كم مصاب وكم متوفى؟.. سؤال بات روتينيًا منذ حل فيروس كورونا على العالم، وأصبحت مشاهد الدفن وزيارات المقابر جزء من حياة آلاف الأسر ممن فقدوا ذويهم وأحبائهم بسبب هذا الوباء، تلك المشاهد المؤلمة تدعو للتفكير ماذا لو كانت حياتك كلها متعلقة بالخدمة فى وقت الكوراث ورؤية الموتى وتغسيلهم ودفنهم؟
آل الشبيهى أسرة يمتد تاريخ عملها فى مجال الدفن لأكثر من 80 عامًا فقد عاصروا العديد من الكوارث التى مرت على مصر، خاصة أن الجد الأكبر تبرع بخدمة مقابر الصدقة فى محافظة القاهرة منذ إنشائها ليتوارث العمل فيها الأبناء جيل تلو الآخر.
يحكى أكرم الشبيهى الذى يعمل تربى منذ 40 عامًا أن طوال فترة خدمة عائلته لمقابر الصدقة أو غيرها من المقابر مرت عليهم العديد من الكوارث بدءً من الكوليرا وقد حكى له والده أنه فى زمن هذا الوباء كانت سيارات الإسعاف تنقل المتوفين ثم تدفنهم بنفسها ولم يشارك الترابية وقتها فى عمليات الدفن بأمر الحكومة، لافتًا إلى أنه بحسب حكاية والده فلم تكن الإجراءات الاحترازية مثلما يحدث فى زمن كورونا بل كانت بـ"البركة" على حد تعبيره.
وللعلم فإن الكوليرا ضرب مصر 10 مرات فى تاريخها الحديث آخرها في الأربعينيات وتحديدا عام 1947، وحصد الوباء أرواح ما يقرب من 20 ألف شخص بحسب ما تم تدوينه فى الدفاتر الرسمية، وربما يزيد الرقم عن هذا، خاصة أن عدد من المراجع التاريخية أشارت إلى أن بعض الأهالى كانوا يخشون الإبلاغ عن الحالات المصابة وقتها خوفا من الدخول فى العزل الحكومى.
وتعتبر مقابر الصدقة شاهدا على كوارث محفورة فى تاريخ مصر، فعندما تتجول داخلها ستجد النصب التذكرى يحكى عما هم أسفل الثرى، وقد عاصرت عائلة الشبيهى تلك الكوراث ومنها حادثة تحطم الطائرة الباكستانية الشهيرة التى وقعت فى 20 مايو عام 1965، وذلك بالقرب من مطار القاهرة الدولى.
وراح ضحية لتلك الحادثة 121 شخصا من أصل 127 كانوا على متنها، وضمت قائمة الضحايا واحدة من أشهر المضيفات فى تاريخ عالم الطيران وهى مومى جل دورانى واشتهرت بابتسامتها فى إعلانات الخطوط الباكستانية، ووقتها أصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على دفن الضحايا فى مصر، وطول تلك السنين يتم إحياء ذكرى الراحلين عبر السفارة الباكستانية فى القاهرة بشكل سنوى.
بالتأكيد لم يُعاصر أكرم الشبيهى زمن وباء الكوليرا أو حادثة سقوط الطائرة الباكستانية لكنه يتذكر بشكل جديد للغاية حادثة سقوط الطائرة المصرية فى الولايات المتحدة، ودفن أشلاء الراحلين فى مقابر محافظة القاهرة، وتم وضع نصب تذكارى لهم.
وفي 31 أكتوبر من عام 1999، بدأت الرحلة رقم «990» في التحرك من نيويورك إلى القاهرة، وذلك بطائرة "بوينج 767" التابعة لـ مصر للطيران، وبعد نحو ساعة من إقلاعها سقطت لأسباب مجهولة، وقتل في الحادث 217 شخصا وزعمت التقارير الأمريكية وقتها أن الطيار جميل البطوطى قد أسقط الطائرة عن عمد، وهذا لم يتم إثباته حتى الآن.
أيضًا من الحوادث التى ينساها الشبيهى حادثة قطار الصعيد وكيف قضوا أربعة أيام ينظفون المقابر من أجل استقبال الضحايا، ودفنهم خصوصا أن الحادثة كانت كبيرة للغاية، وللعلم فإن حادثة قطار الصعيد وقعت 20 فبراير لعام 2002 ليلة عيد الأضحى، وقد احترق القطار رقم 832 المتوجه من القاهرة إلى أسوان والحادثة راح ضحيتها 361 شخصا.
أما عن الخوف من عمليات الدفن في زمن كورونا، يؤمن أكرم الشبيهى بأنه يجب على الشخص الأخذ بالأسباب واتباع كافة الاجراءات الاحترازية وبعد التوكل على الله، قائلاً: "يعنى أنا مثلاً لو توفيت متأثرا بإصابتى بفيروس كورونا، لا يتم دفنى هذا الأمر لا يصح نهائيا".
واختتم الشبيهى حديثه بأن الخدمة فى مقابر الصدقة كما يلقبها الأهالى لها ثواب عظيم وكانت وصية جده لوالده أن يعتنى بها، ونفس الأمر نقله له والده قبل رحيله بخمس سنوات، ونفس القصة بالنسبة له وهو ابنه الذى يعمل معه فى نفس المجال ويوصيه دائمًا بخدمة تلك المقابر لكى ينول ثوابها.