أصبح عمرو موسى وزيرا للخارجية، يوم 20 مايو 1991، والدكتور بطرس غالى، نائبا لرئيس الوزراء للاتصالات الخارجية، ووزير دولة لشؤون الهجرة والمصريين فى الخارج.. ولم يكف «غالى» عن طلب تقسيم العمل مع موسى، حسب مذكراته «كتابية»، مضيفا: «تحدث فى ذلك مرارا مع الدكتور مصطفى الفقى بصفته سكرتير الرئيس للمعلومات».
وبقى الأمر كذلك حتى تم حسمه قبل زيارة مبارك إلى بريطانيا يوم 23 يوليو 1991.. ويذكر «موسى» أن الزيارة كانت الأولى من نوعها، حيث سيتم استقبال مبارك استقبالا رسميا، وسيقيم فى قصر باكنجهام هو والسيدة زوجته، ووزير الخارجية وزوجته، وقال غالى لمصطفى الفقى: بلغ الرئيس يا مصطفى أنه بعد كل هذه السنوات التى قضيتها فى وزارة الخارجية أحب أن أكون أنا الموجود معه فى زيارتكم لبريطانيا، فكان جواب مبارك: لا، أنا عندى وزير خارجية جديد الآن، ولا بد من تقديمه للدول الكبرى، وبالتالى سيكون هو رقم 2 فى الوفد الذاهب إلى لندن، لا بطرس غالى».
يرى «موسى» أن هذا الرد جعل غالى يعقد العزم على الخروج من وزارة الخارجية، ومن الحكومة كلها، فبدأ يفكر فى الترشح لرئاسة منظمة اليونسكو، لكن «آلهة الحظ كانت معه وجعلته أمينا عاما للأمم المتحدة»، حسب قول الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فى كتابه «كلام فى السياسة، قضايا ورجال».
يذكر هيكل، أن منصب الأمين العام للأمم المتحدة خلا بعد انتهاء مدة الخدمة الثانية لـ«بيرير دى كويلار»، وطالبت الدول الأفريقية أن يكون الأمين العام القادم منها إعمالا لمبدأ تداول المنصب بين القارات، وأيدت الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن هذا، وتقرر على مستوى القمة الأفريقية فى «أبوجا» عاصمة نيجيريا تكليف لجنة خاصة من وزراء الخارجية الأفارقة بوضع قائمة بأسماء خمسة مرشحين تتقدم بهم القارة إلى مجلس الأمن، ليختاروا واحدا منهم يطرح اسمه على الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويضيف هيكل، عندما عرضت قائمة المرشحين لاحظ بعض الرؤساء أن معظم الأسماء من الدول الناطقة بالإنجليزية «الأنجلوفون» مع غياب واضح للدول الناطقة بالفرنسية «الفرانكوفون»، وفجأة تدخل الرئيس الزائيرى «موبوتو»، قائلا أولا: إن هذه القائمة لا بد من تعديلها لتضم مرشحين أفارقة من «الفرانكفون»، ثم أضاف موجها كلامه مباشرة إلى بطرس غالى، قائلا: «وأنت يا بيير ألا تريد أن تضيف اسمك إلى القائمة خصوصا، وأنت فرانكفون وأنجلوفون، وعرب فون أيضا».
يؤكد هيكل، أن غالى روى له هذه القصة بنفسه، قائلا: «إنه فوجئ باقتراح موبوتو وطلب مهلة لأخذ إذن الرئيس مبارك، وبالفعل حاول الاتصال برئاسة الجمهورية فى القاهرة «بالدكتور مصطفى الفقى»، لكن خطوط التليفون لم تستجب، وفى النهاية لم يجد حرجا فى أن يقبل بعرض موبوتو، ويترك اسمه على قائمة المرشحين، على أساس أنه عائد إلى القاهرة، وإذا وافق مبارك فهو خير، وإذا لم يوافق فليس هناك ضرر لأنه يستطيع أن يتصل تليفونيا أو برقيا ويطلب رفع الاسم من القائمة».
يتذكر «موسى»، أن غالى قابل الرئيس بمجرد عودته، واقترح الأمر عليه، ورغم أن مبارك لم يكن واثقا من الفوز إلا أنه وافق، وقال غالى له: الأمر يحتاج ميزانية، ودعمكم بإرسال رسائل ومبعوثين للدول لطلب تأييدهم، فرد مبارك: ارجع لوزير الخارجية.. يؤكد موسى: «جاء إلى بالفعل، ووعدته ببذل قصارى الجهد».
يؤكد هيكل: «القاهرة راحت تدفع التكاليف، وباريس راحت ترسم الخطط وتقوم بالاتصالات، وذلك مما يمكن فهمه وتبريره وقتها لأن بطرس غالى كان أفضل المرشحين الأفارقة بالطبع».. ويذكر «موسى» أن غالى استثمر بأفضل ما يكون الاستثمار علاقته بفرنسا وبالرئيسين، ميتران، وشيراك، وكذلك علاقته الواسعة مع الشخصيات النافذة فى العالم، ممن ينتمون إلى الطبقة الراقية الدولية واسعة النفوذ، بالإضافة إلى دعمنا له فى المناطق التى نستطيع التأثير والحشد فيها ودعم أفريقيا له، ودعم فرنسا له بالذات باعتباره فرانكوفونيا كبيرا، وفاز غالى يوم 12 ديسمبر 1991.. ويعلق موسى: «هو فوز مستحق لشخصية دبلوماسية وعلمية ومفكرة من الطراز الأول».
وتسلم «غالى» مهام منصبه يوم 2 يناير، مثل هذا اليوم، 1992، ويذكر موسى وهيكل واقعة طريفة.. يرويها موسى تفصيلا: «بمجرد توليه منصبه الجديد، قال للدكتور نبيل العربى - كما حكى لى الأخير-الذى كان مندوبا دائما لمصر فى الأمم المتحدة خلفا لى: «شوف بقى يا نبيل، أنا دلوقت على قمة العالم، أنا بطرس «باشا»، عصمت عبدالمجيد يدوب «بِك» أمين عام للجامعة العربية، وعمرو موسى مثله، يا دوب وزير خارجية مصر، أما أنا بقى فبطرس باشا، أنا على رأس العالم كله».