استجاب الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير الأهرام، لطلب زوجة الكاتب المفكر توفيق الحكيم، والكاتب الدكتور حسين فوزى، مؤلف كتاب «سندباد مصرى.. جولات فى رحاب التاريخ»، بالتدخل لإصلاح العلاقة بين «الحكيم» وابنه «إسماعيل»، المطرود من البيت بقرار من الأب، نتيجة عدم التزامه بسداد السلفة التى حصل عليها من الأب وقيمتها 11 ألف جنيه، لشراء آلات موسيقية لفرقة «الجاز» التى كونها.
كان «الحكيم» وقتئذ كبير الكُتاب فى «الأهرام»، و«هيكل» رئيس تحريرها، وبين الاثنين علاقة ود ومحبة تسمح لـ«هيكل» بالتدخل فى أمر عائلى يخص «الحكيم»، وأسفر تدخله هذه المرة عن مقال طويل كتبه «الحكيم» فى الأهرام يوم 19 ديسمبر، 1969 بعنوان «تلاقى الأجيال» راجع، ذات يوم، 19 ديسمبر 2020».
يكشف «هيكل» فى حواره الطويل ليوسف القعيد فى كتاب «محمد حسنين هيكل يتذكر.. عبد الناصر والمثقفون والثقافة»، أنه دعا «الحكيم» لمكتبه، وطلب من الدكتور فؤاد إبراهيم، المدير العام للأهرام، أن يرسل له شيكا بمبلغ خمسة آلاف جنيه باسم توفيق الحكيم، يتذكر: «دخل علىّ الحكيم وأنا أمامى الشيك باسمه، قلت له: عندى لك مشروع مقالة تكتبها، شرحت له فكرتى، قائلا: أنت فى قصصك الأولى عن دنيا العوالم القديمة، كانت عندك مواهب فنية، وكان نفسك أن تضرب العود، وتمارس الفن من أوسع أبوابه، لكن هذا لم يتحقق لك من قبل، قال: هذا صحيح.. أكملت قائلا له: كل هذا تحقق فى ابنك إسماعيل».
يتذكر «هيكل»: «ما إن سمع اسم إسماعيل، حتى صاح: ماتجيبش سيرته، قلت له: اسمعنى حتى الآخر، إسماعيل عمل فرقة و...، قاطعنى: فلوسى أكلها»، يضيف هيكل: «طلبت منه الصبر حتى انتهى مما أقول، وقلت له: أقترح أن حسين فوزى وأنا ومعكما ومن تشاء دعوته من الناس نذهب من أجل مشاهدة إسماعيل وهو يعزف، إسماعيل وفرقته تضرب موسيقى من النوع الذى يقدمه، وهو نوع مختلف لم يخطر على بالك من قبل، ثم تكتب أنت عن هذه الموسيقى مقالة».
صاح «الحكيم»: «أبدا، أبدا، يستحيل»، فرد «هيكل» بهدوء: «أليست ثورتك بسبب ضياع فلوسك منك؟ ستأخذ فى المقالة خمسة آلاف جنيه، ولو كتبت مقالين أوثلاثة فى الموضوع، تعوض فلوسك التى ضاعت منك».
استمر «هيكل» فى مناورته، واستمر الحكيم فى رفضه المؤهل للتراجع منذ أن سمع مبلغ الخمسة آلاف جنيه، وأخيرا حسم قبوله حين نادى «هيكل» إلى مديرة مكتبه نوال المحلاوى، قائلا: خدى الشيك ده، أبوخمسة آلاف جنيه باسم توفيق، وقولى لفؤاد إبراهيم يلغيه ويرجعه تانى»، فهب الحكيم طالبا الانتظار.
أخذ «الحكيم» الشيك ووضعه فى جيبه، وذهب لمشاهدة وسماع عزف ابنه، واصطحب معه الفنان صلاح طاهر باعتباره أستاذ إسماعيل فى معهد السينما، ويوسف إدريس الأقرب إلى الشباب وقتئذ، وعاد الولد إلى البيت، وعاد «الحكيم» إلى الأهرام ليكتب مقاله، الذى عبر فيه عن تلك الحالة التى كان فيها غير مرحب بأن يكون ابنه موسيقيا، بينما تقدم الأم كل المساعدة لولدها، ثم تسليمه بذلك مضطرا، وحالة القلق التى انتابته وهو ذاهب ليسهر الليل لمشاهدة العزف، ويتحدث عن مشاعره حين لفت نظره الرفاق الذين كانوا معه إلى إسماعيل وهو يحمل جيتاره ويعلق ساكسفونه، وينتقل بينهما عازفا.
كتب «الحكيم» مشاهداته لابنه وفرقته الموسيقية، معبرا عن سعادته بما رآه، ومعترفا بخطئه فى نظرته إلى ابنه وفرقته التى تمثل جيلا آخر، مسترجعا حالة والده هو فى التعامل معه، وعبر مقارنة بينهما تحدث عن الفرق بين جيله وجيل ابنه، والسلطة الأبوية التى يضيق بها الأبناء، يقول: «النصح والإرشاد، والموعظة وغيرها من الكلمات التى يستخدمها الجيل القديم، أصبحت فى نظر الشباب مثيرة للسخرية ومرادفة للتسلط والاستعلاء، مهما تكن فيها من رغبة النفع ونية الإصلاح، لقد كان ابنى يصمت أمامى تأدبا كلما بذلت له النصيحة والموعظة الحسنة فى أمور تخصه وتهمه، لكنه ما يكاد يتركنى حتى يهمس للآخرين: إنه يريد أن يمارس سلطته الأبوية».
يوصى «الحكيم»: «لا بد من تغيير وسائل الاتصال لجيل الشباب ولابد من تعديل طريقة محادثته، والبحث عن لغة جديدة وأسلوب جديد للتفاهم معه، وأول شىء يجب أن نتجنب مخاطبته من فوق أسوار حصوننا القديمة، يجب أن نترك عالمنا ونذهب إليه فى عالمه، ففكرة مراحل العمر المتصلة اتصال درجات السلم، المؤدية إلى قمة تشرف وتسيطر على بقية الدرجات، هى فكرة لم يعد لها اليوم قبول، والمقبول اليوم هو أن لكل مرحلة شخصيتها وذاتيتها وقوانينها ولغتها ومفهوماتها».