صدرت «الأهرام» يوم 9 فبراير، مثل هذا اليوم، 1974، وعلى صفحتها الأولى اسم «على أمين» رئيسا للتحرير، وذلك بعد أسبوع من قرار الرئيس السادات بتعيينه مديرا للتحرير، وعبدالقادر حاتم رئيسا لمجلس الإدارة، خلفا لمحمد حسنين هيكل، الذى أقاله السادات من رئاسة للأهرام.
كان اختيار «على أمين» لافتا ومثيرا، وأحدث قلاقل داخل «الأهرام»، التى ظل هيكل رئيسها 17 عاما متواصلة، وكان الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين طرفا مشاركا فى هذه الأحداث، ويسجل شهادته عنها فى كتابه «محاوراتى مع السادات».. يذكر: «كان على أمين يرى فى كل محرر أو عامل أو فراش مندوبا لهيكل وخصما له، كذلك تبين لى بسرعة أن على أمين يريد تغيير شخصية جريدة الأهرام التقليدية إلى جريدة أشبه بشخصية الجريدة التى أسسها مع مصطفى أمين وهى أخبار اليوم».. راجع، ذات يوم، 8 فبراير 2021.
يروى الكاتب الصحفى رجب البنا، أحد تلاميذ هيكل فى الأهرام، أكبر مشاهد الخصومة بين على أمين والعاملين بالأهرام، قائلا فى كتابه «هيكل بين الصحافة والسياسة»: «كان أسلوب إدارة على أمين للتحرير مختلفا عما تعودنا عليه فى الأهرام، وظهر فى أحد برامج التليفزيون، وسئل: ماذا ستفعل للأهرام؟ فأجاب: سأجعله يلبس ملابس داخلية، وكانت هذه العبارة عود الكبريت الذى أشعل الغضب بين جميع المحررين الكبار والصغار، وسادت صالة التحرير والمكاتب حالة من الانفعال لم يسبق لها مثيل، ولم يجد الدكتور حاتم بدا من دعوة الجميع لاجتماع فى صالة التحرير، ولأول مرة يحتشد مئات من المحررين والإداريين والعمال، وحاول الدكتور حاتم أن يهدئ المشاعر ويقول: «إن الأستاذ على أمين لم يقصد الإساءة إلى الأهرام وإلى من فيه، وإنه يحمل لهم التقدير».
يضيف «البنا»: «تبددت كلمات حاتم وسط صياح وصراخ، وقف لطفى الخولى يقول بصوته الجهورى: هذا الموقف مرفوض، وهذا الكلام مرفوض، وإذا كان على أمين يريد منا أن نلبس ملابس داخلية فعليه أن يفعل ذلك أولا، واستمر الخولى فى حديث عن كرامة الصحافة والصحفيين، وعن مكانة الأهرام ومحرريه، ثم وقف محمد سيد أحمد هو الآخر ولأول مرة أرى وجهه محتقنا وصوته عاليا يرن فى الصالة، وتحدث آخرون بانفعال».. يؤكد البنا: «لولا حكمة الدكتور حاتم لحدث ما لا يحمد عقباه، وانتهى الاجتماع باعتذار من الأستاذ على أمين، وكانت بداية غير موفقة، ونتائجها غير سارة، وإن كان قد حاولنا أن نتلاءم ونعمل حرصا على الأهرام».
وعن محاولة تغيير شخصية الأهرام كجريدة وجعلها أشبه بشخصية «أخبار اليوم».. يذكر بهاء: الحق أن على أمين أخطأ التصرف فى شىء أساسى، فقد حاول فعلا أن يغير ترتيب وتبويب الأهرام، وصياغة صفحته الأولى ومانشيتاته إلى ما يجعل الأهرام نسخة من أخبار اليوم، وكان هذا أكبر موضوع يجذبنى بالتدخل بينه وبين أسرة تحرير الأهرام، واستغاثات المرحوم على حمدى الجمال مدير التحرير، وكثيرا ما كنت أقول للجمال بعد انصراف على أمين وتركه تعليمات معينة فى هذا الاتجاه: «لا تنفذ هذه التوجيهات، وقل لعلى أمين غدا، أننى الذى نصحتك بذلك وسأواجهه فى الصباح بأننى المسؤول».
يؤكد «بهاء»، أن المنازعات بينه وبين على أمين تفاقمت بشدة، وأن ترويضه لم يكن عملية سهلة بشخصيته القابلة للثورة السريعة العارمة كالوحش، والهدوء السريع كالطفل، ويكشف أنه طلب لقاء مع مصطفى أمين يحضره «على» ليشرح له ما يحدث، وفى اللقاء روى لمصطفى كل تصرفات أخيه، وخصوصا محاولة تغيير هوية الأهرام إلى ما يشبه هوية أخبار اليوم.
يكشف «بهاء» رد مصطفى قائلا: «أحب أقول لك أننى موافق على كل كلمة قلتها، وأننى حدثت على أحيانا فى بعض ما حدثته أنت فيه، وأقول له أمامك الآن: لا يمكن لعاقل أن يقدم على تغيير شخصية جريدة عمرها مائة سنة فى سنة واحدة، هذه مغامرة صحفية مستحيلة».
يذكر بهاء، أن على أمين لم يعلق، وغلبت عليه وداعته المفاجئة، وإحساسه بأننى أخلص له النصح مهما قسوت فى كلامى، وانتقل بكلامه إلى وضع الأهرام ووضع الدكتور حاتم ، ويتذكر بهاء: «نظرت للتوأم الشهير، وقلت لهما: يا على بيه ويا مصطفى بيه، أرجو أن تفكرا بالعقل، إن وجود أحدكما على رأس أخبار اليوم - كان رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم وقتها الأستاذ إحسان عبدالقدوس، ولكن عودة مصطفى أمين بعد خروجه من السجن إلى أخبار اليوم التى أسسها جعلته قائدها وموجهها الفعلى - ووجود ثانيكما على رأس الأهرام، أى وجودكما على رأس أكبر مؤسستين صحفيتين فى البلاد أمر لا يمكن أن يستمر طويلا، ثم إنه غير مقبول سياسيا».
يتذكر بهاء: «نظر الاثنان إلى فى دهشة وتفحص، ولا أذكر بماذا علقت».. وبعد شهور قليلة تحققت نبوءة بهاء.