ساعات قليلة تفصل العالم الأوروبى عن قراره بعزلة تركيا، واتخاذ قرارات قد تتمثل فى فرض عقوبات على المزيد من الأتراك والشركات التركية المسؤولة عن أعمال التنقيب فى المياه المتنازع عليها فى البحر المتوسط، بهدف وقف استفزازات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى عدة ملفات مثل شرق البحر المتوسط وقبرص وأذربيجان.
وتأتى قمة المجلس الأوروبى يومى 10 و11 ديسمبر لتشهد على رأس أولوياتها مناقشة الملف التركى، الذى طال التصرف فيه منذ سنوات، بسبب محاولات أنقرة ابتزاز أوروبا بقضية اللاجئين، ولكن فى النهاية وبعد فشل المصالحات والمفاوضات تم اتخاذ القرار.
وقال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى، أن تركيا أخفقت فى المساعدة فى حل خلاف مع اليونان وقبرص، العضوين فى الاتحاد، على موارد الغاز الطبيعى فى شرق المتوسط.
وبعد الضغوط على الاتحاد الأوروبى، تم البدء فى تنفيذ الأمر على عدة مراحل، داخل التكتل الأوروبى نفسه، ومرر البرلمان الأوروبى، مشروع قرار بأغلبية مطلقة، يدين تركيا، ويطالب بفرض عقوبات قاسية عليها، بسبب ممارساتها المستفزة الفترة الأخيرة خاصة فى شرق المتوسط وتجاه قبرص.
كما لم تتوقف فرنسا واليونان عن المطالبة بفرض عقوبات قوية على تركيا خلال الفترة الماضية، ولا يكاد يمر أسبوع دون تصريحات رسمية من أى من البلدين يدفع فى هذا الاتجاه.
وفى وقت سابق اليوم، ذكرت تقارير صحفية بريطانية أن فرنسا تضغط لفرض عقوبات على تركيا إثر تورط الأخيرة فى تأجيج أكثر من صراع دولى مؤخرا.
وتابعت أن جهود فرنسا للضغط من أجل فرض عقوبات أوروبية على تركيا اكتسبت زخمًا، ومن المتوقع أن تقترح باريس فرض حزمة عقوبات خلال القمة الأوروبية المقبلة بدعم من اليونان وقبرص.
وقبل أيام، دعا وزير الخارجية اليونانى نيكوس دندياس، الاتحاد الأوروبى إلى احتواء تصرفات تركيا "المنحرفة والاستفزازية"، مطالبا بفرض عقوبات أوروبية على أنقرة.
وكل ذلك أصبح يصب فى غير صالح انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى الذى باتت امكانية انضمامها للاتحاد من بين المستحيلات، على الأقل فى عهد رجب طيب أردوغان.
ونشرت دويتشه فيله تاريخ العلاقات بين الاتحاد الأوروبى وتركيا، منذ طلب الضم وحتى طلب فرض العقوبات.
فى البداية وقعت تركيا وما كان يعرف بالجماعة الاقتصادية الأوروبية (تكونت حينها من ستة بلدان) اتفاقية اتحاد جمركى عام 1963، وكان من المفروض أن يكون الاتفاق بداية للانضمام الفعلى إلى الجماعة، خاصة مع توقيع بروتوكول إضافى عام 1970 وازدهار التبادل التجارى بين الطرفين، غير أن الحال بقى كما هو عليه، قبل تجميد عضوية تركيا بعد وقوع انقلاب عسكرى فيها عام 1980.
ثم عادت تركيا لتطلب الانضمام مجددا عام 1987، لكن ظهر جليا وجود معارضة داخلية أوروبية قوية لهذا الانضمام، خاصة بعد انضمام اليونان إلى المجموعة عام 1981، ودخولها فى صراع مع تركيا منذ اجتياح هذه الأخيرة لقبرص عام 1975 ثم إعلان أنقرة من جانب واحد قيام جمهورية شمال قبرص التركية عام 1983.
وتأسس الاتحاد الأوروبى فعليا عام 1992 دون تركيا، استمرت هذه الأخيرة فى محاولاتها، واستطاعت إقناع الأوروبيين بتوقيع اتفاقية للتجارة الحرة معها عام 1995، غير أن تفكك الاتحاد السوفياتى ساهم سلبا فى استمرار إبعاد تركيا نظرا لكثرة المرشحين الجدد، قبل أن يتم إعلان أن تركيا ولأول مرة مرشحة فعليا للانضمام، وذلك بعد قمة هلسنكى عام 1999.
ووصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة فى تركيا عام 2003 وكان متحمسا كثيرا للانضمام، غير أن عدة دول أوروبية كالنمسا وألمانيا وفرنسا كانت لها تحفظات كثيرة على عضوية تركيا، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عارضت فكرة الانضمام واقترحت بدلا منها شراكة مميزة بسبب الخلافات مع تركيا حول حقوق الإنسان وقبرص وسياسة أنقرة الخارجية.
ثم وضع الأوروبيون شرط احترام بنود اتفاقية كوبنهاجن أمام تركيا للانضمام، ومن الشروط تنظيم انتخابات حرة واحترام حقوق الإنسان واحترام الأقليات، ولأجل ذلك أعلنت أنقرة عدة إصلاحات منها إلغاء عقوبة الإعدام، بدأت المفاوضات الفعلية للانضمام عام 2005 فى مجموعة من المجالات، غير أن استمرار مشكلة قبرص عجل بوقف المفاوضات، إذ رفضت أنقرة الاعتراف بعضوية قبرص فى الاتحاد.
و بدءا من عام 2013 عادت المفاوضات مجددا، خاصة بعد مغادرة الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى الذى كان معارضا بقوة لفكرة الانضمام، ولم تغيّر ميركل موقفها لكنها أبدت مرونة واضحة، بيدَ أن تركيا وضعت هى الأخرى شروطها المالية الخاصة لاسيما مع تحملها موجة اللاجئين، وجاء قمع مظاهرات ميدان تقسيم 2013 ليوقف المفاوضات مرة أخرى.
ولم تجانب المفوضية الأوروبية الواقع عندما قالت عام 2019 أن آمال انضمام تركيا إلى الاتحاد تلاشت، فلا أحد من الطرفين بات متحمسا للفكرة، حيث أخذ أردوغان خطوات وصفها قادة من الاتحاد بأنها "استبدادية" خاصة مع تقارير حقوقية عن تراجع الحريات فى البلد، وأبعد ملف اللاجئين الطرفين أكثر، ثم جاء النزاع فى شرق المتوسط بين تركيا من جهة واليونان وقبرص وفرنسا من جهة ثانية ليعدم تقريبا الفكرة.