اخترقت المدمرة الإسرائيلية «إيلات» المياه الإقليمية المصرية يوم 21 أكتوبر 1967، فصدرت الأوامر بخروج سرب زوارق الصواريخ المصرية بقيادة النقيب أحمد شاكر عبدالواحد لإغراقها، من خلال صواريخ «سطح/ سطح» طراز «ستايكس» حسبما تذكر الباحثة إنجى محمد جنيدى، فى كتابها: «حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل 1967، 1970»، مضيفة: «أصابها الصاروخ الأول محققا إصابة مباشرة جعل المدمرة تميل على جانبها، ثم أصابها الصاروخ الثانى لتغرق المدمرة»، تؤكد: «كانت خسائر إسرائيل متمثلة فى سبعة وأربعين بحارا بين قتيل ومفقود، ومن بينهم دفعة ضباط بحريين حديثى التخرج، ما كان له أبلغ الأثر على القوات البحرية الإسرائيلية».
كان إغراق المدمرة إيلات إنجازا عسكريا فريدا، تذكر «جنيدى» نقلا عن خبراء عسكريين بارزين: «كانت أول مرة فى التاريخ البحرى تتمكن فيها وحدات بحرية صغيرة فى التغلب على وحدة بحرية كبيرة فى دقائق قليلة، وكان هذا واحدا من أهم إنجازات البحرية المصرية، فبالإضافة إلى كونه نصرا سياسيا، فإنه أثر على تكوين وحدات البحرية الإسرائيلية وإذ أنه انقص عدد السفن من سبع سفن إلى ستة»، تضيف «جنيدى»، من واقع محضر نقاش لها مع اللواء يسرى قنديل، أن: «إغراق إيلات كان تأثيره العالمى بالغا على الاستراتيجية البحرية للدول ذات البحريات المحدودة، حيث أقبلت على الاعتماد على الزوارق الهجومية السريعة المسلحة بالصواريخ لاستخدامها ضد الوحدات البحرية الكبيرة مثل المدمرات، وتطورت على أثر ذلك صناعة الصواريخ سطح / سطح من حيث المدى وقدرة الإصابة وشدة الانفجار، كما ظهرت مضادات للصواريخ سطح/ سطح مثل صواريخ مضادة للصواريخ، ومدفعيات مضادة للصواريخ، من طراز فالانكس 2000 طلقة فى الدقيقة، أى أن معركة إيلات كان لها دور فى تطور الحرب الإلكترونية».
يذكر الفريق أول محمد فوزى، وزير الحربية وقتئذ، فى مذكراته «حرب الثلاث سنوات 1967، 1970»: «كان تدمير وإغراق أكبر سفينة حربية فى إسرائيل بواسطة لنشات الصواريخ المصرية عملا عسكريا كبيرا، دلل على أن القدرة العسكرية المصرية ما زالت حية ونشطة، واستهدف رد فعل إسرائيل أن يكون مؤثرا على الشعب المصرى، وعلى اقتصادياته ومعنوياته، حتى تتمكن إسرائيل من الفصل والتفرقة بين الشعب وبين قواته المسلحة، ولم تكن هناك أهداف اقتصادية فى متناول إسرائيل سوى مستودعات الوقود، ومعامل التكرير فى السويس».
وقع القصف الإسرائيلى يوم 25 أكتوبر، مثل هذا اليوم 1967، وفقا لـ«جنيدى»، ويذكر الفريق «فوزى»، أن: «إسرائيل واصلت الضرب بواسطة قذائف ثقيلة من مدفعية الميدان المباشرة وغير المباشرة من مواقع قريبة لها على الجانب الآخر من القناة، ومن لسان بور توفيق فاشتعلت فيها النيران التى استمرت عدة أيام»، يؤكد «فوزى» أن: «الدولة تنبأت بهذا العمل، وبدأت فى تحصين هذه المستودعات ولكن استكمال هذا التحصين لم يكن انتهى العمل فيه، فكانت الإصابات المباشرة تصيب المستودعات التى لم يتم تحصينها، فتشتعل فيها النيران بمجرد إصابتها، أما المستودعات التى تم تحصينها فلم يصبها شىء، لكن الخسائر المادية كانت فادحة، إذ فقدنا حوالى 60 % من الوقود».
وبالرغم من الخسائر التى تكبدتها مصر من هذا العدوان، إلا أن الفريق فوزى يكشف كيف استفاد التخطيط العسكرى المصرى منها، يذكر: «بعد هذا الحادث تبين أن المسؤولين فى الدولة اقتنعوا بفائدة التحصين المبكر، وتطور هذا الفكر مستقبلا كى يتسع ويشمل موضوعا مهما للغاية، وهو إعداد الدولة والشعب للمعركة»، يضيف: «سارعت الدولة فى نقل المستودعات التى لم يصبها ضرر، بالإضافة إلى أجزاء مهمة من معامل التكرير، إلى العمق فى منطقة القاهرة والدلتا والإسكندرية، وفى الوجه القبلى، وكان أسلوب التوزيع فى حد ذاته إلى مخازن صغيرة فى مناطق متفرقة أحد أهداف إعداد الدولة للحرب».
تناقش «جنيدى» مع اللواء حسن الجريتلى، ما ذكرته وثيقة بريطانية بأن ضرب إسرائيل لمعامل تكرير البترول المصرى دفع مصر للتفكير فى إرسال البترول الخام إلى مصانع تكرير البترول فى عدن، ثم يتم جلبه بعد ذلك لمصر فى صهاريج، ويؤكد: «تلك الفكرة لم تكن واردة إبان حرب الاستنزاف بسبب نقص الإمكانيات اللازمة لها، ولم يكن من الممكن تنفيذها، لأن كمية البترول المصرى الأساسية فى ذلك الوقت كانت فى حوزة إسرائيل فى سيناء، أما المتبقى فى السويس فلم يكن ليجبر السلطات المصرية على إنفاق الأموال الباهظة لنقله إلى عدن، كما أن التفكير فى نقله لم يكن يقل مخاطرة عن بقائه فى مكانه».