بنى مسجده منذ 8 قرون ومسجل كأثر قديم
ليلة النصف من شعبان مولده الذى يحضره أكثر من ربع مليون مواطن
الزائرون يجوبون الشوارع بالذكر والأناشيد الدينية والمديح حتى الفجر
قطب الأقطاب وملتقى الزهاد ومجمع آلاف المواطنين سنوياً فى احتفالات على ضفة نهر النيل الشرقية بمحافظة الأقصر، هو الشيخ أبو الحجاج الأقصرى الذى يقصد ساحته ومسجده فى ليلة النصف من شعبان سنويًا لإقامة أكبر وأضخم مولد فى مدينة الأقصر، والتى يشارك فيها أكثر من ربع مليون مواطن من مختلف مدن وقرى الأقصر ومحافظات الصعيد، ويخرجون فى "دورة" تجمع كبير للمواطنين يحمل هودج تجوب أرجاء المدينة احتفالا بمولد العارف بالله سيدى أبو الحجاج الأقصرى.
ويعد العارف بالله أبو الحجاج الأقصرى، هو "يوسف بن عبد الرحيم بن عيسى الزاهد"، وينتمى إلى أسرة كريمة ميسورة الحال عرفت بالتقوى والصلاح، وكان والده صاحب منصب كبير فى الدولة العباسية، وينتهى نسبه إلى سيدنا الحسين بن على رضى الله عنهما، وقد ولد الشيخ فى أوائل القرن السادس الهجرى بمدينة بغداد، فى عهد الخليفة العباسى المقتفى لأمر الله.
وترك سيدى أبو الحجاج الأقصرى العمل الرسمى وتفرغ للعلم والزهد والعبادة، وسافر إلى الإسكندرية والتقى فيها أعلام الصوفية خاصة من أصحاب الطريقتين الشاذلية والرفاعية، وتتلمذ على يد الشيخ عبد الرازق الجازولى، وأصبح أقرب تلاميذه ومريديه، ثم عاد أبو الحجاج إلى الأقصر، والتقى الشيخ عبد الرحيم القنائى (صاحب مسجد قنا الشهير)، وأقام واستقر بالأقصر، حتى وفاته فى عهد الملك الصالح نجم الدين الأيوبى عن 90 عامًا، وكان له مجلس علم يقصده الناس من كل مكان.
وترك أبو الحجاج تراثا علميا، ومن أشهره منظومته الشعرية فى علم التوحيد وتقع فى 99 بابا، وتشتمل على 1233 بيتا، وتوفى الشيخ بالأقصر عام 642هـ، ويقال إنه كان كثير الاعتكاف والانعزال بمعبد الأقصر، ولهذا السبب أقام مسجده بقلب معبد الأقصر.
ويشمل مولد سيدى أبو الحجاج الأقصرى احتفالات تحمل طابعا وعادات تراثية، تشمل خروج الأطفال والشباب والفتيات والسيدات لشراء الحلوى والتنزه فى ساحة ميدان أبو الحجاج أمام الضريح، ويتمتعون بامتطاء الخيول والجمال التى تتجمع للخروج فى "دورة أبو الحجاج" التى تجوب أنحاء المدينة بأكملها، ويخرج فيها المشاركون إلى شوارع الأقصر يذكرون الله وينشدون الأناشيد الدينية ويرتلون القرآن ويلعبون لعبة التحطيب والرقص بالعصا والرقص بالخيل، وينتهى الاحتفال بركوب الجمال التى تحمل توابيت من القماش المزركش تحمل هودجاً للإمام أبو الحجاج الأقصرى.
ويتميز ضريح أبو الحجاج الأقصرى بطابع خاص، حيث إنه يحتوى على أعمدة أثرية ويضم أجزاءً من معبد الأقصر، الأمر الذى جعل ضمه لوزارة الآثار أمرا حتميا، ويستقبل ضريح أبو الحجاج بالأقصر، بشكل يومى الآلاف من المواطنين، الذين يقومون بتوزيع الخبز الصغير والأرز باللبن والتمر على مريديه، كما تقصده العروس قبل زفافها لطلب البركة بأهل الله الصالحين.
ويتميز مسجد وضريح سيدى أبو الحجاج الأقصرى الذى مضى على بنائه أكثر من 8 قرون، بشكله الفريد وتوسطه لكتلة أثرية فريدة يقصدها السياح من مختلف البلدان جعله يخطف أنظار السياح القاصدين زيارة معبد الأقصر، وتحول لدى الكثير منهم إلى فقرة رئيسية ضمن برامجهم لزيارة آثار مدينة الأقصر، حيث إنه قيمة تاريخية وأثرية تخطف عيون الوافدين إلى معبد الأقصر، للبحث فى تاريخ هذا المسجد والسبب وراء وجوده فى أحضان معبد الأقصر بهذا الشكل.
ويعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 658هـ، الموافق 1286م، وقد بنى بساحة معبد الأقصر على نسق المساجد الفاطمية القديمة، ليزاحم تماثيل رمسيس الثانى أحد أعظم الملوك الرعامسة، الذى ينسب إليه إنشاء معبد الأقصر، ويقف شاهدًا على 3 حضارات إنسانية، حيث يخترق بطابعه الإسلامى بهو معبد الأقصر الذى يحتوى على الكثير من مظاهر الحضارة الفرعونية من أعمدة وتماثيل ونقوش ورسومات لا تزال حية على جدران المعبد، والذى يضم أيضا بالإضافة إلى المسجد بقايا كنيسة قبطية قديمة طمرت تحت مبنى المسجد الذى يرتفع فوق سطح أرض المعبد بأكثر من 10 أمتار.
وكان قد تم تسجيل مسجد أبو الحجاج الأقصرى، كأثر إسلامى فى 21 يونيو 2007، وهو عبارة عن ساحة مربعة الشكل، مغطاة بقبو ومدخله الرئيسى يقع بالجهة الغربية جرت له عمارات كثيرة فى العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية والحديثة، وهو مشيد على الجهة الشمالية الشرقية لمعبد الأقصر، ويبلغ ارتفاع مدخله 12 مترَا، ويخلو من الزخارف الهندسية والنباتية واللوحات الخطية المعروفة فى العمارة الإسلامية، ويعلو المسجد شريط من الشرفات المبنية بالطوب الأحمر، لكن ما يميز المسجد عن بقية المساجد هو احتواؤه على أعمدة وأعتاب ونقوش مشابهة تماما لمعبد الأقصر، وقد جاء اكتشاف هذه النقوش بالصدفة البحتة بعد تعرض المسجد لحريق، وكانت المفاجأة عندما كشف العاملون بالترميم عن وجود أعمدة أثرية من الطراز الفرعونى مطمورة بالمسجد، وتبين أن هذه الأعمدة هى جزء من معبد فرعونى ضخم يغطيه تل من التراب والطمى وهو نفس التل الذى قام سيدى أبو الحجاج الأقصرى ببناء مسجده فوقه.
وتعد مئذنة مسجد أبو الحجاج الأثرية من أعرق وأشهر المآذن بمصر، فهى أقدم أجزاء المسجد القديم وتعود إلى عصر أبو الحجاج، وتتكون من ثلاث طبقات الأولى مربعة الشكل، والثانية والثالثة على شكل أسطوانى، وقرب نهايتها مجموعة من النوافذ والفتحات، وهى مبنية بالطوب اللبن، والجزء الأسفل المربع مقوى بأعمدة خشبية، وتشبه مئذنة مسجد أبو الحجاج مآذن الصعيد القديمة ذات الطراز الفاطمى ويبلغ ارتفاعها نحو 14 مترا، وقد أجريت للمسجد عدة عمارات وتوسعات، وتم ترميمه أوائل القرن العشرين، وخلال النصف الأول من القرن نفسه أنشئ مسجد جديد على الطراز ذاته بجوار المسجد القديم.
وفى عام 2009، انتهت أعمال ترميم فى المسجد استغرقت عامين، وجرت تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار، وبلغت تكلفتها 7 ملايين جنيه، وشملت العمارة الجديدة توسعة ساحة الصلاة وتدعيم القبة وتغيير الأسقف، بعد أن تعرض المسجد لحريق عام 2007.
ومن جانبه قال الطيب عبد الله مرشد سياحى حول قيمة مسجد أبو الحجاج الأثرية، إن الحضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية تمتزج معا داخل هذا المسجد، حيث تم الكشف فى الفترة الأخيرة عن أعمدة فرعونية داخل المسجد، لكنها كانت مغطاة بطبقة من الطين، وهو المستخدم فى المبنى القديم للمسجد، بالإضافة إلى كنيسة قبطية بنيت على أطلال جزء من معبد الأقصر وتقع أسفل المسجد، وقد أنشأتها فتاة رومانية قديسة تدعى "تيريزا".
وأضاف الطيب عبد الله، أن مسجد أبو الحجاج الأقصرى يندرج فى قائمة زياراته مع السائحين خلال تواجدهم بمعبد الأقصر، حيث إن أى سائح يزور المعبد يكتشف المسجد فى الجزء الخلفى منه فيسأل عن سبب وجوده هنا وزمن بنائه بذلك المشهد، فيتوجه بهم للمسجد ليشرح لهم تاريخ المسجد وتاريخ العارف بالله أبو الحجاج الأقصرى.