فى يوم مثل غد، 17 مايو، وفى منزل الأب بالمنصورة جاء الطفل عادل محمد إمام إلى الدنيا، هذا الوقت كانت الأرض تثور فيه على نفسها وتتبدل حقولها بعد قدوم الربيع.. وكذلك كانت البلد.. أيضا تستعد لثورة تيقظها من غفوتها تحققت بـ«ثورة 52».. وهذا كان قدر الزعيم أن يأتى إلى الحياة وكل شىء بها ثائر، الأرض والبلد، حتى هو ثار فى وجه المجتمعات والأنظمة بفنه، وتمرد على نفسه بشخوصه الفنية حتى صار زعيم الفن العربى.
لم يعش الطفل كثيرا فى المنصورة - لكنها مازالت بخلده وذاكرته شوارعها مراكز ثقافتها سينماتها إلى الآن - وشاء القدر أن ينتقل للقاهرة حيث الحراك السياسى والفنى معا.. كبر الطفل قليلا وصار شابا نحيل الجسد لكنه سريع البديهة، طموحه أكبر من سنه، التحق بكلية الزراعة جامعة القاهرة، وعاش أيامه ببساطة ورضا وقناعة، وبدأ مشواره مع التمثيل تحديدا مطلع الستينيات على خشبة المسرح المدرسى، ومن مسرح الجامعة انطلق لمسرح التليفزيون بمسرحية «ثورة قرية».
كان الشاب فى هذا الوقت لا يتكئ على شىء، سوى موهبته ودعوات والدته التى كانت «تثلج صدره كثيرا»، كان يفرح الزعيم بها ويعتبرها حصنه وفرجه فى المستقبل - وقد كان - يتذكر الزعيم إلى الآن دعواتها له «ربنا يحبب فيك خلقه»، ويعتبرها سر نجاحه بعد توفيق الله.. بعد «ثورة قرية» واجه الزعيم «عكوسات» إلى أن جاءته الفرصة مرة أخرى فى مسرحية «أنا وهو وهى» وبين مؤيد ومعارض لوجوده فى العرض المسرحى، بدأ الجمهور يلتفت لموهبة الشاب، بعد إجادته تقديم شخصية دسوقى أفندى بالمظهر الذى بدأ عليه وهو ويطلق إفيهه الشهير «بلد بتاعت شهادات صحيح».. هنا انتبه صناع الفن للموهبة الجديدة وبدأ يستعينون بها فى السينما «مراتى مدير عام، أنا الدكتور، إجازة بالعافية، المدير الفنى، 3 لصوص».
فى تلك الفترة التقطه المخرج الكبير فطين عبدالوهاب، والذى يعتبره الزعيم من أهم المخرجين فى تاريخ السينما العربية، وقدمه فى عدد من أفلامه «مراتى مدير عام، 7 أيام فى الجنة، كرامة زوجتى، نص ساعة جواز»، وبعدها قدم فيلمه «البحث عن فضيحة» مع المخرج نيازى مصطفى، وبدا اسمه يلمع فى سماء الفن منفردا.. من هذا التوقيت بدأ الزعيم يتربع على عرش الكوميديا بفن مختلف، إذ لم يقلد أحدا ممن سبقوه «اسماعيل يس، نجيب الريحانى، فؤاد المهندس، عبدالمنعم مدبولى» حتى جاء فيلمه «رجب فوق صفيح ساخن» مع المخرج أحمد فؤاد، وقلب موازين السينما المصرية وقتها، حيث استمر عرضه فى دور العرض ما يزيد عن 35 أسبوعا، وقت أن كان الفيلم يمكث 4 أسابيع فقط، وتسيد عادل إمام الزعامة فى الوطن العربى.
بدأ الزعيم يتمرد على نفسه مبكرا، منذ صداقته بالكاتب الكبير وحيد حامد، قدم كل الأنواع «دراما، أكشن، كوميدى، اجتماعى، إنسانى، وطنى» ونجح بهم جميعا، أيضا جميع الشخصيات أجادها «الإرهابى، الموظف، الأفوكاتو، الرياضى، الطبيب، اللص، المتسول، الهلفوت، الفلاح، الصعيدى، الرومانسى، الكفيف، ضابط، مسجل خطر، حرامى، عضو مجلس شعب، شيخ، قسيس، رجل الأعمال» وغيرها، وصار ارتباط الجمهور بشخصياته وإفيهاته التى باتت مثل «الـكرباج» تلسع «من على رأسه بطحة»، نتذكر إفيهاته «لو كل واحد عزل عشان تحتيه واحدة رقاصة البلد كلها حتبات فى الشارع»، و«حتى الحكومة معرفتش» و«البلد دى اللى يشوفها من فوق، غير اللى يشوفها من تحت»، و«البلد دى عشان تعيش فيها لازم تظبط من فوق ومن تحت، عشان لو اللى فوق سابوك اللى تحت يلقفوك، ولو اللى تحت سابوك اللى فوق يحموك»، بخلاف الإفيهات الكوميدية «أقف؟ بعد 14 سنة خدمة فى ثانوى بتقولى أقف»، «كل واحد يخلى باله من لغاليغو» و«الساعة بخمسة جنيه والحسابة بتحسب»، و«حلوان اتضربت».
حياة الزعيم ظاهرة تستحق الدراسة.. إذ لم يُكتب النجاح لنجم مثله.. ودائما ما يتبادر على الذهن سؤال حول زيادة نجومية الزعيم بمرور السنوات عكس كل الأجيال؟.. وكيف صار زعيما للفن العربى كله؟.. الإجابة فى عادل إمام نفسه، هذا النجم الذى رسم طريقه بيده لا بيد آخرين، هو القائل: «النجم اللى بيصنع زمنه وليس العكس»، لا يسمح لأحد أن يلعب به هو صاحب اللعبة، لم ينتظر أن يفصله النقاد على هواهم، وكانت علاقته مع الجمهور مباشرة دون واسطة.. كثيرا ما تعرض للنقد حتى إنهم قالوا عنه بعد مدرسة المشاغبين «لا يقوى على مسؤولية عمل بمفرده» فرد عليهم بفنه وهزمهم ولازال يهزمهم وقدم «شاهد ماشافش حاجة» التى حققت نجاحا ربما كان أكبر من «المشاغبين»، و«الواد سيد الشغال» التى عرضها على مسرح «الأولمبيا» فى باريس، وغيرهم.
الزعيم يعرف أن العمل الفنى لن يموت ولن ينتهى الصلاحية، بل سيبقى على كل العصور، لذلك رسم شكل مصر فى أفلامه السينمائية.. صنع سينما أحدثت خللا فى الأنظمة وأصبح فنه قتالا فى مواجهة الفقر والجهل والتسول والإرهاب والفساد، وليس ترفيهيا يضحك الناس فقط، بل أن الزعيم هو أكثر فنان حررت ضده القضايا بسبب أفلامه.
الفن عند عادل إمام ليس رحلة سينمائية يصعد فيها إلى القمر أو يجوب البلاد المختلفة، بل مواجهة حقيقية مع المجتمع والنظام الحاكم، نراجع أفلامه «الغول، النوم فى العسل، الإرهاب والكباب، المنسى، حتى لا يطير الدخان، السفارة فى العمارة، طيور الظلام، اللعب مع الكبار، كراكون فى الشارع، الأفوكاتو، حب فى الزنزانة، الإنسان يعيش مرة واحدة، الهلفوت، المتسول، المشبوه، الإرهابى» وغيرها.
بعد هذه الرحلة يتضح أن الزعيم مجبر ومرغم على التمثيل فهو ينفذ أوامر التاريخ، حتى ينتزع ضحكات الأطفال والشباب والشيوخ والنساء فى أنحاء العالم.. بإبداعه الذى لا ينضب، إنه الزعيم النجم الذى بقى على القمة 50 عاما ولا يزال مفعما بروح الشباب.. كل سنة وأنت زعيم يا زعيم.
مرجان أحمد مرجان عام
هذا الفيلم فضح الفساد الإدارى والمحلى والجامعى وكذلك انتخابات مجلس الشعب، من خلال شخصية رجل أعمال ناجح وله علاقات مع الكثير مع الشخصيات المهمة لكنه يعانى من نقص داخلى بسبب عدم إكمال تعليمه.
السفارة فى العمارة
ناصر الزعيم قضايا العرب السياسية بشخصية المهندس شريف خيرى الذى يعمل بإحدى شركات البترول بدبى، ولكنه يضطر للعودة إلى مصر بعد غياب عشرين عاما، ليفاجأ بأن السفارة الإسرائيلية بجانب شقته ويحاول جاهدًا بيع الشقة فى البداية، إلا أن فشله يجعله يتعامل مع الأمر بطرق مختلفة.
حسن ومرقص
واجه الزعيم عادل إمام المحاولات لشق الصف الوطنى وإحداث وقيعة بين المسلمين والأقباط فى مصر من خلال شخصية «بولس» الذى يتعرض لمحاولة اغتيال فتجعله الحكومة ينتحل شخصية شخص آخر اسمه «الشيخ حسن العطار»، ونفس الأمر يتم مع عمر الشريف بشخصية شيخ إسلامى اسمه «محمود» يحاول أفراد جماعة إرهابية ضمه لتنظيمهم، فتقرر الحكومة أن تحميه بانتحاله شخصية «مرقص» المواطن المسيحى، وتتوالى الأحداث.
الإرهابى
حارب الزعيم الفكر الإرهابى من خلال شخصية «على عبدالظاهر» عضو فى جماعة متطرفة الذى يتم اختياره لينفذ عملية إرهابية.
حتى لا يطير الدخان
من أروع ما قدم الزعيم فى مشواره الفنى، القصة كتبها الرحل الكبير إحسان عبدالقدوس، عن شخصية «فهمى عبدالهادى» طالب ريفى متفوق بكلية الحقوق.. وكشف فيه الزعيم عن الوجه الفاسد للمجتمع المسطول.
حنفى الأبهة
هذه الشخصية هى التى أطلقت موضة ملابس «الجينز» مطلع التسعينيات.. حنفى الأبهة اللص الذى يسرق محل مجوهرات مع شركائه ويخفى المسروقات لدى شقيقه أحمد قبل القبض عليه، ويتمكن شركاؤه الثلاثة من الهرب ويبتزون شقيقه من خلال خطف زوجته ويحاول حنفى الدفاع عنه.
الواد محروس بتاع الوزير
كشف الزعيم من خلال شخصية محروس مطاوع الإنسان البسيط الذى تربطه بالوزير «كمال الشناوى» علاقة قديمة حيث إنهما ينتميان لنفس القرية، الفساد الحكومى فى المؤسسات.
طيور الظلام
يقف المشاهد كثيرا أمام شخصية «فتحى نوفل» سايس القانون، الذى فضح الزعيم من خلال الشخصية أساليب وممارسات الجماعات الإسلامية المتطرفة، كذلك الانتهازيون، ويصعد اجتماعيا باستغلال ثغرات القانون ليصبح مدير مكتب الوزير رشدى، يحاول زميله «على الزناتى» أن يجعله يدافع عن جماعته الإسلامية المتطرفة ولكنه يرفض ويتم سجن فتحى وزميله فى السجن معا فى النهاية وتستمر المجادلة بينهما.
الهلفوت
«عرفة مشاوير» الشخصية التى أبدع الزعيم فى رسم ملامحها، شعره الأكرت وصوته الغليظ، وهو ما اهتدى له الزعيم بعيدا عن المؤلف والمخرج واستطاع أن يحافظ على «تون الصوت» طوال الأحداث، ونجح فى إظهار مشاعر الهلفوت الذى يعانى من الحرمان الجنسى.
حتى لا يطير الدخان
من أروع ما قدم الزعيم فى مشواره الفنى، القصة كتبها الرحل الكبير إحسان عبدالقدوس، عن شخصية «فهمى عبدالهادى» طالب ريفى متفوق بكلية الحقوق.. وكشف فيه الزعيم عن الوجه الفاسد للمجتمع المسطول.