يؤمن الكثيرون بالحظ، ويتفاءلون أو يتشاءمون من بعض الأشياء العادية التى ترتبط فى أذهانهم بمواقف وذكريات سعيدة أو سيئة، وأحيانا يرتبط الإنسان بشىء معين يرى فيه تميمة حظه. وهكذا كان نجوم الزمن الجميل، فكثير منهم احتفظوا ببعض الأشياء أو العادات، واعتقدوا أنها تفتح لهم أبواب الحظ والنجومية والشهرة، وكانت هذه التقاليع منتشرة بين عدد من كبار النجوم، يعرفها عنهم المقربون منهم.
كما كان عدد من نجوم الفن يلجأون لبعض الحيل والأساليب فى بداية مشوارهم الفنى يرون فيها مفاتيح تفتح لهم أبواب الشهرة والنجومية، وتلفت انتباه الصحف والمجلات لهم، وتجعلهم مادة خصبة للأخبار.
وفى عدد نادر من مجلة الكواكب صدر عام 1959، نشرت المجلة موضوعا عن تقاليع النجوم الغريبة، وبعض الأساليب التى كانوا يحرصون عليها ويتبعونها ويظنون أنها تجلب لهم الحظ، وتفتح لهم طريق الشهرة.
منيرة المهدية ودماء الديك الرومى
ومن أغرب هذه التقاليع، ما كانت تقوم به سلطانة الطرب منيرة المهدية التى اتسعت شهرتها فى بداية القرن الماضى، وكانت لا تفتتح موسمها المسرحى إلا إذا ذبحت "ديك رومى أحمر" على باب المسرح، على أن تظل دماء الديك الرومى فوق العتبة حتى يدوس عليها أول متفرج يدخل الصالة، فتتلوث بها قدماه وتترك آثارها فى الردهة والصالة وأسفل المقعد الذى يجلس عليه.
وكانت منيرة المهدية تصر على ألا يأكل لحم الديك إلا اثنان من المقرئين، يظلان طوال النهار يتلوان القرآن حتى يتم فتح الستارة.
والغريب أن هذه التقليعة كانت تجلب الحظ لمنيرة المهدية فيمتلئ مسرحها بالمتفرجين، وكانت تلجأ إليها كلما قل الإقبال على مسرحياتها، وظلت تداوم على هذه التقليعة كلما افتتحت رواية جديدة فتذبح الديك الرومى الأحمر وتفرح بمشهد دمائه التى تلطخ أرضية الصالة.
فاتن حمامة وقطعة القماش الخضراء
قد لا يتخيل الكثيرون أن سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة كانت منذ طفولتها، وطوال مشوارها الفنى، تحتفظ بقطعة قماش خضراء تضعها دائما فى حقيبتها، وتظن أنها تجلب لها الحظ.
ولم تكن فاتن حمامة تذكر تاريخ وجود قطعة القماش الخضراء فى حقيبتها، لكنها كانت تذكر أن والدها كان يضع هذه القماشة فى جيب مريلة المدرسة الخاصة بها، ثم فى جيب الفستان الذى ارتدته وهى تشارك فى مسابقة مجلة "الإثنين" التى فازت بها بلقب أجمل طفلة، ثم فى جيب الفستان الذى ذهبت به للمشاركة فى فيلم "يوم سعيد"، والفستان الذى ارتدته فى فيلم رصاصة فى القلب، وكان النجاح حليفها فى كل هذه الخطوات، ولهذا آمنت سيدة الشاشة بأن قطعة القماش تجلب لها الحظ.
وظلت فاتن حمامة تحتفظ بقطعة القماش الخضراء، ثم علقتها على باب شقتها وكانت تقول إنها تمنع دخول الحظ السيئ إلى بيتها.
حدوة الحصان على باب سمراء النيل
وكان من بين هذه التقاليع ما كانت تقوم به سمراء النيل الفنانة الكبيرة مديحة يسرى، التى كانت تحتفظ بحدوة حصان قديمة تضعها على باب بيتها.
وكانت لهذه الحدوة حكاية قديمة روتها مديحة يسرى، حيث اشترتها من أعرابى فى منطقة الهرم، وكان هذا الأعرابى يعمل عند رجل أجنبى يعيش فى مصر فى بدايات القرن العشرين، وكان يمتلك حصانا أبيض يركبه قبل أن تنتشر السيارات، وكان يفوز بحصانه فى سباقات الخيل، ويخوض به العديد من المغامرات والأخطار، ويعود دائما سالما.
وكان الرجل الأجنبى يتفاءل بحدوة حصانه الأبيض، حتى أنه كان يغير كل حدوات الخيول التى يمتلكها ويحتفظ بهذه الحدوة ويضعها، فى بيته، اعتقادا منه بأنها تجلب الحظ وتمنع الشر، وبعد وفاته أخذها الأعرابى الذى كان يعمل معه، وباعها لسمراء النيل مديحة يسرى التى تفاءلت بها وعلقتها على باب بيتها.
سر العملة الفضية هدية أنور وجدى لليلى فوزى
وعلى الرغم من أن الفنانة الكبيرة ليلى فوزى لم تكن تؤمن بالحظ أو التقاليع لكنها منذ ارتبطت بعلاقة صداقة انتهت بالزواج من الفنان أنور وجدى، والذى تمت مراسمه فى باريس أصبحت تؤمن بالحظ.
وكانت هدية الزواج التى أعطاها أنور وجدى لزوجته الجميلة ليلى فوزى قطعة عملة فضية يرجع تاريخها إلى أوائل القرن الماضى، وكان أنور وجدى يتفاءل بها.
وظلت ليلى فوزى تحتفظ بهذه العملة فى حقيبتها وتتفاءل بها وتضعها دائما فى حقيبتها حتى بعد وفاة أنور وجدى، وكثيرا ما كانت تعود إلى المنزل، إذا ما اكتشفت بعد خروجها أنها لم تأخذها معها.
وكانت الفنانة ليلى فوزى تزوجت من أنور وجدى بعد طلاقه من الفنانة الكبيرة ليلى مراد، وعاشت معه رحلة مرضه حتى وفاته.
غرائب فاطمة رشدى وزينب صدقى
وكان من أغرب هذه التقاليع ما كانت تقوم به الفنانة الكبيرة فاطمة رشدى فى أوج شهرتها، وحين كانت صاحبة فرقة مسرحية من أقوى الفرق، حيث كانت تأتى بطفل حديث الولادة وتتركه يبكى على باب المسرح طوال يوم افتتاح أى مسرحية جديدة، حيث كانت تؤمن بأن بككاء الأطفال يطرد النحس من أى مكان.
فيما كانت الفنانة زينب صدقى تحب وتتفاءل بالوجوه شديدة السمار، حتى أنها لم تكن تغادر بيتها إلى المسرح إلا عندما تنظر فى وجه ذى بشرة سمراء، لذلك كانت تستعين فى بيتها دائما بخدم ومساعدين من أصحاب البشرة السمراء.
رمل وحش الشاشة وفص شكرى سرحان
ولم تكن هذه التقاليع قاصرة على النجمات فقط، بل كان هناك بعض النجوم الرجال يؤمنون بها، ومنهم وحش الشاشة الفنان الراحل فريد شوقى، الذى كان يحتفظ معه دائما بكيس صغير مملوء بالرمال جمعها من صحراوات متعددة، وكان يقول أن هذا الكيس يجلب الحظ.
أما الفنان الكبير شكرى سرحان فكان فى شبابه يحتفظ بفص زجاجى اشتراه من أعرابى يحترف الشعوذة، وقال عنه إن كل حظ ونجاح صادفه كان يحمل معه هذا الفص.
شادية وقطعة الحلى الذهبية
أما الفنانة الكبيرة شادية التى عرفت منذ طفولتها وشبابها بقربها من القرآن كل ما يرتبط به، فكانت تحتفظ فى حقيبتها دائما بقطعة حلى ذهبية منقوش عليها آية الكرسى كان والدها أهداها لها فى نهاية الثلاثينيات من القرن الماضى، وهى طفلة، كهدية فى عيد ميلادها.
وأشارت شادية إلى أنها يوم أن تلقت هذه الهدية جاءها نبأ نجاحها فى المدرسة وتفاءلت بها وظلت تحملها معها فى كل مراحل حياتها.
وأكدت شادية أن إيمانها ازداد بأن هذه القطعة الذهبية تحفظها وتجلب لها الحظ عندما سافرت بالسيارة فى الطريق الصحراوى، وقبل أن تصل إلى الرست هاوس كادت تتعرض للحادث تصادم لولا عناية الله.
وقالت شادية إنها بعد الحادث تحسست حقيبتها لتبحث عن قطعة الحلى الذهبية، فلم تجدها، وارتجفت أعصابها وأخذت تفتش فى حقيبة ملابسها، حتى وجدتها بين الملابس، وحينها اطمأنت واستأنفت طريقها وهى مرتاحة الأعصاب هادئة النفس.
حيلة أحمد سالم على الطريق لصحراوى
وكان من بين النجوم الذين لجأوا لبعض الحيل والأساليب فى سبيل السعى وراء الشهرة والنجومية، وحتى تتبع الصحف ووسائل الإعلام أخبارهم، الفنان والمخرج والمذيع أحمد سالم ابن العائلة الأرستقراطية وأحد رواد الفن ومؤسس استديو مصر، وأول مذيع قال عبارة "هنا القاهرة" فى الإذاعة المصرية.
وذكرت الكواكب أنه فى عام 1938 كان اسم أحمد سالم لمع وتألق بسبب المناصب التى شغلها، وكان "سالم" يمتلك سيارة فاخرة ليس فى القاهرة مثيل لها، وكانت الصحف وقتها تهتم بأخبار الطبقة الراقية، وأراد أحمد سالم أن تتصدر أخباره موضوعات الصحافة حيث كان يسعى دائما للشهرة.
وكان الطريق الصحراوى إلى الإسكندرية قد افتتح عام 1932، وأقيم فى وسطه الريست هاوس، ولكن لم يكن أحد يهتم بهذا الطريق وأخباره، فأعلن أحمد سالم عن تنظيم رحلة أسبوعية إلى الريست هاوس، وقضاء يوم الأحد من كل أسبوع فى الصحراء، وبالفعل شغلت أنباء رحلات أحمد سالم للصحراوى، وما يحدث فيها أعمدة الصحف والمجلات، وظل اسمه يحتل مساحة كبيرة فى أخبار الصحافة حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية وأغلق الطريق الصحراوى بعد اعتباره طريقا حربيا.
حواجب كاريوكا تشعل معركة بين الطبقات
أما الفنانة الكبيرة تحية كاريوكا فاشتهرت طوال حياتها بالذكاء الشديد الذى ساعدها فى أن تلفت الأنظار إلى موهبتها، كما حرصت فى بداية مشوارها الفنى على أن تتعلم وتتثقف حتى تطور نفسها، وهو ما جعلها منذ خطواتها الفنية الأولى مثارا للأخبار التى تنشرها الصحف عن تلك الراقصة المبتدئة التى تتلقى دروسا فى اللغة الفرنسية، وتظهر فى الصالات التى تعمل بها، ومنها صالة بديعة مصابن،ى وهى تحمل على ذراعيها كتب طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، وغيرهم من كبار الكتاب.
وذكرت الكواكب أن تحية كاريوكا فى بداياتها عندما شعرت أن الضجة التى أثارتها كراقصة مثقفة بدأت تقل وقلت معها الأخبار المنشورة عنها، خرجت على الناس بموضة جديدة فى تصفيف حاجبيها، حيث كان الناس وقتها قد اعتادوا أن يروا النساء بحواجب كثيفة تخف من الوسط تدريجيا، ولكن تحية كاريوكا خرجت على الناس بحاجبين رفيعين مقوسين إلى أعلى يشبهان رقم 8، وكانت أول عربية ومصرية تسير على هذه الموضة الجديدة، وأثارت بها ضجة كبيرة فى الصحف، خاصة عندما قلدتها درية شفيق إحدى رائدات تحرر المرأة والتى كانت وقتها من أوائل الفتيات اللاتى تخرجن من الجامعة المصرية.
وقالت الصحف وقتها إن درية شفيق قلدت تحية كاريوكا التى ظهرت بتقليعة الحواجب المقوسة، وهو ما أثار غضب درية شفيق فنشرت بيانا فى إحدى المجلات تقول فيه إنها رأت هذه الموضة فى إحدى المجلات الفرنسية، وختمت بياناها بعتاب للصحف التى قالت إن خريجة الجامعة قلدت راقصة، وحينها تعرضت درية شفيق لانتقادات واسعة وحملة قاسية فى الصحف، حيث قال الصحفيون إن العهد الذى كنت فيه الفوارق بين بنات الذوات والفنانات قد مضى، ولم تعد هناك فوارق بين الفئات والطبقات، واعتبروا أن ما قالته درية شفيق يؤصل للطبقية والنظرة الدونية للفنان.
وبعدها انتشرت تقليعة حواجب كاريوكا بين سيدات المجتمع ومعها مزيد من الزبونات للكوافير الخاص بالفنانة التى نصحت كل من تستفسر منها عن الموضة الجديدة بالذهاب إليه، وسادت هذه الموضة حتى عام 1942، حين ظهرت فاتنات هوليود بحواجب كثيفة جدا وقلدتهن نساء أوروبا ثم نساء الشرق، ومنهن كاريوكا التى كانت أول من هجر تقليعة الحواجب الرفيعة المقوسة وبعدها أيضا قلدتها سيدات المجتمع المصرى.