أرسل القائد الإسرائيلى، أحد الجنود المصريين الذين تم أسرهم، إلى الضابط المصرى، قائد أحد الدشم فى جزيرة شدوان، بالبحر الأحمر لإقناعه بالاستسلام، وعاد الجندى المصرى ليبلغ القائد الإسرائيلى أنه وجد كل الجنود فى الدشمة قتلى، عدا واحد فقط، وجده مصابا، فأعطى القائد الإسرائيلى أوامره إلى جنوده بالتقدم لاحتلالها، لكنهم فوجئوا بنيران تخرج من الدشمة لتحصدهم.
نفذ الجندى المصرى حيلته باتفاق بينه وبين قائده، ليسجل بذلك واحدة من البطولات الرائعة التى شهدتها معركة «شدوان»، بين القوات الإسرائيلية المعتدية، وبين أبطال الجيش المصرى، والتى بدأت يوم الخميس، 22 يناير 1970، ليلا، واستمرت حتى صباح اليوم التالى، يوم 23 يناير مثل هذا اليوم 1970، حسبما يذكر كتاب «صفحات مضيئة من تاريخ مصر العسكرى.. حرب الاستنزاف، يونيو 1967، أغسطس 1970» إعداد هيئة البحوث العسكرية، وزارة الدفاع المصرية، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
يؤكد الكتاب أن القتال استمر بين كتيبة مظلات إسرائيلية وسرية الصاعقة المصرية، وتمت خلاله بطولات لا يمكن حصرها، وأساليب تصل إلى حدود اللا معقول، منها أن القطاع الذى يتركز فيه الرادار فى الجزيرة، ظل يقاوم بعنف دون أن تتمكن القوات الإسرائيلية من الاقتراب منه، فأرسل القائد الإسرائيلى أحد الجنود المصريين الذين سبق أسرهم، إلى قائد أحد الدشم التى تمثل نقطة ارتكاز فى الدفاع لإقناعه بالاستسلام، وعاد الجندى المصرى وأبلغ بأنه وجد كل الجنود قتلى عدا واحد فقط، وجده مصابا، عندها أمر هذا القائد جنوده بالتقدم، لكنه فوجئ بالمقاومة.
كانت هذه المعركة، واحدة من المعارك البطولية التى شهدتها حرب الاستنزاف، والتى خاضها الجيش المصرى ضد إسرائيل بعد نكسة 5 يونية 1967، حتى 8 أغسطس 1970، ووفقا للباحثة إنجى محمد جنيدى، فى كتابه «حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل -1967 1970»: «قامت القوات الإسرائيلية بالهجوم على الجزيرة، وهى جزيرة منعزلة بالقرب من تفرق خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر وتؤمنها سرية صاعقة، ورادار بحرى خاص بالملاحة البحرية فى المنطقة، وتم الهجوم باستخدام طائرات الهليوكوبتر واللنشات البحرية تحرسها الطائرات القاذفة المقاتلة».
فى البلاغ العسكرى المصرى عن الهجوم والمنشور فى جريدة الأهرام يوم 24 يناير 1970، ذكر أن خسائر العدو قدرت بأكثر من خمسين قتيلا وجريحا، وأن خسائرنا نحو 80 فردا بين شهيد وجريح ومفقود بما فيهم المدنيون، فى المعركة التى استمرت 36 ساعة
ينقل الموقع الإلكترونى «73 مؤرخين»، فى تحقيق بعنوان «بالصور، معركة شدوان، كذبة إسرائيلية قديمة»، شهادة الصحفى الأمريكى جاى بوشينسكى، الذى كان مصاحبا للقوات الإسرائيلية، وهو مراسل إذاعة وستنجهاوس، وجريدة «شيكاغو نيوز»، فى برقية بعث بها إلى وكالة أنباء «يونايتد برس»: «رغم أن الطائرات الإسرائيلية قصفت الجزيرة قصفا مركزا لعدة ساعات قبل محاولة إنزال القوات الإسرائيلية، فقد قاومت القوة المصرية مقاومة باسلة ولم يكن الأمر سهلا للمهاجمين، ولما تمكنت القوات الإسرائيلية من النزول على الطرف الشمالى الشرقى للجزيرة، بدأت فى محاولة لتثبيط عزيمة القوات المصرية بأن أذاعت نداءات متكررة بالميكروفون تدعو القوة المصرية للاستسلام، وأنه لا فائدة من المقاومة، وكان رد المصريين على هذا النداء بقذائف مركزة من المدافع تنصب فوق الجنود الإسرائيليين من كل جانب».
يضيف: «شاهدت بطولات من الجنود المصريين لن أنساها ما حييت، جندى مصرى يقفز من خندقه ويحصد بمدفعه الرشاش قوة من الإسرائيليين، وظل يضرب إلى أن نفدت آخر طلقة معه، ثم استشهد بعد أن قتل عددا كبيرا من جنود العدو، وأصاب عشرات بجراح، وكانت القوات الإسرائيلية تتلقى مساعدة مستمرة من طائرات هليوكوبتر، ورغم ذلك لم تتقدم إلا ببطء شديد للغاية تحت وطأة المقاومة المصرية، ولم يكن أى موقع مصرى يتوقف عن الضرب إلا عندما ينتهى ما عنده من ذخيرة، وفى أحد المواقع خرج جنديان متظاهرين بالتسليم، وحين تقدمت قوة إسرائيلية للقبض عليهما فوجئت بجندى مصرى ثالث يبرز فجأة من الموقع بمدفعه الرشاش فيقتل 5 جنود ويصيب عددا من الإسرائيليين».
كان فى قائمة الشهداء جنود وضباط ومدنيين، أبرزهم المقدم حسنى محمد أحمد، ابن الإسكندرية، وخريج الكلية البحرية فى أغسطس 1952، وكان أمله الوحيد أن يموت خلال معركة فوق لنش طوربيد، وكان يتوقع هذا فى أحاديثه، ويردد دائما: «احنا مهنتنا الموت»، وفى جنازته بالإسكندرية سار وراءه نحو نصف مليون مصرى فى واحدة من أضخم الجنازات التى أقيمت لرجل عسكرى فى مصر.