كثفت السلطات التركية خلال النصف الأول من عام 2020، حملة تدخلها فى الرقابة على الإنترنت، وحجب المواقع وملاحقة أصحاب الرأي والمعارضين لسياسات الحكومة التركية، هذا بالإضافة إلى استخدام الإنترنت كوسيلة لتحقيق أهداف الحكومة التركية بصرف النظر عن حرية الأشخاص في طرح الآراء المختلفة على المنصات الإلكترونية.
ووفقا لتقرير حقوقى صادر عن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، فإن صلاحيات الهيئات الحكومية التركية تسمح للحكومة بممارسة كافة أنواع التضييق على حرية التعبير عن الرأى، فعلى سبيل المثال وسّع المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون التركي (RTÜK) سلطاته في 1 أغسطس 2019 طبقًا للائحة البث الإذاعي والتلفزيوني على الإنترنت بتركيا، والتي كان قد وافق عليها البرلمان التركي في مارس 2018، والتي من شأنها منح المزيد من صلاحيات المجلس في الإشراف على المذيعين عبر الإنترنت، كما تم منح المذيعين على الإنترنت شهرًا واحدًا للتقدم بطلب للحصول على ترخيص من المجلس، وهو ما شكل تهديدًا وجوديًا للعديد من المذيعين الصغار والمتوسطي الحجم بالإضافة إلي مراقبة المحتوى، بالإضافة إلي حق حجب المواقع الإلكترونية المختلفة، مع مراقبة المنصات الإلكترونية المختلفة كموقع اليوتيوب.
وأشار التقرير ، إلى أن شبكة الإنترنت في تركيا تخضع للقانون رقم (5651) لعام 2007 وتعديلاته، ويعطي القانون الحق للجهات المختصة في تركيا الوصول إلى بيانات المُستخدمين دونما أي تفويض بجانب إعطاء الحق في حجب المحتوي دون استصدار قرار قضائي.
وواصلت السلطات التركية سلسلة الانتهاكات على الإنترنت بحجب المواقع الإلكترونية وضمان عدم وصول المعلومات إلي الجمهور، فخلال شهر أبريل قامت الحكومة بحجب الموقع الإلكتروني لصحيفة الإندبندنت البريطانية بموجب قرار إداري ، كما قامت بحجب مواقع إخبارية سعودية وإماراتية مثل وكالتي الأنباء السعودية والإماراتية بالإضافة إلى صحيفتي البيان والاتحاد الإماراتيتين وصحيفتي الرياض وعكاظ السعوديتين وموقعي قناتي العربية وسكاي نيوز الإخباريين، ليصل إجمالي المواقع العربية المحظورة إلى 12 موقعا إخباريا، والجدير بالذكر أن تركيا تحتل المركز الثالث عالميًا بين الدول الأكثر استخدامًا لبرنامج فك الحجب وهو ما يوضح حالة الرقابة الشديدة على المحتويات وحجبها على الأنترنت من قبل الحكومة التركية.
وصعدت أجهزة الأمن التركية من ملاحقة نشطاء حقوقيين وسياسيين بارزين ومواطنين عاديين على الإنترنت الذين يعارضوا سياسات الحكومة أو يتحدثوا عن انتهاكات لحقوق الإنسان، فخلال شهر مارس ألقت السلطات التركية القبض على أحد مواطني مدينة دينيزلي التركية، و19 شخص من مدن أخرى بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حول فيروس كورونا، وهو ما اعتبرته الحكومة مواد استفزازية على حد تعبيرهم، بينما تواصل البحث عن 93 أخرين.
وفى هذا السياق أصدرت وزارة الداخلية التركية قرارًا بالقبض على أكثر من 1100 ناشط على مواقع التواصل الاجتماعي في تركيا بسبب تناولهم مستجدات تفشي وباء كورونا وقالت الداخلية في بيان رسمي نشرته عبر حسابها على موقع تويتر، إنها حددت أكثر من 10 آلاف تغريدة استفزازية بشأن فيروس كورونا على منصات التواصل الاجتماعي، وأن أغلب هذه التغريدات لا أساس لها من الصحة، وأعلنت الوزارة أنها ألقت القبض على 510 نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من أصل 1105 متهمين من المقرر القبض عليهم وتم تحديد هذا الأمر في فترة 65 يومًا منذ ظهور الفيروس وحتى تاريخ إصدار البيان في مارس 2020 ، ومن الصعب تحديد عدد المواطنين المقبوض عليهم في تركيا على خلفية تناول أنباء عن فيروس كورونا المستجد على وسائل التواصل الاجتماعي.
وخلال شهر يناير، قامت رئاسة النيابة العامة بالعاصمة التركية أنقرة بالتحقيق ضد 50 شخصًا بادعاء نشر منشورات تحريضية على حساباتهم الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، عقب وقوع زلزال محافظة إلازيغ التركية، بينما أصدر مكتب النائب العام في أنقرة قرارًا بإلقاء القبض على 21 شخصًا بسبب استخدامهم تطبيق التراسل "بايلوك" الذي تعتبر الحكومة التركية تطبيق يستخدم في محاربة الإرهاب، وبالسياق ألقت الحكومة التركية القبض على الكاتب والسياسي الكردي فؤاد أونان بسبب كتاباته عبر حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي التي تعارض سياسات الحكومة التركية وبالأخص التي تهاجم التدخل العسكري التركي في سوريا.
كما تم القبض أيضاً على الممثل الكوميدي الصامد إيمري جونسال في 10 أبريل، بسبب مقطع صغير على وسائل التواصل الاجتماعي قام بنشره وهو يواجه تهم بانتهاك قانون الجرائم المرتكبة ضد أتاتورك وتحريض الجمهور على الكراهية والعداء أو إهانة الجمهور، وفى شهر مايو قررت بلدية أكدنيز التركية فصل موظف علّق على استقالة وزير الداخلية سليمان صويلو في منشور على حسابه الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي.
وخلال شهر أبريل، اعتقلت قوات مكافحة الجرائم الإلكترونية مالك حساب شهير على تويتر باسم "طائر أنقرة" من داخل أحد فنادق مدينة العاصمة بسبب منشوراته المعارضة للحكومة التركية على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي 2 مارس تم اعتقال شخص في أنطاليا، بسبب منشور على مواقع التواصل الاجتماعي حول الهجوم على أفراد القوات المسلحة التركية في إدلب وانتقاده للحكومة التركية في هذا الأمر.
وفي سياق آخر، قام مجلس القضاة والمدعين العامين بإجراء تحقيق ضد أورهان غازي إرتكين القاضي في إزمير والرئيس المشارك لجمعية الاختصاص الديمقراطي، في 15 مايو، وذلك على أساس صنع الدعاية لمنظمة غير قانونية، لمشاركاته على وسائل التواصل الاجتماعي حول وفاة الناشط التركي إبراهيم جوكجيك.
وذكرت مؤسسة ماعت في تقريرها أن الحكومة التركية تقوم باستخدام المنصات الإلكترونية المختلفة في مهاجمة المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الرأي والتعبير عبر مجموعات موالية للحكومة، كما تقوم بتشويه صورهم ومهاجمة الحياة الشخصية لهم، فخلال شهر يونيو قام موقع توتير بتعليق 7340 حسابا مزيفا ومختلط مرتبط بالحكومة التركية كانت تستهدف نشطاء الرأي والتعبير، وتهاجم كل من يعارض الحكومة التركية، ومن الوقائع التي تدل على هذا الأمر قيام مجموعة حسابات على موقع التواصل الاجتماعي تويتر في مايو الماضي بالهجوم على بعض الشخصيات النسائية من المعارضة التركية أبرزهن رئيسة محافظة إسطنبول عن حزب الشعب الجمهوري جنان قاتنجي أوغلو والإعلامية نفشين مانجو، وتحتوي بعض هذه الرسائل على محتويات جنسية تسعى لتشويه صورة هؤلاء الناشطات وترسيخ صورة نمطية عنهم لدى الجمهور من الممكن وصفها بالانحلال الأخلاقي حتى يتم التشكيك في كلامهن ومعارضتهن لسياسات الحكومة التركية الخاطئة.
الجدير بالذكر أن الحكومة التركية تسعى الفترة القادمة إلي وضع لوائح جديدة لمراقبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل قانوني حتى يتثنى لها شرعنه الانتهاكات التي تقوم بها تجاه الحريات على الإنترنت.