أصبح الاقتصاد المصري قادرًا على التعامل مع إشكالية الديون، ونجحت مصر لأول من خلال السنوات القليلة الماضية على تحقيق انخفاض نسب وترجع الدين العام المحلي بالنسبة للناتج القومي، وحتى مع أزمة كورونا أضحى الاقتصاد المصري ضمن أفضل المعدلات مقارنة بالأسواق الناشئة على مستوى العالم والأفضل في المنطقة عام 2020.
وتشير الأرقام إلى تراجع الدين العام المحلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي لأدنى مستوى له منذ 10 سنوات، كما سجل الدين العام المحلي 66.7 في المئة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي حتى الربع الأول من عام 2019/2020.
وكان الدين العام المحلي قد سجل أعلى مستوى له عام 2016/2017، مسجلا 94.5%، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن يبدأ اتجاهه نحو الهبوط مع بدء تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي ونجاحه ليسجل 82.2% عام 2017-2018، و71.9% عام 2018/2019.
ونجحت مصر في أن تعكس منحنى الدين الخارجي ليسجل انخفاضاً لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات، حيث تراجع إجمالي الدين الخارجي في الربع الأول من عام 2020 بنسبة 1.2%، مقارنة بالربع السابق له.
ويعلق الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، إلى أن الدين العام المصري هو دين مستدام، وتشير الأرقام والبيانات الرسمية الداخلية والخارجية الصادرة عن المؤسسات الدولية إلى أن نسبة الدين العام من الناتج المحلي المصري تأخذ اتجاه الانخفاض المستمر حيث أنها كانت تتجاوز الـ100% في عام 2019 ولكنها انخفضت في 2020 إلى 92%، مشيرًا إلى أن الدين الأوروبي ذاته تجاوز الـ100%.
أضاف، في تصريحاته لـ"انفراد" أنه فيما يخص الدين الخارجي، فنسبة الديون قصيرة الأجل المستحقة خلال عام لا تزيد عن 10% من إجمالي الديون، وهذا يعني أن الوضع في الحدود الآمنة، مشيرًا إلى أن نسبة العجز في الموازنة العامة المصرية في انخفاض مستمر، وأصبح لا يتجاوز الـ8%.
أشار الدكتور كريم العمدة كذلك إلى أن القروض المصرية هي ليست قروض استهلاكية ولكنها قروض تنموية بالأساس، تستهدف التنمية المستدامة، ويتم استخدمها في المشاريع التنموية، ومن المنتظر أن يكون لها عوائد في القريب العاجل.
وقال إن المؤسسات الدولية تمنح مصر نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد، وذلك ناتج عن قدرة مصر على تسديد الديون بشكل آمن، والاقتصاد قادر على التعامل مع إشكالية الديون، وعلى الرغم من أزمة كورونا استطاع الاقتصاد المصري تجاوزها، وأصبح سعر الدولار مستقر، والمشاريع تعمل ولم تتعطل عجلة الإنتاج.
أما الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع والإحصاء، فيرى أن العبرة ليست بحجم الدين ولكن العبرة بالنسبة للناتج القومي، فالدين إذا كان يستهدف تمويل التنمية وزيادة حجم الاقتصاد فإنه أداة إيجابية، وقد لجأت مصر إلى الاقتراض باعتباره أنه البديل الأقل تكلفة لصناعة التنمية، حيث لا توجد تنمية بدون تمويل، وقد ترتب على حصول مصر على حجم كبير من التمويلات زيادة في حجم الدين ولكن كانت الزيادة في حجم الاقتصاد أكبر، وبدأ الدين قبل أزمة كورونا يتخذ مسارا تنازليا حيث أن وزارة المالية المصرية لديها خطة للنزول بحجم الدين إلى تحت مستوى 80% من الناتج المحلي الإجمالي.
أضاف، أن الديون هي أداة تمويل فالدول تسدد ديون ويتم اقتراض غيرها، والدولة الأكثر استدانة في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تجاوزت ديونها 23 تريليون دولار، وكافة دول العالم دول مدينة حتى الدول الدائنة نفسها لديها سجل من الاقتراض والاقتراض.
أشار كذلك إلى أن مصر لم تتخلف يوما عن سداد ديونها، وكان اللجوء إلى الدين بديل أقل تكلفة من صناديق الاستثمار التي أرباحها تزيد بصورة كبيرة عن نسبة الاقتراض سيما وأن معظم الدين المصري هو قروض من جهات تقدم تمويل منخفض التكلفة مما يعني أن مصر تستفيد من هذه القروض، الأمر الذي ترتب على ضخ هذا التمويل في المشروعات ترتب عليه زيادة حجم التشغيل، وخفض نسبة البطالة، وزيادة معدل النمو، وزيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، وبدأ الدين يتخذ مسارا تنازليا.
واختتم حديثه بقوله أنه وفقا لشهادة المؤسسات الدولية فإن الاقتصاد المصري يتعافى بشكل سريع، خاصة وأن وزارة المالية حريصة على تخصيص فائض أولي مستدام يدفع الدين إلى مسار تنازلي.
وأكدت معظم المؤسسات الدولية، تحسن أداء الدين الخارجي لمصر، وتوقعت "الإيكونومست" بأن أداء الدين الخارجي لمصر سيكون ضمن أفضل المعدلات مقارنة بالأسواق الناشئة على مستوى العالم والأفضل في المنطقة عام 2020".
وأشار "صندوق النقد الدولى" إلى أن الدين الخارجي لمصر سيواصل الانخفاض التدريجي حتى يصل إلى 25.3% عام 2024/2025، كما أشادت وكالة "فيتش" بالتراكم المستمر لاحتياطيات النقد الأجنبي بمصر، مؤكدة على أنه يعكس قدرتها على تغطية مدفوعاتها قصيرة الأجل بالعملة الأجنبية.
وبدورها، أوضحت مؤسسة "موديز" أن وجود قاعدة تمويل محلي عريضة بمصر واحتياطي قوي من النقد الأجنبي يتجاوز مدفوعات الديون الخارجية على مدار العام المقبل، من شأنهما المساعدة على تجاوز فترات التدفقات الخارجة لرؤوس الأموال نتيجة لأزمة كورونا.
وأخيراً أكد بنك "بي إن بي باريبا" أن سيولة العملات الأجنبية داخل النظام المصرفي تحسنت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة مما أدى إلى دعم الجنيه، وزيادة القدرة على سداد الديون الخارجية على المدى القصير.