تشهد حالة حقوق الإنسان في تركيا، تراجعا حادا، على مدار السنوات الماضية، وتحديدا منذ 2016 عندما شهدت تركيا تحركا عسكريا من داخل الجيش في محاولة لإنقاذ الشعب التركى من بطش أردوغان وسياساته التوسعية، التي ورطت أنقرة في صراعات إقليمية مع دول الجوار والاتحاد الأوروبى كان الشعب التركى هو الخاسر الأكبر فيها على مدار سنوات.
وصفت حكومة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذا التحرك بـ"محاولة انقلاب فاشلة"، والذى وقعت أحداثه في الخامس عشر من يوليو 2016، فقد شهدت أوضاع حقوق الإنسان في تركيا منذ ذلك التاريخ تراجعا حادا، وشهدت البلاد حالات اعتقال بعشرات الآلاف، وتم استبعاد قيادات بالجيش التركى وقضاة بل ووصل الأمر إلى التنكيل بهم، ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية الدولية إلى رصد انتهاكات الرئيس التركى سعيا لمزيد من الضغط الدولى على هذا الرجل لعله يعيد حساباته مرة أخرى.
وفى هذا الإطار، تابعت منظمة العفو الدولية، وقائع جلسات محاكمة 4 من النشطاء المدافعين عن حقوق الإنسان بتركيا، واعتبرت المنظمة الدولية جلسات المحاكمة بمثابة صفعة شديدة ليس فحسب للنشطاء الأربعة وعائلاتهم، ولكن لكل من يؤمن بالعدالة والنشاط الحقوقي في تركيا وخارجها.
ويروى أندرو غاردنير، الباحث المعني بتركيا في منظمة العفو الدولية، الذي راقب جلسة الاستماع، في أعقاب حكم أغلبية أعضاء المحكمة بإدانة تانر كيليش بتهمة "عضوية منظمة فتح الله كولن الإرهابية"، وإدانة كل من أوزليم دالكيران، وإديل إسير، وغونل كورشون، بتهمة "مساعدة منظمة فتح الله كولن الإرهابية"، شهادته عن الجلسة.
وقال: "لقد شهدنا اليوم مهزلة عدالة ذات أبعاد هائلة، ويعد هذا الحكم بمثابة صفعة شديدة ليس فحسب لتانر وأوزليم وإديل وغونل وعائلاتهم، ولكن لكل من يؤمن بالعدالة والنشاط الحقوقي في تركيا وخارجها".
وتابع: "إن قرار المحكمة قرار صادم. ففي خلال 12 جلسة استماع عقدتها المحكمة، تم الكشف عن كل ادعاء على نحو شامل على أنه افتراء لا أساس له من الصحة. فقرار المحكمة يتحدى المنطق، ويكشف هذه المحاكمة، التي دامت ثلاث سنوات، باعتبارها محاولة ذات دوافع سياسية لإسكات أصوات مستقلة، منذ اليوم الأول".
وأضاف الباحث المعني بتركيا في منظمة العفو الدولية: "لقد كانت هذه القضية بمثابة اختبار لنظام العدالة التركي. ومن المؤسف، على هذا النحو، أن نرى الدور الذي لعبته وما زالت تلعبه في تجريم النضال من أجل حقوق الإنسان. وسوف نواصل التضامن مع أصدقائنا وزملائنا وهم يستأنفون هذه الأحكام المشينة."
فيما كشف تقرير حقوقى، أصدرته مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، عن تراجع حاد في الأوضاع الحقوقية فى تركيا من وقائع للتعذيب ومحاكمات للصحافيين وحبس المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء الرأي واعتقالات جماعية للمواطنين وانتهاكات ضد الأقليات واعتداء على مسيرات سلمية وتدخلات في الدول الخارجية والعنف المنزلي ضد المرأة وانتهاك الحريات الأكاديمية والتضيق على حرية الإنترنت وعدم مراعاة حقوق العمال.
وأشار التقرير إلى أن عدد السجناء في تركيا وصل الي حوالي 300 ألف سجين 17% منهم لأسباب سياسية وبتهم لها علاقة بدعم الإرهاب والتطرف، كما وصل عدد المتهمين بالمشاركة في محاولة الانقلاب حتى الآن حوالي 50 ألفاً شخص ما بين عسكريين سابقين ومدنيين وصحافيين وغيرهم من فئات المجتمع المعارضين لسياسات الحكومة التركية، كما تم عزل 4634 قاضيا ومدعيا عاما وفصل 24419 شرطيا من جهاز الأمن العام وفصل 16409 طالب عسكري من الأكاديميات الحربية بالإضافة إلى عزل 5210 محافظ وإداري مع استبعاد 6168 موظفًا من وزارة العدل.
وأكد التقرير، هبوط منحنى حالة حقوق الانسان في تركيا خلال النصف الأول من عام 2020 بشكل كبير، حيث عمدت السلطات التركية إلى تنفيذ عمليات اعتقال واسعة النطاق شملت توقيف وإقالة الآلاف دون أي سند قانوني، كما اعتقلت واحتجزت الآلاف من الأتراك لأسباب زائفة ما بين معارضين سلميين وسجناء سياسيين لمجرد اختلافهم في الرأي مع بعض ممثلين الحزب الحاكم، كما يتعرض نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين في السجون ومراكز الاحتجاز بشكل روتيني للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة الوحشية، وذلك في ظل الحصانة من المسائلة التي يتمتع بها أفراد الأجهزة الأمنية، ورأي التقرير أن محاولة الانقلاب وفرت شرعية لأفراد الأجهزة الأمنية في تركيا لممارسة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان من تعذيب وسوء المعاملة دون وجود آليات محددة للمساءلة والملاحقة القانونية.