نقلا عن العدد اليومى..
إنها أصوات الصلاة.. أذان وترانيم.. لن تسمعها إلا فى بيت واحد فوق صخرة الدويقة، بيت رغم فقره لا يعرف الكراهية الدينية، يحتضن أبًا وأمًا وأربعة أبناء حاملين على صدورهم ذلك الصليب للصلاة من أجل يسوع، تاركين المصحف فى يد ابنهم الصغير «كرم» الذى اختار أن يكون الإسلام دينًا له بعد أن أتم عامه الثالث والعشرين، ليكتمل نموذج التسامح الدينى فى هذا المنزل باعتناق ابنة عم «كرم» الإسلام، بعد أن قررت العيش معهم هى وزوجها المسلم.
فى بيت «عم فايز» تعيش أسرة نصفها مسيحى والباقى مسلم، دون أن تتأثر علاقتهم الإنسانية ببعضهم البعض، قداس وقرآن تعلو أصواتهما داخل هذا المنزل.. «كرم» يتلو الفاتحة على سجادة الصلاة، يسبح باسم الله حامدًا وشاكرًا على نعمة الإسلام، وبجواره والده يشكر ربه قائلاً: «أبانا الذى فى السماوات، ليتقدس اسمك، ليأت ملكوتك.. لتكن مشيئتك».
نقطة التحول داخل منزل «عم فايز» بدأت منذ أن دخل ابنه الصغير «كرم» دورة مياه أحد المساجد فى منطقة الدرب الأحمر، وبمجرد أن سمع الابن كلام الله عز وجل شعر بارتياح لم يشعر به من قبل، على حد تعبيره، يقول «كرم»: «أحببت دين الإسلام وأنا عمرى 15 سنة، وقتها كنت أعمل مع والدى وإخوتى الأربعة فى منطقة الدرب الأحمر، وفى أحد الأيام دخلت دورة المياه فى المسجد المجاور لمكان عملنا، وأول ما سمعت تلاوة القرآن وشاهدت الصلاة أحسست بعدها براحة نفسية كبيرة، وهنا قررت أن أذهب إلى المسجد لكى أستمع إلى القرآن، وأسأل عددًا من المشايخ عن بعض المسائل الدينية، وفى كل مرة كنت أحصل على إجابة واضحة وواحدة ومفهومة، فانشرح قلبى ونطقت الشهادتين».
كان «عم فايز» هو أول شخص أبلغه «كرم» بدخوله الإسلام، ولم يجد الابن سوى الاحترام من قبل والده لقراره بتغيير ديانته، وهو القرار الذى يعتبر بالنسبة لغيره من الأسر المسيحية أو المسلمة سببًا كافيًا لإنهاء علاقة أى شخص بعائلته، إن لم يكن سببًا لإهدار دمه، حيث قال الأب لابنه: « لو إنت شايف إن ده الصح خلاص ربنا يقويك.. الدين لله.. والله هو من يحاسب عباده»، والأمر نفسه بالنسبة لأشقائه الأربعة الذين لم يمنعوه من رغبته.
يضيف «كرم»: بعدها بدأت إجراءات الدخول فى الإسلام، فتوجهت فى سن السابعة عشرة، ولكن تم رفضى من قبل أمن الدولة، وعاودت الطلب مرة واثنتين إلى أن تمت الموافقة على طلبى بعد أن تأكدوا من اقتناعى التام بالإسلام، وبالفعل استطعت تغيير ديانتى فى البطاقة الشخصية وكان عمرى وقتها 23 عامًا، لكننى لم أقم بتغيير اسمى، واحتفظت به كما هو.
دخول «كرم» فى الإسلام تسبب فى صدمة لدى عدد كبير من أقاربه، ما عدا أسرته الصغيرة التى ظلت دومًا تدافع عنه، وهو ما يقول عنه «عم فايز»: «كرم ابنى زيه زى إخواته، كلهم قاعدين معايا فى نفس البيت، وكلنا الحمد لله كويسين مع بعض، مافيش حاجة اسمها مسلم ومسيحى، سواء بينا ولا مع جيرانا، مافيش فرق، وبنهنى بعض بالأعياد، ونتشارك فى الطعام».
بعد دخول «كرم» الإسلام قرر الزواج من فتاة مسلمة، لكن فى البداية رفضت والدته أن يعيش معهم فى نفس المنزل، وهو ما تقول عنه الأم: «بعدها راجعت نفسى، وقلت طيب هيروح فين، مسلم ولا مسيحى هو ابنى، وهافضل أحبه ومقدرش أعيش من غيره، خصوصا إنه أصغر أولادى، وهو أكتر واحد بقلق عليه»، وبالفعل بنى له الأب غرفة صغيرة وصالة داخل المنزل، وفيها أنجب «كرم» طفلين، هما «سلمى» و«محمد»، ولكن بعد ولادة ابنه الصغير «محمد» تعرض لحادث أصابه بإعاقة فى قدمه اليسرى حرمته من العمل مع والده، مكتفيًا بعمله فى إحدى المطابع، حيث يتقاضى مبلغ 600 جنيه راتبًا شهريًا، إلا أن سوء الأحوال المادية دفع الزوجة لطلب الطلاق، وترك طفليها إلى زوجها الذى لم يجد أمامه أحنّ من والديه لتربية الصغيرين، قائلًا: أهلى لم يتركونى، وحتى هذه اللحظة يساعدوننى، رغم ضيق ذات اليد وقلة حيلتهم.
الصغيران «سلمى» و«محمد» لا يتركان جدهما حتى بعد أن تزوج والدهما للمرة الثانية، فهما لا يذهبان معه إلا أثناء النوم فقط، وطوال النهار يجلسان فى منزل الجد يلعبان مع أبناء أعمامهما الذين يعيشون معهما فى نفس المنزل.
الجد والجدة أخذا على عاتقيهما تعليم الطفلين، وتعريفهما الصواب من الخطأ، والاهتمام بكل تفاصيل حياتيهما، لدرجة أن «عم فايز» يقوم بنفسه بتحفيظ الصغيرين سورة الفاتحة، وبعض السور الصغيرة التى يحفظها من القرآن الكريم، وفى الوقت نفسه يقوم بتحفيظ أحفاده المسيحيين آيات من الإنجيل.
يقول الجد: «أنا بحس إن سلمى ومحمد مش أحفادى بس، لا دول أولادى، لأننا ربيناهم من وهما صغيرين، ولو حد فيهم طلب حاجة بجيبها له حتى لو ظروفى مش مساعدة، كل أحفادى عندى زى بعض، وعمرى ما فكرت إن ده مسلم وده مسيحى، ده بيقولى يا جدو وده بيقولى بردوا يا جدو».
ولأن روح التسامح الموجودة فى منزل «عم فايز» غير موجودة فى أى مكان آخر، جاء اعتناق ابنة شقيقه «مريم» للإسلام، ليلقى على «عم فايز» مسؤولية جديدة، خاصة بعد أن رفضت أسرة «مريم» تحولها إلى الإسلام، فلم تجد الابنة أمامها سوى منزل عمها لتعيش فيه، وهو ما تقول عنه «مريم»: «عمى هو أحن رجل فى الدنيا، وكفاية إنه دافع عنى وقال لأبويا دى بنتى اختارت طريقها باعتناق الإسلام، ومقدرش أرميها فى الشارع، ومرات عمى كتر خيرها بتعاملنى زى بنتها، أنا بحبها جدًا، لأنها دايمًا خايفة على مشاعرى، لدرجة إنى لما بصوم رمضان ما بترضاش تاكل وتفضل صايمة معايا».
تحكى مريم نبيل قصة دخولها الإسلام، قائلة: منذ صغرى وأنا فى الصف الثانى الابتدائى كنت أحب سماع القرآن الكريم، لدرجة أننى ذهبت إلى الشيخ الشعراوى، وكان عمرى وقتها 12 عامًا للتأكيد على رغبتى فى دخول الإسلام، لكنه رفض بسبب صغر سنى.
وتضيف مريم: لم أستطع بعدها إخفاء رغبتى عن أسرتى، لكننى كنت صغيرة، فلم يستمع إلىّ أحد إلى أن أجبرونى على الزواج من والد ابنى «رومانى»، لكننى لم أستطع استكمال حياتى على هذا النحو، وغادرت منزل الزوجية، وبعدها أشهرت إسلامى، وحصلت على الطلاق، ولكن زوجى أخذ ابنى الذى يبلغ من العمر الآن 10 سنوات، وهو مسيحى الديانة كوالده، والآن أنا متزوجة من رجل مسلم أكرمنى هو وزوجته الأولى التى لم تعاملنى إلا بكل حب واحترام، لدرجة أنها عرضت علىّ كل مصوغاتها الذهبية حتى أستطيع الحصول على شقة أعيش فيها بدلًا من العيش فى منزل عمى، نظرًا لضيق الحال، قائلة: « قررت العيش فى منزل عمى، وزوجى يأتى إلىّ أكثر من مرة فى الأسبوع، وهنا أشعر بالأمان وسط أهلى، فلا يوجد فرق بين مسلم ومسيحى».