافتتحت الأوقاف (1170) مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم و(69) مركزًا لإعداد محفظى القرآن الكريم خدمة لكتاب الله -عز وجل- وعملًا على عمارة بيوته -عز وجل.
ولكن هل يجوز أن يكون هذا العمل الفاضل ذريعة للبعض من ضعفاء الأنفس أو محدودو العلم للتعدى على أراضى الدولة وإهدار الرقعة الزراعية، وقد أجابت دار الإفتاء المصرية على هذا السؤال، حيث أكدت أن بِناءَ مسجدٍ على أرضٍ زراعيةٍ بالتحايل على القانون أو بمخالفته أمرٌ غيرُ جائزٍ شرعًا، لافتة إلى أن الحرمة أشد لو كان ذلك ذريعةً لاستِباحة ما حوله من الأراضى الزراعية المحظور البناء عليها ببنائها، وليس لله تعالى حاجة في بناء بيتٍ يضر مصالح عباده واقتصادهم ولا يقصد به وجهه.
وأوضحت الدار -في فتوى لها- أنه من القواعد التي قررتها الشريعة أن درء المفسدة مُقدَّمٌ على جلب المصلحة، كما أن الشريعة قد راعت ترتيب المصالح وترتيب المفاسد عند التعارض، وترتيب المصالح يكون بتقديم أكثرها نفعًا، كما أن ترتيب المفاسد يكون بتقديم أقلها ضررًا، ومِن ثَمَّ قَدَّم الشرع تحصيل مصلحة الجماعة على مصلحة الفرد عند التعارض، كما قَدَّم دفع المفسدة التي تلحق بالمجموع على دفع المفسدة التي تلحق بالفرد عند التعارض.
وأضافت دار الإفتاء أن الأراضي الزراعية عماد الاقتصاد المصري، والبناء عليها يُعَدُّ إهدارًا واضحًا للثروة الزراعية في مصر، ومساحة الأراضي الزراعية في مصر لا تتجاوز 4% من إجمالي أرضها، وهذه المساحة ضئيلة لا تفي بحاجة أهل مصر، ولا تحتمل النقصان بحال، ونقصانها يترتب عليه ضررٌ على المجتمع كلِّه، ويزيد من مصاعب الوصول للاكتفاء الذاتي؛ حيث يؤكد الخبراء أن مصر بحاجة إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية إلى الضِّعف حتى تصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وفى إطار متصل كشف الدكتور خالد عمران، أمين عام دار الفتوى المصرية، عن الحكم الشرعى لبناء مسجد على أرض زراعية أو أرض ملك الدولة، قائلا "هذا الأمر غير جائز، وحرام شرعا"، وأضاف عمران، فى مداخلة هاتفية عبر قناة "صدى البلد": "هذا ليس بناء للتعمير، ولكنه تحايل على القانون، لإيجاد طريقة للبناء بحجة وجود المسجد على أرض زراعية أو أملاك للدولة".
وتابع أمين دار الفتوى "ينطبق قول الله تعالى على هذا الموقف كما ذكر فى كتابه العزيز "فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍۢ فَٱنْهَارَ بِهِۦ فِى نَارِ جَهَنَّمَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ"، مضيفا "ما يحدث فى هو مخالفة لأمر الدولة وفساد فى الأرض والله لا يحب الفساد".
الأمر نفسه أكده الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، ردا على من يزايد على بناء مساجد على أرض منهوبة، إن المسجد هو الأرض التي جعلها المالك مسجدا وأذن للصلاة فيها، مضيفا: "المساجد المبنية على أرض مغصوبة تزال دون تردد إذا اقتضت المصلحة العامة"، مشيرا إلى أنه ممنوع منعا باتا بناء مسجد على أرض مغصوبة.
وأضاف، خلال لقائه ببرنامج "التاسعة"، عبر القناة الأولى المصرية، مع الإعلامى وائل الإبراشى، أن الفقهاء اتفقوا على أن الغاصب يلزم برد المغصوب إلى صاحبه كما أخذه ويلزم من إزالة ما أحدث به من بناء أو زرع أو غرس، مشددا على أن حرمة المال العام كحرمة المال الخاص.
من ناحية أخرى، قال "كريمة" إن الله سبحانه وتعالى أخفى زمن الموت عن الإنسان رحمة به، موضحا أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شعر أنه سيموت قبل وفاته. وذكر أنه قد تكون هناك خواطر أو شعور بالموت ولكنها ليست قاعدة، مشيرا إلى أنه قد يكون عند شخص من الأولياء.