على موقعِها الإلكترونى الرسمى، تعرض "الهيئة العامة للاستعلامات" – بِوَصفِها (جهاز الإعلام الرسمى والعلاقات العامة للدولة) - مجموعةً من المهام الأساسية التى تضطلع بتنفيذها، نتوقف عند أهمها، نظراً لارتباطها المباشر بموضوع هذا المقال؛ وهى المهمة الرابعة، التى يَصِفُها موقع الهيئة على النحو التالي: "توفير مصدر للمعلومات الدقيقة والصحيحة والحديثة عن مصر، فى مختلف المجالات، كالتاريخ والحقائق الأساسية والنظام السياسى والسياسة الخارجية والثقافية، والمجتمع والفنون والاقتصاد والسياحة وغيرها، وذلك عبر موقع الهيئة على شبكة الانترنت، باللغات العربية والانجليزية والفرنسية، لتكون متاحة لكل من يحتاج إليها فى كل مكان من العالم، كما يتم إصدار مطبوعات عن هذه الموضوعات باللغات المختلفة".
غير أن استعراض عددٍ من المواد الإعلامية والتوثيقية، التى يطرحها الموقع الإلكترونى الرسمى للهيئة، من خلال روابِطِه المختلفة، للتعريف بأعلام مصر، من الرواد والنجوم والأفذاذ فى مجالات الإبداع الفنى والأدبي، سرعان ما يُبَرهِن على اشتمالِها على مواد تُجانبها الدقة بدرجةٍ كبيرة، وتحتاج إلى إعادة المراجعة والتدقيق والتصويب، كيلا تؤدى إلى إلقاء ظلال الشك على مصداقية هذا الموقع المهم، وبخاصّةٍ لدى من قد يتصفحه من ذوى الدراية بالفنون والآداب المصرية الحديثة، وكذلك – وهو الأهم – كيلا تكون سبباً فى تزويد غير المتخصصين من متصفحى الموقع بمعلومات تُجانبها الدقة.
تَتَّضِح هذه الظاهرة تماماً عند تَصَفُّح روابط القسم المخصص لأعلام الفن التشكيلى على موقع الهيئة؛ إذ يتضَمَّن هذا القسم مجموعة من المُفارَقات والأخطاء التوثيقية اللافتة للانتباه. يتبَيَّن ذلك على الفور حين نرى السيرة الذاتية للفنان المصرى الشهير "عمر النجدي"، وقد تَصَدَّرَتها صورة لا تَمُتُّ للفنان بصِلة، بِرَغم كونها صورة إحدى الشخصيات المعروفة فى سياق الفن التشكيلى العربي؛ إذ إنها ببساطة صورة الأستاذ "هشام قنديل"، مدير "أتيليه جدة" للفنون بالمملكة العربية السعودية، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة "ضَى العرب" الفنية بالقاهرة!
إضافةً إلى ذلك، فإن متصفح هذا القسم سرعان ما تنتابُه الحيرة أمام النَصّ المكتوبة به سيرة "النجدى"، المصحوبة بصورة "هشام قنديل"؛ إذ لا نعلم على وجه التحديد طبيعة اللغة التى كُتِبَ بها هذا النَصّ، لننتَبِه لاحقاً لِكَونِه نَصاً مُشَفَّراً، ظهرت الحروف العربية فيه على هيئة رموز وعلامات، ربما بسبب مشاكل تقنية تتصل بعمليات الإدخال والبرمجة الخاصة بالموقع نفسه. وقد تكرر ذلك فى جميع الصفحات التى تُطالِع زُوّار هذا القسم دون استثناء، بحيث لا يمكن التحَقُّق من أية معلومة واردة، فضلاً عن فهم المكتوب من الأساس:
يتكرر الأمر نفسه فى السيرة الذاتية للمُصَوّر الفَذّ الراحل "سيف وانلي"؛ والتى بمجرد الضغط على رابطها، تطالعك صورة أحد المواطنين الشُرَفاء المحترمين، باعتبارِه الفنان السَكَندَرى الشهير! بالإضافة إلى نَصٍّ مُشَفَّر لا يختلفُ عن سابِقِه فى الغموض:
ثم تأتى صورة أخرى ملونة، يبدو فيها شخصٌ مُسِنّ، وقد انحنى إلى جوار لوحةٍ، يبدو فوق سطحِها تكوينٌ لبعض ثمار الفاكهة. والمطلوب من زائر الموقع أن يتعامل مع هذه الصورة، باعتبارِها صورةً شخصية للرائد الراحل "يوسف كامل"، أحد أقطاب الجيل الأول من فنانى مصر، وأن يتولى فك شفرة النَصّ المصاحب للصورة التى لا تنتمى للرائد العظيم ولا تمثله:
إن هذه النماذج من الالتباس التوثيقى الواضح، توحى بأن من أُوكِلَت إليه – أو إليهم - مهمة هذا التوثيق من غير المتخصصين فى الفنون، لدرجة الخلط بين شخوص بعض مشاهير الفنانين، وبعض آخرين من المنتمين إلى المجال، ولدرجة إحلال صُوَرِهِم الشخصية بعضها مَحَلَّ بعض. وفى كل الأحوال، فإن أمثال هذه النماذج من الأخطاء، تؤدى إلى أن يميل تخمين زائر الموقع إلى أن القائم – أو القائمين – بإعداد المادة العلمية لهذا القسم، وإدخال البيانات والصور به، قد لجأوا على الأرجح للاعتماد على البحث فى شبكة الإنترنت، بكتابة أسماء هؤلاء المشاهير، وانتقاء صورٍ من بين التى تظهر مصاحبةً لنتائج البحث، اعتماداً على الحَدس والتخمين.
فإذا ما تغاضَى زائر الموقع عن ذلك كلِّه، وكان ممن لهم دراية بتاريخ الفن المصرى الحديث، فسوف يتبادر إلى ذهنِه على الفور سؤال منطقي: هل هؤلاء فقط هم أعلام مصر فى الفنون التشكيلية؟ هل أعلام مصر فى مجال الفنون البصرية، على امتداد ما يزيد على مائة وثمانية من الأعوام، وعلى اختلاف الأجيال والتحولات التى طرأت على هذا المجال، هم فقط الثلاثين اسماً الواردة على الموقع فى هذا القسم؟
ولو جاز أن نفترض أن هؤلاء الثلاثين هم من يُلَخِّصون تاريخ الفن المصري، فَمَن اختارَهم؟ وعلى أى أساس وأية معايير جرى هذا الاختيار؟ أليس من الغريب أن تغيب عن قائمة أعلام مصر فى الفن التشكيلى – من وجهة نظر موقع "هيئة الاستعلامات" - أسماء بِوَزن "محمد حسن"، و"أحمد صبري"، و"عبد الهادى الجزار"، و"حامد سعيد"، و"عفت ناجي"، و"صلاح عبد الكريم"، و"حسن سليمان"، و"عبد الهادى الوشاحي"، وعشرات غيرهم مِمَّن أسهموا فى تشكيل الوعى الجمالى المصرى – لن أتناول هنا أمثلة لأسماء المشاهير والبارزين من الأحياء كيلا أُغفِل أحداً – فى الوقت الذى نرى فيه اسمَين ضِمن الأسماء الموصوفة بـ(الأعلام)، لم يُسَجَّل لهما - مع كامل التقدير والاحترام لشَخصَيهِما – تراكُمٌ إبداعى يستوجب إطلاق هذا الوصف التاريخى (العَلَم) على المبدع؟
غير أنه من الواضح أن مسألة وضع معايير، لاختيار من يُمَثلون الإبداع المصرى على موقع هيئتها الرسمية للاستعلامات، لم تشغل بال أحدٍ من المَنوط بِهِم هذا الأمر، بل ويبدو أن أحداً لم يتبادر إلى ذهنه إجراء مراجعة لتصنيف الأسماء، لتفادى مفارقات الخلط بين مجالات الإبداع والفكر؛ وهو ما يتبيّن بوضوح فى قسمٍ آخر، هو قسم الأدب، الذى قد تندهش حين تقرأ بين أعلامِه أسماء كلٍ من: الصحفى والمفكر السياسى الشهير الراحل "أحمد بهاء الدين"، والمثقف الموسوعى ووزير ثقافة مصر الأسبق الراحل "ثروت عكاشة"، والرائدة الصحفية والممثلة المسرحية الراحلة "روزاليوسف"، ورائد علم الاجتماع الراحل الدكتور "حسن الساعاتي"، والآثارى الشهير الدكتور "حسن الباشا"، وعالم الفيزياء والرياضيات الدكتور "مصطفى نظيف"، والصحفى وناقد الفنون الراحل "كمال الملاخ"، والصحفية وكاتبة الأطفال الأستاذة "نعم الباز"، باعتبارهم أدباء، بل ويساوون فى إبداعهم (الأدبي) كلاً من: "المازني"، و"العقاد"، و"إحسان عبد القدوس"، و"نجيب محفوظ"، و"توفيق الحكيم"، وغيرهم من أساطين الأدب المعروفين!
إن أمثال هذه المُفارَقات لا يمكن إلا أن تُلقى فى روع المتصفح لهذه الأقسام على موقع الهيئة، أنه لا توجد لجنة استشارية علمية، أو خبراء متخصصون، يُرجَع إليهم عند إعداد المواد الوثائقية والتعريفية، الخاصة بِسِيَر الأعلام والمبدعين المصريين الواردة أسماؤهم على هذا الموقع؛ لأنه إذا فُرِض وجود هذه الهيئة من ذوى الخبرة والمرجعية التخصصية، لَما كان من الوارد حدوث مثل هذا الخلط، فى التصنيف والمحتوى، ولما كان من الممكن ورود أمثال تلك الأخطاء، فى العديد من البيانات المنشورة، بما فيها صور بعض مشاهير الفنانين، كما مَرّ بنا فى الأمثلة السابقة.
لقد أتى على هيئة الاستعلامات حينٌ مِن الدهر، كانت ترجع فيه إلى طائفة من المتخصصين الخبراء فى شتى فروع الثقافة، معتمدةً عليهم فى أمور إعداد المواد العلمية والوثائقية، والدراسات، والمطبوعات، التى كانت تصدُر عنها آنذاك، قبل ظهور شبكة الإنترنت، والتى كانت تقدم أعلام الثقافة المصرية خير تقديم.
ولعل عدداً كبيراً من نقاد الفن المصرى ومؤرخيه ودارسيه، لا يزالون يذكرون بعض تلك المطبوعات الرشيقة، التى كانت تصدرها الهيئة، لتوثيق سِيَر أعلام الفن التشكيلى المصري، وتقديم أعمالهم المهمة فى إخراجٍ جيد – بمقاييس تلك الفترة – من خلال دراساتٍ ونصوصٍ دقيقة، تجمع بين طلاوة الصياغة وعُمق المضمون، كان يتولى تحريرها وكتابتها مشاهير النقاد والمؤرخين آنذاك؛ أمثال "بدر الدين أبو غازي"، و"نعيم عطية"، وغيرهما من أصحاب الدراية بتاريخ الفن المصرى وتحولاته وأعلامه.
إن من حق مصر على مؤسساتِها أن يُقَدَّم إبداعُها على نحوٍ أكثر مَوثوقِيّةٍ، ولاسِيّماً إذا كان هذا التقديم مطروحاً من خلال موقعٍ رسمى لهيئةٍ بِوَزن "الهيئة العامة للاستعلامات"، ترتبطُ فى الوعى العام بالمصداقية والدقة، ويَستَقى منها القاصى والدانى معلوماتٍ ترسم ملامح وجه مصر الحديثة. فلا أقَلَّ من أن يجرى تدقيقُ المعلومات الخاصة بأعلام مصر المبدعين على هذا الموقع المهم، وأن يُرجَع للمتخصصين فى تاريخ الفن المصري، وللأكفاء من الخبراء والأكاديميين فى سياقاته، لضَبط سِيَر هؤلاء الأعلام، ووضع معايير الاختيار والتصنيف لِمن يمثلونهم، وأن يُختارَ هؤلاء الأعلام وفق منهجٍ واضح المعالم، أُسوةً بزملائهم من أعلام الشخصيات التى يقدمها موقع الهيئة، فى ميادين السياسة والقانون والاقتصاد، وبَقِيّة المجالات التى شهدت عطاء أفذاذ مصر فى تاريخها الحديث والمعاصر.
ولعل هذه المراجعة – إذا أُخِذَت بعين الاعتبار والجد – تكون دافعاً لعودة الهيئة إلى سابق نشاطها المحمود فى مجال النشر، لتستأنف مرّةً أخر إصدار سلسلة مطبوعاتها الفنية القَيّمة، وتواصل من خلالها ما كانت قد بدأته من إمتاع الأبصار وإنعاش الأذهان، وسَدّ خلل المكتبة العربية، فى نطاق توثيق سِيَر كبار الفنانين، والتعريفِ ببدائعِ إنجازاتهم.