في حكم جديد وفريد يحاكم ظاهرة الشماتة في شهداء الوطن من رجال الجيش والشرطة، قضت المحكمة الإدارية العليا فحص، بإجماع الاَراء، برفض الطعن المقام من المعلمة (و.م.أ) بمدرسة 6 أكتوبر الابتدائية بدكرنس محافظة الدقهلية، لأنها أظهرت الفرحة والشماتة عند حدوث عمليات إرهابية يتم فيها استشهاد جنود أو ضباط من رجال القوات المسلحة أو الشرطة، وعاقبتها بخصم عشرين يوما من راتبها.
صدر الحكم برئاسة المستشار صلاح هلال نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى ومحسن منصور نائبى رئيس مجلس الدولة.
وأكدت المحكمة أن الشماتة فى شهداء الوطن من رجال الجيش أو الشرطة مفسدة لتعاليم الأديان ومجلبة للشر والاَثام، وأن الشهيد يعد حاميا لشرف وكرامة الأمة المصرية التى تصون لها الدستور والإسلام نهى عن فعل الشماتة.
وقالت المحكمة أن الشماتة فى شهداء الوطن من رجال الجيش أو الشرطة يعد تصرفا مذموما مدحورا وسلوكا ملوما محسورا وفعلا مخذولا محظورا. وبهذه المثابة تعد الشماتة فى الشهداء مفسدة لتعاليم الأديان ومجلبة للشر والاَثام. ذلك أن من يستشهد دفاعا عن حماية البلاد والحفاظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه أو دفاعا عن توفير الطمأنينة والأمن للمواطنين، يعد حاميا لشرف وكرامة الأمة المصرية التى تصون لها الدستور فى المادة (16) منه بالتزام الدولة بتكريم شهداء الوطن، ورعاية مصابي الثورة، والمحاربين القدماء والمصابين، وأسر المفقودين في الحرب وما في حكمها، ومصابي العمليات الأمنية، وأزواجهم وأولادهم ووالديهم، وأن تعمل على توفير فرص العمل لهم، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون.
وتشجع الدولة مساهمة منظمات المجتمع المدني في تحقيق هذه الأهداف، وهو ما كان موضع اهتمام فعلى من المشرع العادى بإصداره القانون رقم 16 لسنة 2018 بإصدار قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء وضحايا ومفقودى ومصابى العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم , وما قد يلحق به من تعديلات ضامنة لما نص عليه الدستور.
وأضافت المحكمة أن سلوك الشماتة سخرية وهمزا ولمزا واستهزاء وقولاً وفعلاً وإشارة ليس من الأخلاق الحميدة الكريمة، والشيم المرضية التي أمر الله عباده بها التى تُقوِّم السلوك ليستقيم على الفطرة السوية من حُسن المعتقد، وحب الخير للناس، واجتنابِ الشحناء، والتهاجر، والتباغض، والسباب، والتنابز بالألقاب، فالشماتة وصفا ولفظا فيه تنقُّصٌ، أو حطُّ مكانة، أو احتقارُ، أو ذمٌ، أو طعنٌ، أو تعدٍ على كرامة بفرحٌ ببليةِ مَن تُعاديه، والسرورُ بما يكره من تجافيه فإذا رأى نعمة بُهت، وإذا رأى عثرة شمت ومن يتصف بهذا الخلق الذميم الشامت، محروم من المحامد الجميلة ، والمسالك الراقية، والشعور الإنساني النبيل.
وذكرت المحكمة أن الثابت أن الحكم المطعون فيه قد أحاط بأدلة الاتهام المنسوب إلى الطاعنة (و.م.أ) المعلمة بمدرسة 6 أكتوبر الابتدائية بدكرنس محافظة الدقهلية بأنها تظهر الفرحة والشماتة عند حدوث أية عمليات إرهابية يتم فيها استشهاد جنود أو ضباط من رجال القوات المسلحة أو الشرطة من خلال الشهود الذين اطمأنت المحكمة لشهادتهم وهى مخالفة ثابتة فى حقها ثبوتا يقينيا بشهادة (م.أ.أ) ناظر المدرسة المذكورة زميلاتها وزملائها (ف.أ.م) و (أ.ا.أ) و(ب.ع.ا) المدرسين بذات المدرسة. كما نسب إليها أنها تعدت بالقول على ناظر المدرسة بشهادة زميلاتها مما يشكل في حقها إخلالا جسيما بكرامة الوظيفة. وإثماً تأديبيا يستوجب العقاب بخصم عشرين يوما من راتبها على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه .
وأوضحت المحكمة أن القرآن العظيم قد نهى عن فعل الشماتة بقول الله – عز وجل : " إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ " الاَية 120 من سورة آل عمران , وفي غزوة اُحد فرح المنافقون بما أصاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين من جراحات فأنزل الله عز وجل قوله :" إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ " الاَية 140 من سورة آل عمران , وقال هارُون لأخيه موسى - عليهما السلام - في محكم التنزيل العزيز:" فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ " الاَية 150 من سورة الأعراف , وروى البخاري ومسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء) ويقول الشوكانيُّ - رحمه الله - "استعاذَ النبى - صلى الله عليه وسلم - من شماتة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها، لعِظَم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفُس البشرية، ونُفور طِباع الناس منها، وقد يتسبَّبُ عُمقُ ذلك والاستِمرارُ عليه تعاظُم العداوة المُفضِية إلى استِحلال ما حرَّم الله"
واختتمت المحكمة أن الجرائم التأديبية وإن لم تتشابه مع الجرائم الجنائية في أنها قد وردت على سبيل الحصر كما هو موصوف في نموذج التجريم الجنائى , إلا أنها بوصفها نظامًا للتأثيم والتجريم تتعلق بالسلوك الإنساني غير المحصور في قوالب منصوص عليها فحسب بل تمتد إلى إلى ما تكشف عنه بيئة المجتمع من أفعال وتصرفات تنتهك المبادئ التى تضمنتها الدساتير والقيم التى دعت لإصدار القوانين والمثل التى نات بها تعاليم الأديان , وهذا السلوك الإنسانى يخضع للقانون كما يخضع للعرف العام وتقاليد المجتمع ومثله وقيمه , لذا فليس للجرائم التأديبية نموذجا موصوفا للتجريم على نحو يماثل الجرائم الجنائية .
وبهذه المثابة تظل الجرائم التأديبية على عكس الجنائية غير محصورة بل متطورة ومرنة ومعبرة عن خرق النظام الحياتى للإنسان السوى في البيئة التى يحيا بها , فتفرغ فى الجرائم التأديبيىة كل مخالفة للناموس الطبيعى للحياة والفطرة السليمة بما يتعارض مع كرامة الوظيفة أو يؤذى الكرامة الإنسانية ، وقد بات واجبا علي الموظف العام أن يتحرى فى سلوكه العام ما يحفظ به كرامة الوظيفة طبقا للعرف العام وأن يتحلى بسلوك رفيع فى أداء الواجبات الوظيفية فلا يسوغ له خلط الجد بالهزل أو التدنى فى اطلاق العبارات والتعليقات التى تحمل معانى الهزل والاستهزاء والشماتة بما ينال من واجب الاحترام والكرامة التى تصون لها الدستور فمن ثم تدق له موازين الحساب , وعلى هذا النحو يجب أن تثبت الجريمة التأديبية يقينًا في حق المتهم حتى يتسنى توقيع العقاب المناسب على من ارتكبها، وسواء ارتكبت الجريمة التأديبية داخل مجال العمل أو خارجه بحسبان أن الموظف العام يسأل تأديبياً عن الأفعال والتصرفات التي تصدر عنه خارج نطاق أعمال وظيفته إذا كان من شأنها الخروج على واجبات الوظيفة أو الإخلال بكرامتها أو الاحترام الواجب لها أو يمس الأمانة أو الكرامة الإنسانية .