كانت المرافعات فى محكمة «جنح بولاق» يوم 13 ديسمبر 1989، مبارزة من أجل الحقيقة فى القضية التى رفعها أحمد أبوالفتح، ضد محمد حسنين هيكل و«الأهرام»، يطالب فيها بتعويض 30 مليون جنيه، كرد اعتبار لشقيقه محمود، «توفى 15 أغسطس 1958»، مما اعتبره سبا وقذفا وجهه إليه هيكل فى كتابه «سنوات الغليان»، ونشرته «الأهرام» على حلقات خلال عام 1989، وذكر هيكل بالوثائق دوره مع بريطانيا وفرنسا ضد مصر، قبل وأثناء العدوان الثلاثى عام 1956.. «راجع، ذات يوم، 31 ديسمبر 2020».
وتابعت الصحف العربية والمصرية يوم 1 يناير، مثل هذا اليوم 1990، مرافعات الطرفين، وكان «الحضور الوفدى» فيها لافتا، فأحمد أبوالفتح أحد رموز حزب الوفد بقيادة فؤاد سراج الدين، ومحاميه هو الدكتور نعمان جمعة أحد أبرز قيادات الحزب، وجريدة الوفد فتحت صفحاتها لأحمد أبوالفتح ليشن هجوما منها شمل قذفا ضد هيكل وعبدالناصر، فى المقابل كان الدكتور عبدالمنعم الشرقاوى عضو الهيئة العليا للحزب، ضمن هيئة الدفاع عن هيكل مع الدكتور يحيى الجمل، والدكتور إبراهيم صالح وعلى الشلقانى.
فى تحقيقه الموثق «السيرة الحائرة.. أسرة أبوالفتح بين التخوين والتكريم»، فى «المصرى اليوم، 3و4 و5 أبريل 2020»، يذكر كاتبه الزميل عبدالله سالم، أن هيكل كشف فى برنامجه «مع هيكل» على فضائية «الجزيرة» عام 2007 اتصال «الشرقاوى» به مبديا استعداده لأن يكون محاميه، فوافق، قائلا: «عبدالمنعم الشرقاوى قال لى: أنا مستعد أبقى محاميك إذا قبلت، فرحبت به جدًا لسبب أساسى كمان جنب كفاءته، وهو كان عضوا فى الهيئة العليا لحزب الوفد، وطبعًا الأستاذ أحمد أبوالفتح غضب غضبًا شديدًا أنه يرى أحد أعضاء الهيئة الوفدية يكون محاميا عنى».
رفعت هذه «الخلطة الوفدية» درجة الاهتمام بمرافعات الطرفين.. ويذكر «سالم» مقتطفات منها، حيث ركز «جمعة» على سرد «أمجاد أسرة أبوالفتح وتضحياتهم»، وفى المقابل رفض الشرقاوى أن يتحدث أحد نيابة عن محمود أبوالفتح، ورفض مطالب أحمد بتعويض أدبى عن شقيقه «لأنه متوفى».. ودعا إلى «استبعاد جريمة خدش العائلات، لأن هذه الجريمة خاصة بنشر الفضائح أو العلاقات المشبوهة فى العائلات، وهو ليس موضوعنا، أما الوقائع المطروحة فرغم أنها منسوبة كلها لمحمود أبوالفتح، ويمكن استبعادها إلا أننا سنتعرض لها لأن الأستاذ هيكل حين رواها نقلها عن الوثائق الرسمية المثبتة، فضلًا عن إقرار الخصوم بصحة هذه الوقائع».
عدّد «الشرقاوى» بعض الوقائع، ومنها إنشاء إذاعة صوت مصر الحرة «أسسها محمود أبوالفتح».. وقال: «هم يقرون بصحة هذه الواقعة، والخلاف هو حول سبب إنشاء هذه الإذاعة وسبب إلغائها، ويكفى القول إنها أنشئت قبل عدوان 1956، عندما اشتد الخلاف بين مصر وفرنسا بسبب موقف مصر من ثورة الجزائر، وتأميم قناة السويس، ويقال أيضًا إنها أغلقت بطلب من إسرائيل عام 1962»..ويضيف «الشرقاوى»: «معنى ذلك إن صح أن إسرائيل كانت راضية عن هذه المحطة، ولا يجوز أن يقال إن هذه المحطة كانت ضد النظام الحاكم فى مصر وليست ضد مصر، لأنه حين يقع العدوان بالحرب من دولة تأوى هذه الإذاعة فإن كل ما يوجه إلى النظام هو ضرب ضد الدولة».. وأضاف: «يصبح من الصعب التفرقة بين النظام والدولة، وإلا فليقل لنا ماذا كان يذيع أثناء العدوان الثلاثى، وأثناء الغارات الجوية التى كانت تدق المدن المصرية وتقتل الأبرياء».
وأضاف الشرقاوى: «إن وصف ما كانت تقوم به «إذاعة مصر الحرة» فى ذلك الوقت نعجز عن بيانه حتى لا يغضب أحمد أبوالفتح، ولا يعفيه من هذا الوصف ما تحدث عنه محاميه من مواقفه ضد الاحتلال الإنجليزى».. واصل «الشرقاوى»: «أما واقعة التقارير التى كان يقدمها محمود أبوالفتح إلى الحكومة البريطانية، فيكفى الأستاذ هيكل التثبت من صحتها لأنه حصل عليها من دار الوثائق البريطانية التى وثقتها وشهدت بصحتها، ولا يستطيع أى إنسان أن يتلاعب بمثل هذه الوثائق، فكلها تنطق بطلب من «لجنة مصر الحرة» التى كونها محمود أبوالفتح بقطع المعونة عن الشعب المصرى ليثور على عبدالناصر».
وقضت المحكمة بحبس أحمد أبوالفتح وتغريمه بعدما تأكد لها صحة الوثائق بختم دار الوثائق البريطانية، والتى نشرها هيكل وتدين محمود أبوالفتح، ويذكر الكاتب الصحفى عبدالله السناوى فى كتابه «أحاديث برقاش، هيكل بلا حواجز» أن فؤاد سراج الدين، سأل هيكل: «محمد..أنت عاوز تحبس أحمد أبوالفتح ولا إيه؟».. رد: «إطلاقا».. قال سراج الدين: «طيب هتعمل إيه فى الحكم بحبسه؟.. تعالوا عندى ونخلص هذا الموضوع وكفاية كده».. رد هيكل: «لن أتصالح، وإذا لم يستأنف أحمد، أعدك بأن الموضوع سوف ينتهى».. ويعلق السناوى: «هكذا أغلقت القضية فى جانبها الجنائى، ويبقى للتاريخ سؤاله فى جانبها السياسى».