كلمة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان حملت في مضمونها الكثير من الحقائق حول الأوضاع الاقتصادية التي أصبحت بلاده تُعاني منها كما أكدت عدة تقارير على مدار الأشهر الماضية. وربما آخر الأرقام التي جاءت عبر تلك الأخبار المُتداولة أتت لتفيد بهبوط الليرة التركية خلال العام الجاري بما يقرُب من 24% مقابل الدولار الأمريكي. هذا وسجلت الإثنين الماضي إنخفاضًا بأكثر من 1% أمام الدولار.
أردوغان حاول خلال الفترة الماضية احتواء الغضب التركي الداخلي وحالة اليأس التي بات شعبه يُعاني منها؛ كما ينعكس من لقاءات تُجريها بعض القنوات المُتخصصة في الشأن التركي عبر السوشيال ميديا والناطقة بالعربية والإنجليزية إلى جانب التركية.
وحاولت الحكومة التركية التهرب من مشكلاتها واخفاءها أمام الرأي العام، مع مُحاولة تصدير صورة ذهنية إيجابية جيدة حول أوضاعها على جميع الأصعدة، وهو ما يبعُد عن الواقع تمامًا في ظل معاناة اقتصادية وتدهور الأوضاع السياسية وأيضًا في ملف حقوق الإنسان إلى حد واضح، إضافة إلى منظومة صحية فشلت في مُواجهة أزمة فيروس كورونا التي اجتاحت العالم رسميًا في الأشهر الأولى من العام الجاري؛ فلم يُعلم عن أي نجاح يُذكر لتركيا في هذا المجال. وفي تقرير سابق نشرته "أحوال" التركية أكدت على أن تركيا أظهرت فشلت ذريعًا بالإجراءات الاجتماعية التي كان من شأنها التخفيف من المشاكل التي يُسببها الفيروس المُستجد. وأشارت إلى أن تركيا اتخذت إجراءات على عكس ما يجب أن تكون عليه وقت الكوارث.
وقد فشلت حكومة أردوغان في إخفاء الحقائق، وربما هو ما دفعه إلى إقالة صهره بيرات البيرق من رئاسة وزارة المالية التركية الذي قام بتقديم استقالته. وأيضًا إقالة محافظ البنك المركزي مراد أويسال، مُعينًا وزير المالية السابق ناجي أغبال. وبدأ البنك المركزي التركي منذ الخميس في رفع معدل الفائدة الرئيسي إلى 15%، محاولًا بهذا القرار تخفيض حالة التضخم التي عاني منها الاقتصادي التركي. وهو ما ذكره أردوغان خلال مشاركته في معرض "موصياد إكسبو 2020" بإسطنبول، مُحملًا التضخم مشاكل تركيا الاقتصادية، ومُعللًا أسباب رفع الفائدة. هذا وحاول مُجددًا إيهام الرأي العام بأت الأوضاع بتركيا جيدة بالنسبة لغيرها من دول العالم في ظل وباء كورونا الذي اجتاح العالم، وقال: "نحن بصدد اتخاذ خطوات من شأنها ترسيخ سياساتنا الاقتصادية ورفع سقف ديمقراطيتنا وحرياتنا.. عازمون على إدخال تركيا في مرحلة صعود جديدة اقتصاديًا"، مضيفًا "ينبغي إعادة وداعئنا الخارجية إلى تركيا قبل أي شيء"، ومن حديث الرئيس التركي يتكشّف استمرار أردوغان في أساليبه المُراوغة للتحايل على شعبه وقيادات العالم، فهو يُحاول اقناع الغرب بأن الأوضاع السياسية مُستقرة بالداخل التركي على الرغم من قمع حرية الرأي والتعبير وغياب العدالة ونزاهة القضاء، وهو ما كشف عنه الكابت التركي إسماعيل سايماز في مقال له بجريدة "سوزجو" التركية مُنتقدًا وزير العدل بتركيا، وقال: "عليه أن يعلم أن العديد من المواطنين تم اعتقالهم وإدانتهم بمراسيم سياسية"، مضيفا أن : "الحريق المندلع داخل دار القضاء انتقل إلى الأسواق، وفقدت العملة النقدية قيمتها.. كلما انهار القضاء داخل قاعات المحاكم، زاد البؤس وتراجع العدل"، بحسب ترجمة "زمان عربي". ويُحاول أردوغان استعادة الودائع التي بالخارج ضمن مُحاولات إنقاذ الاقتصاد التركي التي لا يبدو أنها ستأتي بثمارها إلى حد كبير خلال الفترة المقبلة، ربما يشهد القليل من التحسُن لكن المؤكد إلى أنه لم يصل إلى الحد المطلوب أو كسابق عهده.
وهذه الأوضاع تُفسر اعتماد سياسات الحكومة التركية على الاعتداء على سيادة الدول سواء المُجاورة أو غيرها، في مُحاولة للسيطرة على مواردها وثرواتها، وهو ما تُحاول تركيا أن تُنفذه في ليبيا وخاصة في غربها. وفي سوريا تقوم قوات أردوغان بعمليات سلب ونهب لكثير من الثروات ولعل أشهرها منتجات مزارع الزيتون، وعلق الخبير الاقتصادي السوري، جلنك عمر في مقابلة مع "العربية.نت" بأن مبيعات زيت الزيتون الذي تعود ملكيته للسكان الأصليين في عفرين قُدرت بحوالي 150 مليون دولار أمريكي، بينما وصل أصحاب مزارعها أقل من 50 مليون دولار، مُشيرًا إلى أن عناصر أردوغان المسلحة استولوا على حوالي 100 مليون دولار من موسم الزيتون، العام الماضي، وهو ما يحدُث هذا العام أيضًا. هذا ودخلت تركيا على خط الأزمة بين أرمينيا وأربيجان في منطقة قرة باغ، وعملت على تأجيجيها تمامًا كما تفعل في سوريا ضد الأكراد وليبيا حيث إشعال الأوضاع بين الحكومة الوطنية وحكومة السراج. وكعادة تركيا اتضح أن هدفها الرئيسي من هذا التدخُل هو الاقتصاد. حيث مشاركة أذربيجان في "موصياد" مُروجة لإمكانيات "قرة باغ" الاقتصادية والاستثمارية.