واصلت قواتنا المسلحة بطولاتها وانتصاراتها يومى 6 و7 أكتوبر 1973 فى حربها ضد العدو الإسرائيلى، فتحول العدو إلى قصف أول مدينة مصرية بالطائرات، ودارت معركة الدفاع الجوى عن بورسعيد من 8 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1973، حسبما يؤكد المشير محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات الجيش المصرى، أثناء هذه الحرب، ثم رئيس الأركان، فوزير الحربية حتى أكتوبر 1978.
يذكر«الجمسى» فى مذكراته «حرب أكتوبر 1973»: «فى صباح هذا اليوم، 8 أكتوبر، قام الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس الأركان بزيارة الجبهة لمتابعة الموقف، وبدأ بزيارة قيادة الجيش الثانى وبعدها الفرقة الثانية المشاة، حيث قابل العميد حسن أبوسعدة فى قطاع الفردان شرق القناة، وتحرك بعد ذلك إلى قيادة الجيش الثالث، انتقل بعدها لزيارة الفرقة السابعة المشاة، بقيادة العميد أحمد بدوى فى قطاع جنوب البحيرات شرق القناة، وعاد إلى مركز عمليات القوات المسلحة مساء اليوم نفسه، بعد أن شاهد بنفسه موقف القوات، ولمس الروح المعنوية العالية التى يتحلى بها المقاتلون».
كان يوم 8 أكتوبر هو «يوم الفشل العام لدى إسرائيل» فى مواجهتها العسكرية مع مصر وسوريا منذ يوم 6 أكتوبر، بوصف موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى فى مذكراته التى يقتبس منها الجمسى، يقول ديان: «يوم 8 أكتوبر، هو نقطة التحول فى الحرب، كان الغرض منه سحق القوات المصرية التى عبرت القناة، واتخذت مواقعها على الضفة الشرقية، كانت إسرائيل أرسلت مئات الدبابات للاشتراك فى الهجوم المضاد، وكنا نقدرأن يكون يوم 8 أكتوبر يوم الدروع المتصارعة، واشتبكت الدبابات الإسرائيلية بالفعل، ودار قتال مرير، وحارب رجالنا بشجاعة، غير أن هذا اليوم كان يوم الفشل العام».
كانت شواهد «الفشل العام» لإسرائيل متعددة.. يذكر الجمسى: «تمكنت الفرقة 18 مشاة، بقيادة العميد فؤاد عزيز غالى من تحرير مدينة «القنطرة شرق»، بعد أن حاصرتها داخليا وخارجيا ثم اقتحامها، ودار القتال فى شوارعها وداخل مبانيها، حتى انهارت القوات المعادية، واستولت الفرقة على أسلحة ومعدات العدو بينها دبابات، وأسرت ثلاثين فردا للعدو وهم كل من بقى فى المدينة».
يضيف الجمسى: «فى قطاع الجيش الثالث، كانت القوات تقاتل على عمق 8-11 كيلو مترا شرق القناة، وكان أبرز قتال هذا اليوم هو نجاح الفرقة 19 مشاة، بقيادة العميد يوسف عفيفى، فى احتلال عين موسى، واحتلت الفرقة نفسها مواقع العدو الإسرائيلى المحصنة على الضفة الشرقية».
شملت شواهد الفشل العام لإسرائيل أيضا خيبة قواتها فى«الضربات المضادة» ضد قوات الجيش الثانى من«القنطرة شرق» إلى «الإسماعيلية شرق»، حيث وجد اللواء سعد مأمون قائد الجيش فى مواجهته فرقتين مدرعتين، إحداهما فى منطقة شرق القنطرة بقيادة الجنرال «آدان»، والأخرى على الطريق الأوسط بقيادة«شارون»، وتمكنت قوات الجيش الثانى من صد هذا الهجوم فى القطاعين، وفشلت قوات العدو فى مهمتها، ودارت معركة الفردان بين فرقة «آدان» وفرقة حسن أبوسعدة، وخلالها كان يتم تدمير الدبابات المعادية بمعدل سريع بنيران الدبابات المصرية والأسلحة المضادة للدبابات والمدفعية، يؤكد الجمسى: «كانت قوة الدبابات الإسرائيلية المتقدمة باندفاع شديد تتكون من 35 دبابة مدعمة، بقيادة العقيد عساف ياجورى، فأصابه الذعر، عندما أصيبت ودمرت له ثلاثون دبابة خلال معركة دامت نصف الساعة، ولم يكن أمامه إلا القفز من دبابة القيادة ومعه طاقمها للاختفاء فى حفرة لدقائق وقع بعدها فى الأسر».
جددت بورسعيد بسالتها فى هذا اليوم، كما فعلت أثناء العدوان الثلاثى 1956، يذكر الجمسى، أنه منذ ذلك اليوم واجهت المدينة هجمات شرسة، حشدت لها إسرائيل أعدادا متزايدة من الطائرات، بلغ عددها فى بعض الهجمات أكثر من خمسين طائرة، والسبب كما أوضح أحد الطيارين الذى تم أسرهم، أن القيادة الإسرائيلية اعتقدت أن لدى مصر صواريخ استراتيجية أرض/ أرض يمكنها إصابة مدن إسرائيل الرئيسية، ووضعت فى بورسعيد باعتبارها أقرب النقط المصرية لهذه المدن.
يكشف الجمسى أن بعض صواريخ الدفاع الجوى تعطلت فى هذه المعركة، واتبع الفريق محمد على فهمى، قائد الدفاع الجوى، تكتيكا بارعا لمواجهة ذلك، حيث أمر بوقف الاشتباك بالصواريخ حتى يظن العدو أنه نجح فى إسكات جميع قواعد الصواريخ، وأن يقتصر الاشتباك على المدفعية المضادة للطائرات وصواريخ الكتف، فى نفس الوقت تحركت أطقم الإصلاح على أعلى مستوى من قيادة الدفاع الجوى، وخلال 48 ساعة تحت القصف المتواصل أصلحت الأعطال، وفوجئت الطائرات الإسرائيلية، عند طيرانها فوق بورسعيد على ارتفاع أكبر من مدى المدفعية المضادة للطائرات، بعشرات الصواريخ تنطلق من المواقع التى ظنوا أنها سكتت إلى الأبد، وتساقطت طائراتهم بالجملة.