أثار قرار مؤسسة "ستاندرد آند بورز" بتخفيض توقعاتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتمانى من مستقرة إلى سلبية، التساؤل حول مدى قدرة الدعم الخليجى الذى تتوقع القاهرة تلقيه خلال الفترة المقبلة على إنقاذ التصنيف الائتمانى للبلاد من خفض محتمل خلال فترة تتراوح ما بين ستة أشهر إلى عامين.
واعتبر خبراء اقتصاديون تخفيض التوقعات المستقبلية لتصنيف مصر، بمثابة جرس إنذار، محذرين من خطورة تجاهله لأنه قد ينتهى إلى تخفيض مصر إلى المنطقة “C”، وهى منطقة شديدة الخطورة وتعطى إشارة للمستثمرين الأجانب بأن مصر دولة عالية المخاطر.
وأعلنت مؤسسة "ستاندرد آند بورز"، الجمعة الماضى، تثبيت التصنيف الائتمانى طويل وقصير الأجل لمصر بالعملة الأجنبية والمحلية عند مستوى B/B-. وأرجعت الوكالة خفض النظرة المستقبلية لمصر إلى العجز المالى وتباطؤ وتيرة المساعدات الخليجية وزيادة المخاطر السياسية.
ومن المتوقع أن تتلقى القاهرة خلال الفترة المقبلة حزمة جديدة من المساعدات الخليجية، فى صورة ودائع دولارية واستثمارات فى مشروعات تنموية، منها وديعة الـ2 مليار دولار التى أعلنت عنها دولة الإمارات، فضلا عن وديعة أخرى من السعودية لا زالت قيد التفاوض.
وساندت السعودية والإمارات والكويت مصر بعد 30 يونيو وقامت بضخ مساعدات مالية وبترولية ومنح بإجمالى 12 مليارات دولار لمساندة الاقتصاد المصرى، كما أعلنت الدولى الثلاثة عن حزمة مساعدات جديدة خلال مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادية فى مارس 2015، منها 6 مليارات دولار ودائع لدى البنك المركزى المصرى و6 مليارات أخرى فى صورة استثمارات تنموية.
وقالت "ستاندرد آند بورز" فى تقريرها الصادر بالإنجليزية، إن النظرة السلبية تعكس وجهة نظرها بأن عوامل الضعف المالية والخارجية على الأرحج ستزيد على مدى الـ12 شهرا المقبلة، وهو ما قد يعوق التعافى الاقتصادى ويفاقم التحديات السياسية الاجتماعية فى البلاد.
ولوحت المؤسسة بأنها قد تخفض التصنيف الائتمانى لمصر إذا ما ازدادت الاختلالات الخارجية عن المتوقع، بانخفاض الاحتياطى من النقد الأجنبى بوتيرة أكبر من المتوقع حاليا على سبيل المثال، أو إذا أصبح التمويل بما فى ذلك تعهدات دول الخليج غير وشيك. مضيفة أن تدهور خيارات التمويل المحلية، وزيادة المخاطر السياسية، أو زيادة ضعف البيئة المؤسسية، قد يفضى أيضا إلى تخفيض التصنيف.
وقالت "ستاندرد آند بورز" إن مصر تلقت مساعدات من الخليج بنحو 25 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضى، فى صورة منح ومساعدات قروض ميسرة، لأن تلك الدول تعتبر مصر حليفا جيوسياسيا مهما.
وأشارت المؤسسة إلى أن الاحتياطى الأجنبى المصرى سيظل تحت الضغط، وذلك رغم وديعة الإمارات التى تم الإعلان عنها بقيمة 2 مليار دولار والتى يتوقع أن تتسلمها القاهرة قبل نهاية يونيو المقبل.
تسريع وتيرة الإصلاحات يجنب البلاد خفض التصنيف الائتمانى
وقال الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادى وأستاذ التمويل، أن خفض "ستاندرد آند بورز" التوقعات المسقبلية لتصنيف مصر ارتكز إلى عدة عوامل، شملت صعوبات التمويل المختلفة وبطء وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، بالإضافة إلى التشكك فى استمرارية دعم الخليج لمصر فى ظل التحديات الاقتصادية التى تواجهها تلك الدول فى ضوء أزمة تدنى أسعار النفط.
وأضاف نافع فى تصريحات خاصة لـ"انفراد"، أنه كلما زاد عدم اليقين والضبابية حول الرؤية الاقتصادية فى الأجلين المتوسط والقصير، زادت المخاطر المحتملة وبالتالى كان من الطبيعى أن تخفض المؤسسة توقعاتها، لافتا إلى أن بيان الحكومة جاء "مخيبا للآمال"، لأنه يعتمد على مشروعات قومية ومشروعات بنية تحتية وهى استثمارات ملتهمة للسيولة ولا توتِ ثمارها على إلا على المدى الطويل.
وأشار أستاذ التمويل إلى أن الاستثمارات الخليجية المتوقعة معظمها فى المشروعات القومية ومشروعات بنية تحتية، فى حين تتطلب المرحلة استثمارات فى القطاع الصناعى وقطاع الطاقة والتى تحدث تحسنا ملموسا فى إجمالى الناتج القومى والمؤشرات الاقتصادية وخلق فرص العمل على المدى المتوسط، كما أن البنك المركزى لم يتسلم وديعة الإمارات أو غيرها من الودائع المتوقع الجارى التفاوض بشأنها حتى الآن، منوها إلى أن سيتم توجيه 1.7 مليار دولار من وديعة الإمارات لسداد مستحقات قطر وقسط نادى باريس.
ويرى نافع أن رفع التصنيف الائتمانى لا يجب أن يكن هدفا فى حد ذاته، وإنما وسيلة لطمأنة المستمرين وجذب استثمارات أجنبية مباشرة وغير مباشرة لدعم النمو الاقتصادى، وهو ما يتطلب تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية التى تم إرجائها كثيرا ومنها استكمال إصلاحات الدعم تدريجيا، ومواجهة التهرب الضريبى الذى يضيع 60 مليار جنيه على خزينة الدولة سنويا، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وتقليص عجز الموزانة والدين العام، مشددا على ضرورة التسويق الجيد لخطوات الإصلاح ومخاطبة مؤسسات التصنيف الائتمانى باللغة التى تتفهمها.
ويرى هانى توفيق، الخبير الاقتصادى ورئيس الجمعية المصرية للاستثمار المباشر، أن ودائع الخليج تدعم الاحتياطى الأجنبى على المدى القصير، لكنه اعتبرها بمثابة "مسكنات للألم" غير كافية لدعم الاقتصاد المصرى على المدى الطويل فى حين أن نظرة مؤسسات التصنيف الائتمانى تكون طويلة الأجل، معربا عن تخوفه من تخفيض تصنيف مصر، إذا لم تبادر الدولة بوضع خطة لإعادة هيكلة الاقتصاد القومى وتنفيذ الإصلاحات التى تم إرجائها كثيرا.
ولفت توفيق إلى أن وديعة الـ2 مليار دولار التى تعهدت بها الإمارات مؤخرا تكفى لواردات مصر لمدة أسبوع واحد، فيما تقدر واردات البلاد بحوالى 90 مليار دولار سنويا.
وتراجعت أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى لدى المركزى المصرى من 36 مليار دولار إبان ثورة يناير 2011، لتصل إلى 17 مليار دولار بنهاية أبريل الماضى، هو ما يكفى فقط لتوفير واردات مصر الاستراتيجية لمدة 3 شهور.
نظرة تفاؤلية من "بلتون فاينانشال"
ورغم تلويح مؤسسة التصنيف باحتمال خفض تصنيف مصر إذا هبطت أرصدة الاحتياطيات الأجنبية خلال الفترة المقبلة، بنك "بلتون" للاستثمار فى ورقة بحثية، إن خفض النظرة المستقبلية لم يصب مصر فحسب بل كان على مستوى إقليمي، حيث خفّضت وكالة موديز التصنيفات الائتمانية للسعودية وعمان والبحرين فى الوقت نفسه.
وقالت "بلتون" إنه رغم أن عجز الموازنة سيرتفع بلا شك فى العام المالى 2015/2016 -وذلك لأسباب عديدة بدءًا من غياب المساعدات الخليجية وعدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة وانخفاض الضريبة على الدخل للشركات وارتفاع عائدات سندات الخزينة-، إلا أننا لا نتوقع أن ينخفض الاحتياطى النقدى عن 15 مليار دولار فى 2016.
وتابعت: من الواضح أن البنك المركزى المصرى لديه خطة بديلة إذا لم تساعد تدفقات المحافظ الاستثمارية فى زيادة الاحتياطى النقدي، خاصة من الودائع التى تعهدت بها الإمارات والمساعدات الأخرى المحتملة من السعودية، والتى سيكون من شأنها مساعدة البنك المركزى المصرى على الصمود فى يوليو 2016 - موعد استحقاق الوديعة القطرية ودفعة نادى باريس بقيمة 1.7 مليار دولار.
المخاطر السياسية
وترى "بلتون" أن المخاطر السياسية مستقرة فى الوقت الحالى بغض النظر عن بعض التظاهرات الأخيرة ضد اتفاق ترسيم الحدود مع مصر والسعودية وضد اقتحام نقابة الصحفيين، لافتة إلى بعض الأخبار الإيجابية المتلاحقة لأنباء بيع الحكومة 500,000 وحدة سكنية بأسعار منخفضة، والتقدم فى تطوير العاصمة الإدارية الجديدة واستثمارات الحكومة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مما يشير إلى أن مصر قد تتمكن من تجاوز الأزمات (على مستوى السياسة النقدية) فى 2016.