حيلة جديدة لجأت إليها عائلة صفوان ثابت، فى إطار مسلسل التحايل من أجل استمرار السيطرة على مجموعة جهينة، وتوفير معبر آمن للأموال والدعم من العائلة الإخوانية إلى دوائر التنظيم. تمثلت تلك الخطوة فى إعلان "ثابت" استقالته من مجلس إدارة الشركة، ثم اختيار وجه محايد هو رجل الأعمال أحمد الوكيل بديلا له، فى محاولة للإيحاء بانتهاء الأزمة وتجفيف سيطرة حفيد مرشد الإخوان الأسبق على عملاق الصناعات الغذائية فى السوق، لكن فى مقابل ذلك ما يزال أبناؤه الثلاثة ضمن تركيبة المجلس، والأسرة صاحبة حصة الملكية الأكبر فى المجموعة!
اللعبة تبدو تقليدية ومعتادة داخل دوائر الإخوان. قبل سنوات طويلة واجه التنظيم أزمات حادة على خلفية الاصطدام مع الدولة ومؤسساتها، ما أسفر عن إجراءات جادة تجاه الجماعة ودوائرها الرسمية. وقتها حاول التنظيم الهروب من حالة الحصار الرسمية والشعبية، وإعادة هيكلة أجنحته والنفاذ إلى مساحات أخرى داخل دوائر النخبة الوسط السياسى والمهتمين بالشأن العالم، فوجه لفيفا من أعضائه لإعلان الانفصال عن الإخوان وتشكيل تيارات أخرى، وهكذا نشطت خلايا الجماعة النائمة داخل النقابات والجامعات واخترقت الأحزاب القائمة وأسست حزبا مثل الوسط، وتوسع الأمر عقب ثورة 25 يناير فظهرت أكثر من 5 أحزاب تابعة للإخوان، واخترق التنظيم ائتلاف شباب الثورة وعشرات من المراكز والتجمعات والدوائر الشعبية على امتداد مصر. الآن تغير المشهد واختفت كثير من تلك الوجوه، لكن صفوان ثابت يُحاول إعادة إنتاج اللعبة نفسها داخل جهينة!
منذ اللحظة الأولى لنشاط صفوان ثابت، كان واضحا أن جماعة الإخوان الإرهابية اختارت أن تلعب معه لعبة التحايل الشهيرة. الرجل الذى ينتمى لعائلة إخوانية معروفة بوصفه حفيدا لاثنين من مرشدى التنظيم: الجد المباشر مأمون الهضيبى والجد الأكبر حسن الهضيبى، فضلا عن روابط اجتماعية وعلاقات مصاهرة وشراكة وعمل مع قادة رفيعى المستوى بالجماعة، حاول منذ ثمانينيات القرن الماضى أن يبدو بعيدا عن الإخوان، ولتأكيد ذلك نزع عنه رداء الإخوان ظاهريا، وتقرب من النظام الأسبق ورموزه، ودعم الحزب الوطنى المنحل، وشارك وتعامل مع عدد من رجال أعماله، لكنه فى القلب من كل ذلك ظل وثيق الصلة بالإخوان وداعما لهم، وممولا لأنشطة الجماعة ثم لحزبها "الحرية والعدالة" وأنشطتها السياسية والاجتماعية قبل ثورة يناير وبعدها، وإذا مددنا الخط على استقامته فلا ضمانة لأنه لم يكن شريكا فى تمويل أنشطة العنف والإرهاب عقب ثورة 30 يونيو. خلاصة الأمر أن الدور المرسوم لـ"ثابت" تمحور حول فكرة أن يكون قطبا اقتصاديا ومركزا ماليا قويا، يدعم التنظيم لكنه غير محسوب عليه، حتى إذا واجهت الجماعة أزمات مفصلية أو اصطدمت بالدولة إلى حد تتضرر معه أموالها وشركاتها المعلنة، يمكن أن يُؤمّن لها "ثابت" ومن يلعبون نفس دوره منفذا ماليا يغطى احتياجاتها. تلك اللعبة انكشفت وبات المشهد واضحا خلال الفترة الأخيرة، وهنا ربما يكون الحل فى إطاحة صفوان ثابت وأسرته من تلك الدائرة وإنهاء سيطرتهم على تلك البوابة المالية الإخوانية، لكن فى مقابل ذلك من غير المتوقع أن يستسلم التنظيم أو يقبل الانكسار الكامل بسهولة، لذا جاءت محاولة التحايل من خلال استقالة جوفاء وخروج صورى وتضحية جزئية بوجه "صفوان" من أجل إنقاذ باقى الوجوه داخل "جهينة"، والحفاظ على هذا المورد المالى ومئات الملايين الموجهة لخدمة أنشطة الإخوان!
لدى صفوان ثابت ثلاثة أبناء: الابنتان مريم وهبة الممثلتان بالمجلس، والابن "سيف" الذى يشغل موقع نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب، وهو وفق تلك الوضعية يُهيمن على المجموعة ويتحكم فى أنشطتها وتعاملاتها التجارية والمالية، وفضلا عن ذلك فإن الأسرة تملك الحصة الأكبر داخل "جهينة"، ومن هنا فإن استقالة صفوان ثابت من مجلس الإدارة وإحلال وجه محايد مثل أحمد الوكيل بدلا منه لا يُمثل نهاية الأزمة، أولا لأن لديه 3 خلايا نائمة داخل المجلس، وثانيا لأنه يملك هو وأبناؤه ما يسمح لهم بالتدخل فى أنشطة الشركة، ويوفر لهم عوائد وأرباحا وتدفقات مالية ضخمة يُمكن توجيهها لخدمة الأنشطة الإخوانية أو تمويل أجنحة الجماعة. الحالة الوحيدة التى يُمكن أن تحبط تلك الخطة أن يلحق الأبناء الثلاثة بأبيهم، وأن تُوضع حصة عائلة ثابت تحت الرقابة والمتابعة والإدارة المباشرة من جانب الدولة، بما لا يسمح لهم بتأمين تدفقات مالية خارج المحاسبة والرصد!
المؤسف فى هذا المشهد، أن بقاء صفوان ثابت كل تلك السنوات منتميا وداعما وممولا للإخوان، بينما يُسمح له بتصدر الواجهة وامتلاك وإدارة واحدة من أكبر المجموعات الصناعية والغذائية فى مصر، يُشير إلى خلل حقيقى فى منظومة رصد وتتبع الجماعة الإرهابية والمنتمين لها والمتورطين فى تمويلها وتدبير نفقات أنشطتها المشبوهة، وإذا تغاضينا عن السنوات السبع الماضية منذ ثورة 30 يونيو 2013، رغم ما تبعها من تفجيرات وأعمال عنف وإرهاب ارتكبتها أيدى الإخوان وبالتأكيد موّلتها شركاتهم المعلنة والخفية، فإن بقاء صفوان ثابت وأبناؤه على رأس المجموعة وبقدرة ضخمة على التحكم فيها والاستفادة من نشاطها وأرباحها، رغم ضبطه واتهامه وبدء التعامل معه قضائيا على خلفية انتمائه لجماعة إرهابية، هو إمعان فى التقصير والتساهل مع أزمة حقيقية، وتزداد فداحة الأمر أمام لعبة "ثابت" ومحاولاته للتحايل عبر الاستقالة المضحكة من مجلس الإدارة، بينما يملك أغلب الشركة، وأبناؤه الثلاثة خلايا نائمة تعمل وفق إرشاداته وتوجيهات من يُديرونه من قادة الإخوان. هنا نبدو أمام وضع مؤسف ومُزرٍ ومُثير للانزعاج والقلق، وسؤال مفتوح يبحث عن إجابة: لماذا كان التقصير؟ ومن المسؤول عن هذا التهاون الطويل؟ ولماذا لا يتدخل القانون بحسم؟ وكيف يُمكن إنقاذ الاقتصاد والسوق والشركة وأمن المجتمع طالما ظلت الشركة فى قبضة عائلة صفوان ثابت؟ ولماذا لا تتخذ الجهات المعنية خطوة جادة وقرارا جريئا باتجاه إنهاء سيطرة العائلة الإخوانية على المجموعة، ووضع جهينة تحت إدارة الدولة المباشرة؟.. تتعدد الأسئلة، ولا يتوقف البحث عن إجابات، وبينهما تظل هيمنة أسرة صفوان ثابت ومن ورائها جماعة الإخوان على جهينة قائمة، وتظل المليارات "السائبة" فى متناول أيدى الإرهابيين!