تزداد حدة الاشتباكات على الحدود السودانية الاثيوبية هذه الايام، وتتصاعد وتيرة الأحداث بشكل ينذر بمواجهة مباشر بين الدولتين وذلك بعد اختراق طائرة عسكرية للحدود السودانية أمس الأربعاء، علاوة على مقتل 4 مزارعات وطفل من جانب الملشيات الاثيوبية مما جعل الفريق عبد الفتاح البرهانى رئيس المجلس العسكرى للمرة الثانية منذ اندلاع الأحداث لتفقد أحوال قواته وإرسال رسائل بأن القيادة السودانية تقف خلف قواتها فى الحفاظ على أراضيها من أى تعديات إثيوبية.
وتمثل منطقة الفشقة التى تدور الاشتباكات بشأنها ووفق لاتفاقية عام 1902 بين البلدين بأنها أرض سودانية وكأنت أديس أبابا تعترف بأنها أرض سودانية قبل اندلاع الأحداث لكنها الآن تريد أن تجعلها فى منطقة النزاع الحدودي وهذا ما ينفيه تمام الجانب السودانى مسنودا بوثائق يمتلكها بما فيها الاتفاقية التاريخية وتلتها اتفاقية تأكيد عليها عام 1972، وتوالت الأحداث بعد ذلك بين الدولتين بالإقرار بلجنة لترسيم الحدود المتفق عليها فى الاتفاقيات حتى جاء انعقاد اللجنة الأخير بعد ايام من اندلاع الأحداث الجارية عقب زيارة لرئيس الوزراء السودانى عبد الله حمدوك إلى أديس أبابا اتفق خلالها مع رئيس الوزراء الاثيوبى ابى أحمد على، ضرورة انعقاد اللجنة إلا أن الوفد الإثيوبى المفاوض لاجىء الاجتماع بعدم الاعتراف بالحدود مما دعا الوفد السودانى الى رفض الاجتماع وتأجيل انعقاده مرة أخرى.
وتعد منطقة الفشقة أراضى سودانية صالحة للزراعة يستغلها مزارعون إثيوبيون فى استثمارات زراعية بلغت الو الان 2 مليون فدان ويساعد هؤلاء المزارعون ميلشيات " الشفته" لحمايتهم وحماية زراعتهم فى هذه المنطقة وبعد زيادة هذه الاستثمارات عامل بعد عام عن طريق مزارعين يتبعون لإقليم الأمهرة الاثيوبى بان من الصعب اخراجهم من هذه المنطقة مع اعتقاد الأمهرة الاثيوبية بان الفشقة وحتى ولاية القصارف نفسها شرق السودان هى أرض أجدادهم وهنا تتعقد المشكلة نتيجة لأن الأمهرة الآن هى التى تتحكم فى مقاليد الحكم فى اثيوبيا، ورئيس الوزراء الاثيوبى ابى احمد وقيادات من الجيش نفسها.
هذه المشكلة الحدودية لم تكن وليدة اللحظة بين البلدين فكانت تحدث اشتباكات من ان لآخر بين المزارعين الاثيوبيين واصحاب الارض السودانيين لكن كان القرار السياسي السودانى فى عهد النظام السابق يأتى باردا ويحتوى الامور التى كانت تتفاقم فى موسم الحصاد ثم تعود للهدوء مرة أخرى ويرجع الخبراء هذه الموقف السياسي فى عهد النظام السابق بقيادة البشير فى هذه القضية الى أن اثيوبيا كانت استغلت حادث محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك على أراضيها عام 1995 وتوغلت فى الحدود السودانية ما قابله اتفاق خفى من جانب الخرطوم بأنها يمكن ان تترك هذه المنطقة للمزارعين الاثيوبيين للاستفادة منها مقابل عدم التصعيد الدولى لمحاولة اغتيال مبارك.
واستمرت الامور على هذه النحو حتى اشتعل الصراع الاثيوبى - الاثيوبى بين الحكومة الفيدرالية الاثيوبية وجبهة تحرير التجارى ما أدى الى لجوء حوالى 60 الف لاجىء إثيوبي الى ولاية القضارف السودانية والتى أقع منطقة الفشقة ضمن حدودها الشرقية للسودان، ما جعل الجيش السودانى يكثف من انتشار قواته على الحدود لمنع تسلل اى عناصر مسلحة مع اللاجئين الى السودان وحتى يقطع الطريق على أن تكون الاراضى السودانية تمركزا لمزيد من الاشتباكات الداخلية فى اثيوبيا ومع مزيد من تكثيف القوات السودانية على الحدود وتمشيطها والتصدى لأى تفلتات من ميلشيات " الشفته" قامت قوات اثيوبية أكدت المعلومات انها قوات قوات نظامية وليست عصابات فى احداث كمين للجيش السودانى راح ضحيته عدد من العسكريين السودانيين مما جعل الجيش السودانى ينتشر على كل شبر من أراضيه فى الفشقة ما فسرته اثيوبيا بانه استغلال للاوضاع الداخلية وتصاعدت الأحداث والتصريحات المغايرة للجانب الاثيوبى بان الجيش السودانى يتوغل فى الاراضى الاثيوبية منسحبة بذلك من اعترافها بترسيم الحدود مبررة بان هذه الاتفاقيات وقعت فى عهد الاستعمار البريطاني لمصر والسودان الذى أجبر اثيوبيا عليها، وهنا يوضح بأن اثيوبيا قد وقعت فى فخ قانوني بعدم الاعتراف باتفاقية 1902 وأنها بذلك تعترف بان اقليم بنى سنقول الاثيوبى تابع للسودان ففى نفس هذه الاتفاقية يوجد ما ينص على أن الفشقة تابعة للحدود السودانية فى مقابل إعطاء اقليم بنى شنقول لاثيوبيا وأيضا فى نفس هذه الاتفاقية ما ينص على انه ليس من حق اثيوبيا اقامة اى مشروعات على النيل الأزرق دون اتفاق مسبق مع مصر والسودان وهو ما خالفته اثيوبيا وتحاول الان التنصل منه.
الحكومة السودانية بعد ان سيطر الجيش السودانى على أراضيها فى الفشقة وبعد تصاعد الأحداث تسعى الان للتنوير بما يحدث دبلوماسيا واعلاميا وأرسلت وفودا الى اريتريا وجنوب السودان وتشاد والسعودية واليوم هناك وفد سودانى فى القاهرة للتنوير بما يحدث على الحدود الشرقية للسودان وذلك بوضع دول الجوار والدول الصديقة على خطورة التصعيد من الجانب الاثيوبى الذى ينذر بحرب على الحدود يدافع فيها السودان عن أراضيه .
اثيوبيا من خلال تصريحات مسئوليتها تلمح من آن لاخر
هو الذى يريد إشعال الفتنة بين البلدين وَمِمَّا لا شك فيه أن الحرب لو اندلعت بين البلدين سيكون لها انعكاسات خطيرة على المنطقة ودوّل الجوار وعلى أمن البحر الاحمر الاستراتيجى ويجعل المنطقة غير مستقرة وعى صفيح ساخن وساحة للصراع تخلق مجموعات منفلتة وقد تكون منطقة جذب للتطرف والعصابات المسلحة التى أمن المنطقة وخصوصا ما بين الصومال وإثيوبيا " التى يتواجد بها مجموعات ارهابية وشباب الإسلاميين"، كما أنه يهدد الدول المتشاطئة على البحر الأحمر بأكمله لذلك لابد من تضافر الجهود كافة لاحتواء شرارة النزاع قبل أن تنفجر فى وجه المنطقة بأكملها.
ولا شك أن هذه الازمة لها ارتباطات من قريب او من بعيد بملفات ذات صلة بين البلدين وعلى رأسها سد النهضة والذى شهد انزعاج من الخرطوم فى الفترة الاخيرة لتعنت اثيوبيا للتوقيع على اتفاق ملزم على اصرارها على نيتها للملء الثانى بشكل منفرد بما يؤثر تأثيرا خطيرا فى المقام الاول على السدود السودانية بعدما حدث من خسائر فادحة جراء الماء الاول على السودان ما أدى الى خروج المحطات السودانية عن العمل وادى الى الفيضان الذى دمر كثيرا فى المناطق السودانية وبالتالى من المؤكد أن هذا الملف سيكون من أوراق الضغط التى سيتم اللعب بها في الحرب لو وقعت بين البلدين بالاضافة الى كارت اخر لا يقل أهمية بالنسبة للسودان عن ملف سد النهضة وهو الحرب الداخلية الاثيوبية والتى قد تجبر السودان للاستطفاف تجاه اقليم التجارى ضد الحكومة الاثيوبية .
ويبقى أن البلدين ليس أمامهما الا طريق واحد يضمن سلامة المنطقة وهو الرجوع مرة أخرى الى طاولة الحوار وخاصة ان الأوضاع الداخلية فى البلدين والتى تشهد فيها اثيوبيا حرب أهلية طاحنة ويشهد فيها السودان حالة من السيول السياسية بعد التحول الكبير الذى حدث بعد ثورة ديسمبر التى أطاحت بنظام البشير ما يجعل كفة الحرب لا تميل لأى منهما فى ظل هذه الأوضاع المعقدة.