كانت الدموع فى عين الرجل العجوز «رضا شاه بهلوى» إمبراطور إيران وهو يتحدث لابنه محمد فى آخر لقاء بينهما.. كان الأب الذى حكم إيران، يستعد لمغادرة بلاده التى حكمها من 12 ديسمبر 1925 إلى المنفى وترك الحكم للابن، بإجبار من الغزو البريطانى والروسى لإيران فى 25 أغسطس 1941 أثناء الحرب العالمية الثانية، نتيجة تعاطف الشاه مع الزعيم الألمانى النازى «هتلر».
كان اللقاء الأخير للأب «رضا» بالابن «محمد» دراما إنسانية وسياسية، كشفها الابن للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى لقائهما بطهران عام 1951، وذكرها هيكل فى كتابه «مدافع آية الله»، وأسفرت هذه الزيارة عن كتاب «إيران فوق البركان» أول مؤلفات هيكل.
يذكر هيكل، عندما سأل الأب الابن: «هل تستطيع الاحتفاظ بالعرش؟.. لم يقل الابن شيئا، واستمر الأب فى كلامه: أنا لم أفشل فى الاحتفاظ بالعرش، لكن أقوى منى أحكمت الحصار حولى، لقد احتفظت لك بالعرش، فهل تستطيع أن تحتفظ به؟.. لم يملك الابن إلا أن يومئ برأسه موافقا، واستمر الشاه رضا قائلا: انصت يا بنى، لا تقاوم، فنحن والعالم أجمع نواجه عاصفة أقوى منا جميعا، فاحن رأسك لها إلى أن تمر».. ثم أضاف: «انجب ابنا، انجب ابنا»، وخرج الأب إلى رحلة المنفى التى انتهت به فى جنوب أفريقيا.
حضرت مصر فى هذه الدراما عبر الأميرة فوزية، أخت الملك فاروق، التى تزوجت من محمد رضا بهلوى فى 15 مارس 1939، وقت أن كان وليا للعهد، وأصبحت إمبراطورة بعد أن أصبح زوجها إمبراطورا خلفا لوالده، وعلى هذا الأساس كانت الدماء المصرية ستجرى فى عروق الحفيد الذى توسل الأب لابنه بأن ينجبه، لو لم يتم طلاق فوزية فى مارس 1948.
توفى رضا بهلوى فى جنوب أفريقيا يوم 26 يوليو 1944، وحالت الظروف دون نقل جثمانه إلى إيران، ونظرا لعلاقة المصاهرة مع الأسرة المالكة فى مصر، انتقل الجثمان إلى القاهرة ودفن فى مسجد الرفاعى يوم 28 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1944، وحملت هذه المسألة قصة غريبة كان الملك فاروق بطلها، ويرويها هيكل، والكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين فى كتابه «فاروق ملكا».
يذكر «هيكل»، أن الشاه رضا حين خرج إلى منفاه، أخذ سيفا جميلا قديما مرصعا بالأحجار الكريمة، انتقاه من خزانة الإمبراطورية الإيرانية النفيسة، وعندما مات وضعت أرملته هذا السيف بجانبه فى التابوت، ولما رفضت السلطات الإنجليزية والروسية التى تحتل البلاد طلبها بدفنه فى إيران جاء التابوت إلى مصر، ووضع مؤقتا فى مسجد الرفاعى، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أصبح من الممكن دفنه فى إيران، وانتقل التابوت إلى طهران، وعند فتحه لم يجدوا السيف.. كانت «تاج الملوك» متأكدة من وجود السيف داخل التابوت لأنها وضعته بنفسها، وخمنت أن التفسير الوحيد لاختفائه هو أن يكون فاروق قد سمع عن ذلك السيف، وأمر بفتح التابوت ورأه فأعجبه واستولى عليه.. يعلق هيكل: «كان تخمينا صحيحا».
كان اختفاء السيف أحد أسباب تحول حياة فوزية من السعادة إلى التعاسة، حسبما يؤكد هيكل، مضيفا: «كانت حماتها توبخها بعبارات ساخرة مثل: «أهذه هى الطريقة التى يتصرف بها الملوك فى بلدكم؟، قد لا تكون أسرة بهلوى عريقة مثل أسرة محمد على، لكن على الأقل لسنا لصوصا؟.. يؤكد «هيكل» أن ذلك وأسباب أخرى وقفت وراء طلاق فوزية من محمد رضا بهلوى عام 1948.. ويذكر كريم ثابت المستشار الصحفى للملك فاروق فى كتابه «طلاق إمبراطورة»، أن الطلاق تم بعد ثلاث سنوات من دعوة فاروق لأخته لزيارة القاهرة، واحتجزها ورفض إعادتها إلى طهران.
يذكر أحمد بهاء الدين، القصة بتفاصيل أخرى، قائلا: «أمر فاروق أن تقام لدفن الشاه جميع الشعائر التى تقام لدفن ملوك مصر.. وأرسلت إيران بعثة دبلوماسية كبيرة لحضور الجنازة والدفن، وجئ بجثة الشاه، وأمامها من يحمل سيف الميت، سيف من الذهب الخالص مرصع بالأحجار الكريمة، وانتهى الدفن، وتلفت أعضاء البعثة يريدون السيف ليحملوه إلى ولد الفقيد، فلم يجدوه، واضطر رجال الحاشية - وهم يعرفون - إلى أن يمثلوا دور أفراد العصابة، ويتساءلوا مع السائلين: أين السيف؟
يضيف بهاء الدين: «اتجهت الأنظار إلى القصر، وتوجهت إليه البعثة بالسؤال..فجاء الرد: مولانا الملك احتفظ بالسيف فى حجرته الخاصة، وسينتهزون الفرصة لتذكير جلالته بالسيف وعرض الأمر على مسامعه الكريمة، وعادت البعثة إلى إيران، وثار الشاه لهذه السرقة الوضيعة التى امتدت إلى الأموات، وأصر على أن يسترد السيف، واتصلت المكاتبات حتى ضاق فاروق بالأمر، وقال: «قولوا له أننى لم أر السيف ولم أسمع به ولا أعرف عنه شيئا».