تواجه مصر تحديا اقتصاديا جديدا بعد تلميح الفيدرالى الأمريكى (البنك المركزى الأمريكى) عقب اجتماع لجنة السياسات أمس الأربعاء، إلى احتمال رفع الفائدة على الدولار فى يونيو المقبل، وهو ما يترتب عليه ارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، وهو ما يشكل ضغطا إضافيا على الجنيه المصرى الذى فقد ما يزيد على 25% من قيمته منذ يناير 2015.
ويكمن التحدى الذى يواجه القائمين على السياسة المالية والنقدية، فى وضع خطة محكمة لاحتواء الآثار السلبية المتوقعة لارتفاع قيمة الدولار بعد رفع الفائدة عليه، بما يضمن حماية الفقراء ومحدودى الدخل من ارتفاع الأسعار نتيجة زيادة قيمة الواردات، بالإضافة إلى تأمين موارد دولارية لضمان سداد الدين الخارجى بالعملة الصعبة وسط ندرة الموارد.
ورفعت أمريكا الفائدة على الدولار الفائدة للمرة الأولى بعد حوالى 10 سنوات فى ديسمبر الماضى، بواقع ربع نقطة مئوية لتصبح الفائدة فى نطاق بين 0.25%-0.50%.
واستقر الدولار، اليوم الخميس، قرب أعلى مستوياته فى التعاملات الأوروبية بعد أن حقق أكبر مكاسبه اليومية فى 5 أسابيع، مع تجدد التوقعات بأن يرفع مجلس الاحتياطى الاتحادى أسعار الفائدة قريبا.
ومع تزايد التوقعات باحتمال رفع الفائدة على الدولار، انطلقت صافرات الإنذار لتحذر من تداعيات تلك الخطوة على أسواق المال والعملات وخاصة فى الدول الناشئة التى أقدمت على تخفيض عملاتها أمام الدولار خلال الفترة الماضية لدعم صادراتها فى ظل تباطؤ الاقتصاد العالمى وانكماش الإنتاج الصناعى فى الصين.
وبعد رفع أسعار الفائدة فى 16 ديسمبر الماضى، أعلنت محافظة الاحتياطى الفيدرالى أنه سيتم رفع الفائدة 4 مرات خلال عام 2016 قبل أن تعاود وتخفضها إلى مرتين، ومن المتوقع أن يقفز الدولار أمام العملات الأجنبية الأخرى عقب قرار رفع الفائدة، ويرجح الخبراء أن نسبة الزيادة فى الفائدة غالبا ستكون ربع درجة إلى نصف درجة مئوية.
ومن الطبيعى أن تتأثر مصر شأنها شأن سائر الأسواق الناشئة برفع الفائدة الأمريكية، خاصة فى ظل أزمة نقص الدولار التى تعانى منها البلاد والتى دفعت البنك المركزى فى مارس الماضى إلى تخفيض الجنيه رسميا أمام العملة الأمريكية بنحو 13% دفعة واحدة، فى محاولة لتقليص الفجوة الكبيرة فى سعر الصرف بالسوق الرسمية والموازية.
وتفاقمت أزمة نقص الدولار بعد حادث انفجار الطائرة الروسية فى شرم الشيخ نهاية أكتوبر الماضى،، وهو ما أدى إلى حرمان البلاد من إيرادات السياحة التى تدر النصيب الأكبر من عوائد مصر بالعملة الصعبة، كما تراجعت إيرادات قناة السويس منذ أغسطس الماضى نتيجة تباطؤ حركة التجارة العالمية، ويضاف إلى ذلك زيادة الواردات المصرية على حساب الصادرات، وتراجع حوالات المصريين العاملين بالخارج.
وتسللت المخاوف من رفع الفائدة على الدولار إلى الأوساط الاقتصادية المحلية، فى ضوء بعض التقارير التى تنذر بتداعيات سلبية على الاقتصاد المصرى الذى تعرض بالفعل لضغوط خارجية وداخلية أدت فى نهاية المطاف إلى تخفيض الحكومة لمستهدفات النمو الاقتصادى خلال العام المالى الحالى من 5.5% إلى 4.5%، فى حين يتوقع صندوق النقد الدولى ومؤسسات دولية أخرى نموا بمعدل 3.3%.
واختلف الخبراء حول مدى تأثر مصر برفع الفائدة على الدولار، ففريق يستبعد تضرر الاقتصاد المصرى بحجة أن الجنيه المصرى غير مرتبط بالدولار مثل عملات دول الخليج النفطية على سبيل المثال، فى حين يرى فريق آخر أن رفع الفائدة على العملة الخضراء يعنى "دولار أقوى"، وبالتالى فهى خطوة تضفى مزيدا من الضغط على العملة المحلية أمام الأمريكية فى ظل ندرة المعروض الدولارى والتى أشعلت المضاربات فى السوق السوداء خلال الفترة الماضية ليقترب الدولار من 12 جنيها لأول مرة فى تاريخه.
الدولار الأقوى ليس فى صالحنا
وقال الدكتور مدحت نافع، أستاذ التمويل، إن رفع الفائدة على الدولار له تأثير سلبى على الاقتصاد المصرى، لأنه يزيد درجة الانكشاف أمام الدولار بشكل كبير وهو ما يشكل مزيدا من الضغط على الاحتياطى النقدى الذى يكفى بالكاد واردات البلاد الأساسية لمدة 3 شهور، فى الوقت الذى تعانى فيه البلاد من عدم استقرار مواردها الدولارية.
وفسر نافع وجهة نظره، بأن الجنيه تراجع بمعدل 40% أمام الدولار بسبب نقص المعروض نتيجة تراجع موارد البلاد من العملة الصعبة وفى مقدمتها السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، مشيرا إلى أن بالرغم من تراجع الدولار عالميا خلال الفترة الماضية، إلا أن العملة الخضراء قفزت لأعلى مستوياتها أمام الجنيه بسبب شح المعروض.
وأردف قائلا: "مصر تعتمد على الدولار بشكل كبير.. ومزيد من قوة الدولار ليس فى صالحنا".
وأضاف أن مصر غير مرتبطة بسوق العملات أو الفوركس العالمية بشكل مباشر، وهو ما يفسر انفصال السوق المحلية عن السوق العالمية، وارتفاع الدولار فى مصر فى الوقت الذى ينخفض فيه أمام كافة العملات والعكس صحيح.
وأوضح نافع أن رفع الفائدة يعكس اتجاه الولايات المتحدة إلى تبنى سياسات انكماشية وهو ما ينذر بزيادة انكماش الاقتصاد العالمى، فى ضوء استمرار تباطؤ الاقتصاد الصينى، لافتا إلى أن ذلك يؤدى فى نهاية المطاف إلى تزايد الضغط على حركة التجارة العالمية نتيجة تراجع الاستهلاك وبالتالى تراجع حركة الاستيراد والتصدير، وهو ما ينعكس على إيرادات قناة السويس.
ولرفع الفائدة على الدولار تأثير سلبى آخر على الاقتصاد المصرى، يتمثل فى زيادة تكلفة خدمة الدين الخارجى، لكن "نافع" يرى أن الدين الخارجى لمصر لا يزال فى الحدود الآمنة بنسبة لا تتعدى 16% من إجمالى الناتج المحلى.
تأثير محدود على البورصة المصرية
وتوقع نافع تأثر البورصة المصرية كسائر أسواق المال العالمية سلبا مع تزايد التوقعات بشأن رفع الفائدة الأمريكية، وهو ما يؤثر على جاذبية سوق المال التى تنطوى على نسب كبيرة من المخاطرة، وعادة ما يصاحب القرار هروب العديد من المستثمرين من أسواق المال بتصفية محافظهم طمعا فى العائد الأمريكى. وفى الوقت ذاته، رجح أستاذ التمويل انتعاش الأسهم بعد هبوطها إلى مستويات سعرية مغرية للشراء.
واتفق عمرو الألفى رئيس وحدة الأبحاث فى مباشر، مع الرأى السابق، مشيرا إلى أن الحديث عن الاتجاه رفع الفائدة على الدولار عادة ينعكس سلبا على الأسواق الناشئة ومنها مصر، حيث يتجه المستثمرون الأجانب إلى التخارج من تلك الأسواق كخطوة استباقية للاحتفاظ بأرباحهم قبل ارتفاع قيمة الدولار أمام عملاتهم المحلية.
وتوقع الألفى تأثيرا طفيفا على أداء البورصة المصرية حال رفع الفائدة على الدولار، وهو ما عزاه إلى انخفاض نسبة المستثمرين الأجانب وتراجع قيمة التداولات عامة خلال الفترة الماضية.
شبح ارتفاع الأسعار
ويرى الألفى أن رفع الفائدة على الدولار وما يصحبه من ارتفاع العملة الأمريكية أمام سائر العملات يعنى زيادة الضغط على الجنيه، سيؤدى ارتفاع الأسعار نظرا لزيادة تكلفة الاستيراد وبالتالى زيادة التضخم المستورد.
وأضاف أن البنك المركزى سبق وأن اتخذ قرارات ساهمت فى احتواء التضخم المستورد إثر رفع الفائدة على الدولار فى ديسمبر الماضى، كان منها رفع الفائدة على الإيداع والإقراض وذلك ضمن خطته استهدفت بالأساس لسحب السيولة النقدية للسيطرة على التضخم والحد من الدولرة، مستبعدا أن يقدم المركزى على خفض قيمة الجنيه رسميا، لكنه توقع ارتفاع سعر صرف العملة الأمريكية فى السوق الموازية حال رفع الفائدة عليها نتيجة ندرة المعروض.
ومن الطبيعى أن يتجه المركزى لرفع الفائدة على الجنيه لمواجهة الضغط عليه حال رفع الفائدة على الدولار، لكن الألفى يرى أن هذا ليس الحل الأمثل لاحتواء التضخم المستورد، فى ظل اتجاه الدولة لتطبيق ضريبة القيمة المضافة والتى يتوقع أن تؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات أيضا.
الحل الذى أجمع عليه الخبراء لدعم الجنيه أمام الدولار هو العمل على زيادة الإنتاج لتنمية الصادرات وخلق حلول لزيادة نفاذ الصادرات المصرية إلى الأسواق الخارجية، بالتزامن تطبيق سياسات مع الحد من الواردات.