هناك شبه إجماع على أن الفساد أحد أكبر التحديات التى تواجه الدولة المصرية بشكل عام فى الخروج من أزمتها الاقتصادية، ولكن إعلان رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات المستشار هشام جنينة بأن الفساد كلف مصر 600 مليار جنيه عام 2015، جاء بواقع صدمة من هول الرقم المعلن، ولكن الأهم من هذا الرقم كيف تم قياسه؟
وأكد الخبراء أنه من الصعب قياس حجم أو تكلفة الفساد رقميًا، وهو ما طالبوا معه بضرورة إفصاح جهاز المحاسبات عن المنهجية التى تم اتباعها للوصول إلى هذا الرقم وإعلان تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات التى ترصد مخالفات الجهات الحكومية المختلفة دوريًا، كحق للمواطن قبل الباحث أو الاقتصادى فى التعرف على حقيقية ما يحدث بمؤسسات الدولة.
والحديث عن الفساد كإحدى التحديات التى تواجه المجتمع المصرى لم يكن بعيدا عن قياسات الرأى العام، حيث أظهر أحدث استطلاع للرأى على الأسر المصرية أجراه مركز "استطلاع مصر" فى سبتمبر الماضى، أن الفساد ثانى التحديات التى يراها المصريون تواجه الرئيس السيسى.
وقالت الدكتورة عالية المهدى، شريك مؤسس بمركز استطلاع مصر والمشرف على النتائج، إن الاستطلاع بين أن 29% من الأسر المصرية ترى أن الفساد هو أهم تحدٍ يواجه الرئيس السيسى، بينما جاء الإرهاب على رأس التحديات بنسبة 50.1% من الأسر، وباقى التحديات احتلت نسب أقل توزعت بين ضعف أداء الحكومة بنسبة 4.5%، تليها البطالة بنسبة 2% وغيرها من التحديات بنسب أقل.
وقالت الدكتورة عالية المهدى لـ"انفراد"، إن هذه النتيجة تعكس مؤشرات مهمة جدًا، وهى وعى الأسر المصرية بضخامة التحدى، وهو ما يتطلب من الحكومة إجراءات حازمة للتصدى لهذه الظاهرة التى لا تقتصر على مؤسسات الحكومة فقط، وإنما تمتد لكافة القطاعات.
وأشارت الدكتورة عالية إلى أنه من الصعب قياس الحجم الحقيقى لظاهرة الفساد فى مصر، مطالبة جهاز المحاسبات بإعلان منهجية القياس حتى يمكن الحكم من خلاله على صحة هذا الرقم، ولكن على كل الأحوال فمن الثابت أن استمرار هذا الوضع أصبح أمرًا مقلقًا، إذا كانت الحكومة ترغب فى ضخ القطاع الخاص استثماراته سواء المحلى أو الأجنبى.
من جانبه، يرى أسامة دياب، الباحث بمجال الشفافية ومكافحة الفساد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن محاولة قياس حجم الفساد رقميًا أمر صعب للغاية لغياب المعلومات، وهو ما يصعب معه الحكم بدقة الرقم الذى أعلنه رئيس جهاز المحاسبات من عدمه.
وأشار دياب إلى أن الرقم المعلن عن تكلفة الفساد العام الجارى بقيمة 600 مليار جنيه، يوازى ربع الناتج المحلى الإجمالى، وقد يكون الرقم مبالغًا فيه لضخامته، ولكن حتى لو كان حجم الفساد الحقيقى فى مصر أقل من ربع هذا المبلغ فهو يعد كارثة حقيقية.
وعن طبيعة قياس حجم الفساد، أوضح دياب أن ما يمكن قياسه هو حجم التهرب الضريبى وحجم التجنب، والذى يعد أحد أشكال الفساد المالى، لافتًا إلى أن الحكومة أعلنت فى نهاية عام 2014 أن حجم التهرب الضريبى بلغ 68 مليار جنيه ضمن استراتيجية مكافحة الفساد وهو رقم كبير جدا فى دولة تعانى أزمة اقتصادية وأزمة بتوفير العملة الصعبة.
ولا يقتصر تأثير الفساد المالى على هدر الموارد المالية فقط، وإنما الآثار السلبية أكبر بكثير لأنه يخلق بيئة طاردة للاستثمار، ويسبب اضطرابات سياسية، وليس ببعيد أن الفساد كان أحد أسباب الثورة على نظام مبارك فى يناير 2011، حسب دياب.
وطالب الباحث بمكافحة الفساد، بضرورة إعلان تفاصيل تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، خاصة تقريره حول الحساب الختامى للموازنة العامة والذى يعد أحد أهم التقارير السنوية التى يصدرها ويوضح حجم الفساد المالى بموازنة الدولة، وإعلان الجهاز المنهجية التى تم إعلان الرقم على أساسها حتى يمكن الحكم ما إذا كان الرقم حقيقيا أم مبالغ فيه.
واتفق معه الدكتور على عبد الله، أستاذ الإحصاء والخبير بمركز استطلاع مصر لدراسات الرأى العام والبحوث الاقتصادية، فى عدم وجود منهجية معلنة استخدمها جهاز المحاسبات فى قياس هذا الرقم الضخم كتكلفة للفساد عام 2015، مطالبًا بإعلان التقارير والمنهجيات التى استند عليها رئيس الجهاز فى إعلان هذا الرقم.
وتساءل عبد الله: "هل استند جهاز المحاسبات إلى حساب تكلفة الفرصة الضائعة؟"، ضاربا المثل ببيع قطعة أرض فإذا كان ثمنها الحقيقى على سبيل المثال مليار جنيه وتم بيعها بنصف الثمن، فإن هذا يعد أحد أنواع الفساد وأضاع على الدولة نصف مليار جنيه كان يمكن ان تدخل خزانتها.
وأكد أستاذ الإحصاء أن النتيجة التى أظهرها استطلاع الرأى الصادر عن المركز مؤخرا، يعطى مؤشرات وانطباع عام عن القضية، ولكن أن يعلن رئيس المحاسبات تكلفة الفساد بقيمة 600 مليار جنيه العام الماضى فقط، هو مرهون بحقائق يجب أن تعلن للرأى العام.
ومن المنتظر أن يعقد هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات مؤتمرا صحفيا خلال أيام، لإعلان أهم النتائج التى توصلت إليها تقارير الجهاز العامين الماضيين، وهو مطالب بإعلان منهجية قياس حجم الفساد أمام الرأى العام.