أراد الفنان محمد فوزى أن يسجل أغنيتين جديدتين هما «ناصر» للشاعر الغنائى حسين السيد، وقصيدة «أيظن» للشاعر نزار قبانى، فرفع الموسيقار محمد عبدالوهاب، دعوى أمام «القضاء المستعجل» يطالب فيه بمنعه من هذا العمل.
جرت وقائع هذه القصة فى أواخر نوفمبر عام 1960، وأثارت ضجة كبيرة، دخلت فيها مجلة «الكواكب» على الخط بتحقيق مطول فى عدد 6 ديسمبر، مثل هذا اليوم، 1960، للكاتب الصحفى حسين عثمان، بعنوان «معركة بين عبدالوهاب ومحمد فوزى على أغنية «ناصر»، ويكشف أن المعركة بدأت حين أراد «فوزى» تسجيل الأغنيتين على أسطوانات، وأغنية «ناصر» بالذات كان سجلها بصوته.. يضيف التحقيق: «بالأذن الموسيقية التى يسمع بها عبدالوهاب علم بالأمر، وعلى الفور لجأ إلى القضاء المستعجل ليمنع فوزى من هذا العمل».
تذكر «الكواكب» أن «فوزى» تقدم بمذكرة قانونية إلى «جمعية المؤلفين والملحنين» يطلب ترخيصا بطبع أغنية «ناصر» على أسطوانات.. وأن الجمعية أصدرت الترخيص، لكن عبدالوهاب لجأ إلى القضاء، وقال إن هذا التصرف يعتبر إهدارا لحريته، واعتداء صارخا على حقوقه، وأن تسجيل هذه الأغنية بصوت غير صوته، وإعادة تسجيلها دون وجوده أو إشرافه قد يسىء إلى اللحن وإلى العمل الفنى فى كيانه العام والخاص، فضلا عن حرمان صاحب اللحن من حق أدبى نص عليه القانون.
وطرحت «الكواكب» سؤالا: هل عبدالوهاب على حق فى دعواه؟، وحملت معظم الإجابات هجوما ضد «عبدالوهاب».. قال فوزى: «عبدالوهاب يحاول أن يحتكر غناء ألحانه الوطنية وحده، ناسيا أو متناسيا أن الأغانى الوطنية ليست ملكا لفرد، بل هى لشعب، والذى حفزنى إلى تسجيل هذه الأغنية ما لاحظته أن سوق الأغانى المسجلة يفتقر إلى الأغانى الوطنية.. وأنا لا أدرى لماذا غضب عبدالوهاب، ولجأ إلى القضاء رغم تفويضه لجمعية المؤلفين والملحنين بأن تكون وكيلة عنه، وقد لجأت أنا إلى الطريق السليم للحصول على التصريح من الجمعية التى هى وكيلة عن عبدالوهاب»، وقال الموسيقار فريد الأطرش: «هذه القضية ليست قضية عبدالوهاب ومحمد فوزى، إنها قضية المؤلفين والملحنين الذين تدفعهم ظروفهم المادية إلى بيع حقوقهم للشركات مقابل إغراء مادى بسيط لما تجنيه هذه الشركات من أرباح، ولكننى أرى عبدالوهاب غير محق فى دعواه ما دام أعطى جمعية المؤلفين تفويضا باستغلال مصنفه، والواجب على عبدالوهاب أن يسحب تفويضه من الجمعية ما دام يريد أن يستغل هو حقوقه فى مصنفه الفنى عن طريقه».
فيما قال الموسيقار مراد منير، إن عبدالوهاب هو صاحب الحق ليتصرف فى أغانيه وألحانه، وقال الموسيقار رياض السنباطى: «عبدالوهاب تاجر جمع المال فقط»، وأجاب الشاعر مأمون الشناوى ساخرا: «عبدالوهاب له صفتان، الأولى صفة الفنان، والثانية صفة التاجر، وهو أحيانا يتحدث كفنان فى شؤون التجارة، وأحيانا أخرى يتحدث كتاجر فى شؤون الفن».
تبدو قيمة التذكير بهذه القصة فى أنها أحد الأدلة التى ترد على مزاعم البعض بأن مشاعر «فوزى» كانت سلبية نحو «عبدالناصر»، ولهذا كان اضطهاده بتأميم شركته «مصر فون» عام 1961.. يذكر المؤرخ والناقد الفنى أشرف غريب فى كتابه «محمد فوزى.. الوثائق الخاصة»: «رجال نظام عبدالناصر انتقموا من فوزى لا لشىء سوى لصداقته مع اللواء محمد نجيب»، غير أن المؤرخ والناقد الفنى أحمد السماحى يرفض ذلك.. يذكر فى مقاله: «الزعيم عبدالناصر برىء من اضطهاد محمد فوزى»، على «موقع شهريار، 20 أكتوبر 2020»: «من يقولون هذا الكلام لا يدركون أن كل نجوم مصر التفوا حول أول رئيس لمصر «نجيب» بعد قيام الثورة المصرية، والكثير من المطربين غنوا أيضا لنجيب، منهم فريد الأطرش، إسماعيل ياسين، فايدة كامل، حورية حسن، عبدالحليم حافظ».
يذكر الكاتب الصحفى عبدالله السناوى، فى كتابه «أخيل جريحا، إرث جمال عبدالناصر»، أنه بالرغم من أن «فوزى» لم يكن فى تأميم «مصر فون» مقصودا بذاته، إلا أن تأميما مماثلا لم يطل مؤسسة شبيهة يمتلكها «محمد عبدالوهاب» و«عبدالحليم حافظ» لم يطلق عليها صفة «الشركة»، وكان يتوجب معاملته «فوزى» بنفس النظرة بغض النظر عن التوصيفات».. يضيف السناوى: «أسوأ ما قيل - دون نسبة حرف واحد إليه - أن شركته أممت كنوع من الانتقام لرفضه الغناء لجمال عبدالناصر».
ويذكر «السماحى» أغنيات فوزى للثورة بعد مرحلة نجيب وهى كثيرة، ويتوقف عند التسجيل الإذاعى الذى أجرته معه إذاعة «الشرق الأوسط» فى سبتمبر 1966 وكان خارج مصر، حيث كان يعالج على نفقة الدولة، وتبلغ مدته نحو ساعة، وشكر فيه بحرارة وحب الرئيس جمال عبدالناصر وزكريا محيى الدين وعبدالقادر حاتم وشعراوى جمعة.